المبدع في الأول والأخير إنسان

المبدع في الأول والأخير إنسان
الزجل المغربي أكبر من لهجة، أكبر من لغة، إنه أقصى درجات الاحتراف في فن القول
حسن خيرة الذي ننشر حوارا معه اليوم..شاعر زجال من مواليد 1973 بالقنيطرة . يحمل ولعه بالزجل ويدافع عنه باستماتة. لا يغيب عن اية فعالية ذات علاقة بهذا اللون من الابداع .شارك ونظم العديد من الملتقيات منذ مطلع القرن الى اليوم محتفظا بذات الحماس والتوهج..من اصدارانه ..ايام من خريف العمر.مشموم الهم. كية الشمتة.التفدفيدة
الكتابة الإبداعية بين القصيدة النثرية والزجلية، أخبرنا عن تجربتك بين هذه وتلك؟
كما لا يخفى على أحد فالإنسان ابن بيئته، ولد وترعرع فيها، كل يوم يعيش بها ومعها في علاقة جدلية يتبادلان فيها التأثير والتأثر، ويبقى المبدع في الأول والأخير إنسان ولا يمكن أن يخرج عن هذه المنظومة الفطرية والفكرية والتاريخية
وباعتباري إنسان مغربي مبدع ينتمي إلى شمال القارة الإفريقية الغنية بتنوعها الفكري والثقافي، أجدني بشكل لا إرادي مشغول ومتفاعل مع كل القضايا التي تهم المحيط الجغرافي الذي تنتمي إليه جذوري ثقافيا، واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا
يقول الشاعر والكاتب المغربي صلاح بوسريف في مقال له نشر بجريدة المساء : (فالكاتب …حين يكون في المقهى، أو في العمل، أو على الرصيف، وفي السوق، فهو في النص لا يبرحه لأنه من هذا اليومي العام، يتغذى لينقل اليومي العام إلى شخصي الخاص …)
غير أن ثمة اختلاف لدى كل كاتب أو شاعر في التفاعل مع قضايا مجتمعه وهذا طبيعي- تفرضه مجموعة من العوامل تتوزع بين الفكري والنفسي والخلقي والاجتماعي- لا يختلف عليه اثنان سليما العقل والرؤية العلمية
فأنا مثلا في إبداعاتي سواء في شعر المعرب أو في شعر الزجل أشتغل على موضوع الهم، بل أجعل منه” قضية” بحيث أعيد قراءته وتشخيصه وفق منظوري الإبداعي الخاص بي، وإعادة تركيبه في قالب قصائد شعرية، فبالنسبة لي، هو نوع من التخفيف عن الذات ، وبالنسبة للآخر: القارئ أو المتلقي هو نوع من العلاج النفسي وأخذ الدروس والعبر
ولتحقيق هذا المراد لا أقتفي في ذلك أي نموذج من نماذج الأدباء العرب أو أدباء باقي دول العالم … نعم أنا أقرأ لهم ، واستفدت من تجاربهم ومن علمهم حتى كسبت رصيدا ثقافيا مستقلا عنهم، أستطيع من خلاله الانتقال من ذاتهم إلى ذاتي، أنا وفق التصور الذي أؤمن به ، وبالطريقة التي أردت إيصالها إلى كل قرائي في كل بقاع العالم
وعليه فأنا دائم الحلم في أن أصل بفكرتي وبإبداعي إلى كل القراء داخل الوطن وخارجه، هذا طموح مشروع، وكل إنسان مبدع لا يملك أي طموح يموت في أول الطريق
لذا تراني وتجدني أثناء وضع برامجي السنوية دائم الحرص والتركيز على مسألة ترجمة أعمالي إلى اللغات الأجنبية حتى يتسنى لها أن تصل إلى أكبر عدد من القراء في العالم برمته، وبالتالي حتى أتمكن من وضع بصمتي تحت اسمي في سجل الثقافة العالمية بكل فخر واعتزاز
والمشهد الثقافي المغربي اليوم ولله الحمد يتمتع بحالة صحية جيدة وسليمة، تخول لي تحقيق حلمي ورغبتي في بلوغ الدرجة العالمية
وختاما أقول كتلخيص لتجربتي الإبداعية أن الدور الأساسي والرئيسي الذي يجب على المبدع بصفة عامة (سواء كان شاعرا أو كاتبا) أن يستشعر في كل وقت وفي كل حين هو أنه جاء إلى هذه الدنيا وخُلق ليحافظ على الموروث الثقافي والحضاري لبلده ومحاولة تطويره لجعله مسايرا ومواكبا للعصر الذي يعيش فيه وللذي يليه ويأتي من بعده. وبالتالي فالإنسان المبدع هو امتداد للأجيال التي سبقته في مجال الكتابة والإبداع والتأريخ
وباعتباري شاعر زجال داخل المنظومة الثقافية لبلدي أعتبر- وهذه قناعة أؤمن بها حتى النخاع – أن دور الشاعر الزجال هو الحفاظ على كل ما خلقه ويخلقه الإنسان من عادات وتقاليد وطقوس دينية ومعتقدات فكرية وتأريخها التأريخ السليم ثم إيصالها إلى الإنسان الحاضر في قالب فني مقبول شكلا ومضمونا ومستساغا لكل الأذواق
ما هي مميزات الكتابة الزجلية؟
إن الزجل المغربي كما أكد الدكتور الناقد عبد الإله الرابحي هو جنس إبداعي وبنية قائمة بذاتها، مستقلة بنفسها، تنظم داخل الشعر وتفارق ” القصيدة” كما هي متداولة في اللغة الفصيحة
الزجل المغربي أكبر من لهجة وأكبر من لغة إنه أقصى درجات الاحتراف في فن القول، إنه الانتقال من مفهوم القول الشفاهي ولحكائي إلى مفهوم أوسع وأرحب وأرقى ذلك ما يعبر عنه علماء الفلسفة بالحفاظ على كل ما خلقه ويخلقه الإنسان من مفردات وعادات وتقاليد وطقوس دينية ومعتقدات فكرية
باختصار شديد القصيدة الزجلية التي لا تشم فيها رائحة أصلك، جذورك، تاريخك، ورائحة تربة بلدك وعشيرتك لا تعتبر قصيدة زجلية وإنما هي نوع من كلام الحلقة يراد به الفرجة وإمتاع الناس في لحظة عابرة ليس إلا
وأنا عندما أقول بأن الزجل المغربي أكبر من لهجة فأنا أقصد بأنه لا ينظم بلغة العامة المتداولة في الشارع وفي الحياة اليومية، إنما ينظم بطريقة أرقى وأحسن تظهر الفرق الشاسع بين الانسان المبدع والإنسان العادي
عندما أقول إنه أكبر من لغة ، ذلك لأنه أثناء نظمه يوظف أولا قواعد وطرق وآليات الاشتغال التي تخص القصيدة الزجلية  و في نفس الوقت يطبق و ينفتح على آليات و ميكانيزمات و أدوات الاشتغال التي تستعمل في بناء القصيدة المعربة من جناس و طباق و تناس و اقتباس و تشبيه و التفنن في اختيار الصور الشعرية الساحرة الممتعة للذوق و الإحساس البشري في أرقى علاقات التلاقح بين الروح و الكلمة العذبة الهادفة
الزجال المغربي من خلال هذا المفهوم العام وجدا،امل و الكامل استطاع التعبير عن حاجياته وهمومه وآلامه وأحزانه وأفراحه, ومشاغله، واهتماماته، فعبر بذلك عن حال وواقع المجتمع ككل، معتمدا في ذلك على الغناء والحركة والمعرفة بأهواء المستمعين , ليؤثر فيهم , وينال إعجابهم في حفلات الأعراس وغيرها , وفي مجالس العامة والخاصة ,واللقاءات الشعرية
والندوات العلمية،  وأقد ألف وأبدع الشاعر الزجال في مختلف الأعراض، من مدح و رثاء و هجاء ، وغزل، ووصف للمظاهر الطبيعية الخلابة ، ومجالس اللهو وغيرها
فكان وصوله إلى قلب الإنسان العادي سهل جدا،  حيث استحسنوه وأقبلوا عليه،  هذا بالإضافة إلى أنه نظم على أوزان كثيرة ومتعدد نعجز عن حصرها ، منها ما هو على وزن البحور الخليلية، ومنها ما هو مشتق منها، وما هو جديد ومبتكر
جمال اسريفي … (الحوار المتمدن)
والزجال المغربي كما صرح بذلك الدكتور الناقد عبد الإله الرابحي في قراءته النقدية لديواني الزجلي المدمغ بعنوان: تفدفيدة
 لم يعد ذاك البوهيمي الهائم على وجهه بين مدارج الدروب يوزع ” الحكمة ” على السامعين، بل أصبحنا أمام زجالين خريجي معاهد محترمة،  وذوي تكوين أكاديمي يخول لهم المزج بتركيب محكم بين الثقافة العالمة وما أسموه خطأ الثقافة غير العالمة، بين الثقافة الخاصة وثقافة العامة محطمين الحدود بينهما داعين المختصين إلى إعادة النظر في التصنيف وإعادة النظر في معاييرهم الأكاديمية
و مما لا شك فيه وهذه قاعدة أؤمن بها و كما قلت سابقا في مدخل قراءتي النقدية لديوان ضربة تحت لكلام للشاعر الزجال علي مفتاح، أن الإلمام بآليات و قواعد الشعر العربي و الأجنبي عموما و توفر البركة الربانية التي يصطلح عليها بالموهبة الإبداعية لا يكفيان بتاتا لأن يصبح المرء شاعرا زجالا, ما لم تتوفر فيه بعض الصفات الأساسية : كالبسالة و القفوزية و القبوحية بالمفهوم الإيجابي للكلمات, هاته الصفات قد تبدو للمستمع من الوهلة الأولى غريبة نوعا ما لكنها ضرورية ، لأنني أعتبرها محطات تعليمية لابد منها لولوج عالم شعر الزجل من بابه الواسع لإطفاء مذاق و نكهة خاصة على القصيدة الزجلية
 بالإضافة إلى ذلك وجب على الشاعر الزجال أن يكون ولد الوقت امْدوّزهَا و دَايْزَا عليه مزيَان وشبْعَان تَحْرمِيَات ثقافية
وهذا ما يجعل شخصية الشاعر الزجال تختلف كليا وجذريا عن شخصية الشاعر بالمُعرب لأنها وليدة مجموعة من التراكمات اليومية والتجارب الشخصية بحلوها ومرها، بقساوتها وليونتها والتي لا يمكن أن يعيشها إنسان آخر غيره في نفس الزمان والمكان وبنفس اللون
والطعم الذي تجرعه مما ساهم بشكل أو بآخر في رسم معالم نفسية وفكرية وأبستمولوجيا لإنسان اختارته الأقدار من بين وسط الملايين من الناس ليكون مبدعا، يوصل عصارة تجربته ومعاناته وأفكاره وآماله وأحلامه إلى عامة الناس وخاصتهم في قالب شعري زجلي من الواقع اليومي المعاش
 هل تعتقد ان الزجل المغربي يجد تجاوبا أكبر مع المتلقي مقارنة مع القصيدة الشعرية؟
مما لا شك فيه وهذه حقيقة لا يختلف فيها كل المتتبعين والمهتمين بالقصيدة الزجلية المغربية في الآونة الأخيرة أنها صارت وباتت تتمتع بحالة صحية ونفسية جيدة ودليل ذلك كثرة الإصدارات في هذا الصنف الأدبي وكذا كثرة المهرجانات والملتقيات التي تنظم على شرفها في كل أنحاء ربوع المملكة مع متابعة إعلامية سمعية وبصرية وإلكترونية منقطعة النظير مما يجعلها تتربع على عرش الإبداعي المغربي برمته
والسبب في ذلك يرجع بالأساس الى التنوع الجغرافي والثقافي واللغوي الذي تمتاز به المملكة المغربية مما جعل كل منطقة مغربية لها خصوصيتها الإبداعية بعكس شعر الفصيح الذي يروم التحدث بلغة واحدة وهي اللغة العربية مما يجعل القصائد تتشابه فيما بينها، هذا بالإضافة إلى اجتهاد شعراء الزجل الذين يشتغلون في هذا المجال بحيث ساهموا بشكل كبير في تطويره ونفض الغبار عنه وجعله معاصرا لذاته ولغيره
أين يمكن وضع الزجل اليوم مقارنة مع الزجل المستعمل غناء في الطرب الأندلسي مثلا؟
أولا يجب توضيح بأن شعر الزجل الذي كتب في مدارس الطرب الأندلسي والملحون يعتبر اللبنة الأولى التي قام عليها شعر الزجل المغربي الحديث وبالتالي فشعر الزجل الحالي هو امتداد واستمرار لما جاء في تلك المدرستين فهو حلقة من تلك السلسلة وجزء لا يتجزأ من ذلك الكل. لكن يجب أن أشير إلى مسألة أساسية مهمة وهي وجب علينا أن نفرق بين شعر الزجل وبين كلمات الأغاني فالأول شيء والثاني شيء أخر أقل درجة منه فالأول غير قابل للتلحين والغناء بينما الثاني قابل للتلحين والغناء
كيف ترى التجربة النسائية في مجال الزجل؟
الأقلام الزجلية النسائية في مجال الزجل المغربي حاليا في حالة صحية جيدة حيث عرفت في الآونة الأخيرة طفرة وقفزة كبيرة بسبب المستوى الثقافي الذي وصلت إليه النساء المغربيات في كل المجالات إلا أنها لازالت قليلة لا من حيث العدد والإبداع وأيضا من حيث الإصدارات بالمقارنة مع ما وصل إليه شعراء الزجل المغاربة

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com