جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية 2/1

الأدب العربي يتوج عن جدارة واستحقاق

التعريف بالجائزة:
تعد من أبرز الجوائز الأدبية والفكرية في العالم العربي، وكانت قد أسست عام 1987 بمبادرة من الشاعر الإماراتي ” سلطان بن علي العويس “، بهدف تكريم الأدباء والمفكرين والعلماء العرب الذين أسهموا في إثراء الثقافة العربية، وبالرجوع إلى الوثائق والمستندات ذات الصلة بالجائزة، نجدها في الباب الثالث، تهدف إلى: “تشجيع وتكريم الأدباء والكتاب والمفكرين والعلماء العرب، اعتزازا بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم في الوطن العربي”.
أما مواد الباب الرابع منها فتنص على:”منح الجائزة مرة كل عامين لعدد من الكتاب والمفكرين العرب، على انتاجهم في مجال القصة والرواية والمسرحية، والشعر والدراسات الأدبية والنقد، والدراسات الإنسانية والمستقبلية، شريطة أن يكون لإنتاج هؤلاء الكتاب والمفكرين مكانة متميزة في الإنتاج الثقافي والابداعي”.
وتضيف – نفس المادة – على أن يعكس ذاك الإنتاج [ أصالة الفكر العربي وطموحات الأمة العربية ويكون لهذا الإنتاج تأثير واضح على الحياة الثقافية والادبية والعلمية (…) والجائزة مستقلة ومحايدة ولايخضع منها إلى أية تأثيرات أو ضغوط من أي نوع ] . كما ينص الباب الخامس منها ، على أنها تنقسم إلى أربعة حقول هي : [ الشعر – القصة والرواية والمسرحية – الدراسات الأدبية والنقدية – الدراسات الإنسانية والمستقبلية ].
بالاضافة إلى ذلك هناك جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، وهي جائزة مستقلة تمنح لشخصية أو مؤسسة ذات اهتمامات بارزة في الحياة الثقافية أو العلمية. وتشير مختلف الوثائق الصادرة عن هذه المؤسسة أنه والى غاية 2023 فاز بهذه الجائزة حوالي 101 أديبا وكاتبا ومفكرا عربيا، بالإضافة إلى خمس مؤسسات ثقافية، وحكَّم في حقولها أكثر من 270 محكِّما واستشاريا.
وفي فاتح يونيو من هذا العام ، أعلن عن الفائزين في دورتها التاسعة عشر عن موسم 2024 – 2025 ، وهم :
* جائزة الشعر فاز بها الشاعر العراقي “حميد سعيد “.
* جائزة القصة والرواية والمسرحية كانت من نصيب الروائية العراقية “انعام كجه جي “.
* جائزة الدراسات الأدبية والنقد ، فاز بها الناقد المغربي ” حميد لحمداني“.
* جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية حصل عليها المفكر والمؤرخ التونسي “عبد الجليل التميمي“

هو شاعر وكاتب عراقي، من مواليد ” الحلة ” بالعراق ، بدأ مسيرته في المجال التعليمي، وانتقل بعده إلى الصحافة والعمل الثقافي في العديد من المدن العربية والأوربية ، حيث شغل مناصب بارزة منها رئاسة اتحاد ادباء العراق ، وبعدها تولى مهام الأمانة العامة للاتحاد العام للادباء والكتاب العرب لدورتين متتاليتين . ويقيم حاليا في مدينة عمان بالأردن . ويعد من أبرز الأصوات الشعرية في العراق والعالم العربي، منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، وينتمي إلى جيل عاش التحولات العنيفة التي عصفت بالعراق ، واستطاع عبر قصائده أن يجمع بين النبرة الرثائية للوطن والتمسك بجمالية الشعر العربي الحديث ، وقد تميزت تجربته الإبداعية بالثراء اللغوي والدلالي ، وعند خروجه من العراق في اتجاه الأردن بمدينة عمان ، اتخدت تجربته الشعرية مسارا أكثر تأملا واغترابا ، فانشغل بأسئلة الهوية والذاكرة ، ولم يصبح المنفى لديه واقعا ماديا فحسب ، بل غدا أفقا شعريا يعيد فيه تشكيل صور الوطن والذات على حد سواء ولذلك تطلق عليه صفة ” شاعر الذاكرة والمنفى ” وتحول شعره إلى وثيقة فنية لقراءة الذات العراقية في زمن التشظي .
وقد صرح قائلا بأن للإبداع مرجعيات [ هي مرجعيات الحياة ، ليس في الشعر فحسب ، بل في جميع عناوين الإبداع، وإن من يحاصر أفق ابداعه بمرجعية واحدة أو بمرجعيات محددة ، سيكون بمنأى عن جوهر الإبداع ] . وفي التعريف بشعره يقول الناقد ” ضياء خضير ” – في كتاب نقدي أصدره عنه، دارسا من خلاله مختارات شعرية له – [ لا أعرف في الواقع كثيرا من القصائد العربية التي تجمع هكذا بين مثل هذه النغمة العاطفية القوية والنبرة الغنائية العذبة، وبين احساس الفجيعة والضياع الذي يتلبس القصيدة، ويغطي مفاصلها كلها بالحنين والروح السجية التي تستحضر الحاضر القريب والتاريخ البعيد، وتصورهما مجسدين في مشاهد ووجوه للمدينة التي تحولت إلى إمرأة يحاورها الشاعر ويستعرض علاقته بها، وماضي البلد البعيد] ، وهو المتجلي في قوله :
[ تزورني بغداد في معتزلي
تعيد لي
ماكان من طفولة في لغتي
ماكنت قد أودعته في زمن العشق
من أسرار ]
ويضيف قائلا :
[ رأيت تحت كل خيمة قصيدة تعرفني
وعند كل باب
حكاية أعرفها
سألتها ….
أهذا إرث شهريار ] .
وفي ديوانه ( من أوراق الموريسكي ) تتقاطع تجربة ” المورسكي ” المطرود من الأندلس مع الشاعر المنفى من العراق، مما يجعل قصائده أرضا هجينة تلتقي فيها الذاكرة التاريخية بالجرح المعاصر والحنين بالتساؤل، عندما يقول :
رأيت في منامي بغداد
تحترق في الليل
وتبتسم في النهار
كم نحتاج من الحنين لنصير أوفياء ؟
ومن خلال هذا المشهد، يمكن القول أن قدرته على صياغة الوطن كصورة شعرية – تبقى جلية – تجمع بين الحلم والواقع، بين الماضي والمأمول. وهو المشتغل على ثنائية الذات والآخر، الماضي والحاضر، الوطن والمنفى، مستثمرا رموزا من التاريخ العربي والإسلامي ( الحلاج . ابن عربي . المورسكيون . بغداد العباسية ) ، في بناء نصوص ذات طابع تأملي إنساني، تجاوز الشأن المحلي نحو الكينونة والهوية.
وتبقى تجربة ” حميد سعيد ” من النماذج الفريدة في الشعر العربي المعاصر، لأنها تنبع من وعي تاريخي عميق، وجودي تأملي، فجعل شعره مرآة لذاته، لوطنه، لعصره المتشظي. وقد منحت له جائزة العويس الثقافية اعترافا بتجربته الشعرية المتماسكة، ووعيه العميق واطلاعه الواسع على التراث العربي والإنساني .
ثانيا : الروائية العراقية انعام كجه جي.

وعموما تعد ” انعام كجه جي ” من أبرز الروائيات العربيات في المشهد المعاصر ، حيث نجحت في بناء تجربة سردية متفردة، تمزج ما بين التوثيق والتخيل وتستعيد من خلالها ذاكرة بلدها – العراق – والمنفى العربي بأسلوب يجمع ما بين الرصانة والحميمية . وتكتب من باريس ، دون أن يغيب عنها العراق ، أو تغيبه عن نصوصها، إلى درجة صار معها المنفى ليس جغرافيا فقط ، بل غدا حالة نفسية ووجدانية تحكم شخصياتها وتوجه أسئلتها. وفي هذا الاطار تقول أن [ الحرب حاضرة في كتاباتي مثل القدر الأعمى، لقد دمرت العراق الذي ولدت فيه، وكبرت ودرست وتزوجت وأنجبت طفلي الأول فيه و عندما سافرت للدراسة كنت أظن أنها فاصلة زمنية سريعة، وبعدها نعود لحضن الوطن. ثم مرت السنوات وتلاشت آمال العودة وبتنا نحلم ونغني مثل الفلسطينيين : سنرجع يوما إلى حينا ].
في روايتها ” الحفيدة الأمريكية ” نجد أن البطلة ستعود الى العراق كمترجمة مع الجيش الأمريكي، لتكتشف أن الوطن ليس مجرد موقع مادي، بل هو نسيج من الذكريات والهويات الضاربة بعمق في الماضي والممتدة إلى الحاضر، الشيء الذي يشكل محورا تابثا في منجزها الروائي. وعموما فهي لا تقدم المرأة بوصفها ضحية، بل تكتب عنهن باعتبارهن نساء قويات، مثقفات، طبيبات، صحافيات، عابرات للحدود وللزمن ، يحملن تجاربا استثنائية، بعيدا عن الصورة النمطية للضحية، يشاركن في صنع التاريخ من مختلف مواقعهن، حتى وإن كان هو الهامش.
وفي روايتها (طشاري ) – مثلا – تحكي قصة طبيبة عراقية تشتت أفراد عائلتها بين قارات العالم ، مبرزة كيف تكابد الشخصية النسوية معنى الوطن والإنتماء ، بطريقة تتجاوز المنحى التقليدي إلى بنية الشتات العربي من منظور نسائي . ومن خلال لغتها – كذلك – تضح خلفيتها الصحفية الواضحة والمنعكسة على أسلوبها ، حيث تنزع دوما نحو توثيق اللحظة السياسية والاجتماعية دون أن تفقد الرواية ألقها الأدبي ،كما يتميز أسلوبها بالاقتصاد اللغوي والدقة التعبيرية والتوثر السردي المتنامي، ولا تميل إلى الزخرفة، بل تصوغ جملا مشحونة بالمضمون والرمز، وتعتمد البنية الحوارية وتعدد الأصوات، الأمر الذي يجعل من رواياتها فسيفساء سردية تجمع بين الأنا والآخر ، بين الذاتي والجماعي، الواقعي والممكن .
وقد جاء منحها لجائزة العويس الثقافية، اعتبارا لقيمة مشروعها السردي، حيث بررت اللجنة المانحة اختيارها ب [ قدرتها على مزج التوثيق بالأدب، واحياء شخصيات نسائية واقعية تعيش في قلب الحياة ]، كما اعتبرت أن أعمالها تعيد الإعتبار للهوية الفردية والجمعية وتمنح الصوت لشخصيات [ تعيش على أطراف التاريخ ] وهو مايكرس بعدا إنسانيا وأدبيا فريدا في السرد العربي الحديث . وهي عبر مسارها الإبداعي المتألق ،تستحق وبامتياز المكانة التي خصتها بها جائزة ” العويس ” تتويجا لمسارها الأدبي الزاخر والمؤثر لا سيما في مجال القصة والرواية والمسرحية واعتبارها من الأصوات التي أعادت وبشرف كبير ، تعريف دور الرواية في فهم الذات والمجتمع والتاريخ .
يتبع