خواطر امرأة

تأملات في فترة الغروب..
قريبة هي ساعة ادان صلاة المغرب . جلست في شرفة البيت. انخفظت درجة الحرارة وعم السكون كل الارجاء. فأشرعتها نافذة التأمل في البدايات الأولى لغروب هذا اليوم، وبدأت – بدون شعور مني- في نسج أسطر هذه الخاطرة التي طوت يومي ورمت بي في عالم من التأمل والصفاء.
عند كل لحظة من لحظات الغروب يتراجع الضوء وتتسع فيه الرؤية ليصبح الأفق مرآة لدواخلنا، لا تنكشف معه الأشياء من حولنا … بل تجعلنا نحن المنكشفين . فالغروب يعري دواخلنا، يعكس ملامحنا الحقة، بعيدا عن كل بهرجة أو تزييف، عن ضجيج وحركيات النهار، فكلما نَظَرْتُ إلى الغروب، إلا وأجدني أبحث عن نفسي الموغلة فيه، فأسألها ما الذي فقدته وأنا أعيش غروب هذا اليوم؟ ماذا بقي مني؟ وأي جزء فيَّ مازال يصر على أن يضيء رغم كل العتمات المتسربة الينا، بعد اختفاء الشمس ؟
فالغروب يجعلنا نُصْغِي لأفكارنا، ذواتنا، للآخر، لا لما يحدث فقط، ولكن لما لم يحدث بعد ، للأحلام التي مرت منفلتة دون أن نستطيع القبض عليها، للأسئلة التي صار يخيفنا طرحها، للوجوه التي عبرتنا كما تعبر السُحُب في صيف قائض تاركة ظلالا، لا أسماء لها. فحين تغيب الشمس لا يختفي النور كله، بل يتحول إلى ضوء / أضواء داخلية نحسها، وكأن الغروب يمنحنا لحظات صدق لا تشترى … نُقَابل فيها أنفسنا دون تزييف، دون أقنعة. أو ليست أعمق لحظات الصدق هي تلك التي تأتي في وقت الخفوت ؟ حين لا نُجْبَر على الكلام، بل يكون خيارنا هو أن نصمت، ننتظر …. لنفهم الغروب، الذي هو ليس لحظة عابرة – كما هو معتقد – فهو اختزال ليوم ما، لزمان ما … فكأن كل ما مرَّ، وكل ما سيأتي يكونان على موعد للتلاقي في لحظة انحدار الشمس نحو الأفق، وعندئد لا نرى ماهو آت، إلا من باب التذكير بأن الزمن لا ولن يقاس بالكم بل بالكثافة، بلحظات الحضور، بأوقات التأمل والوعي، بفترات الإنتباه لما يتسرب من بين أيدينا دون أن نشعر به أو ندركه الغروب لا يخبرنا كم مر من الوقت بل يستفزنا بالسؤال الأهم : كم مر من الوقت ؟ هل عشنا ذاك اليوم وفق ما كنا نبتغيه وننشده ؟ أم مررنا فيه كمن هو عابر للظل دون أن يلمسه أو حتى يراه ؟ وهل قلنا ماكان يجب أن يقال ؟ أم تركنا كلماتنا حبيسة الحلق ؟
الزمن في الغروب يصبح رؤوفا لا صارما، وكأنه يمهلنا … يعطينا فرصة أخيرة للتأمل، للتواجد، للتصالح مع الأمس، مع الخطأ، مع النقص، وبالتالي مع أنفسنا. ومن يتأمل الغروب يوما بعد يوم، يستطيع أن يصل إلى حقيقة مفادها أن الزمن ليس خصما، ولن يكون أبدا كذلك، بقدر ماهو فرص للتأمل والتعلم الصامت، المختبئة في الضوء الأخير، دروسه، تعاليمه، أحواله، وصاياه..
وخلاصة القول أنا في كل غروب نعيشه بصدق، نكبر، نشمخ، نقترب خطوة أخرى من أنفسنا…
ثريا الطاهري الورطاسي
طنجة . المملكة المغربية