الدراما الأمازيغية تطورت شكلا ومضمونا
الكتابة مهنة ووجود
محمد بوفتاس، شاعر، صحفي، كاتب قصة، وسيناريست، انجز مسلسلات تلفزيونية بالأمازيغية وشريطا سينمائيا ايضا باللغة الامازيغية قبل أشهر. لقيت اعماله اقبالا ونجاحا لدى الجمهور المغربي، باعتبارها تناولت الجانب الاجتماعي الذي يقرب المشاهد من الواقع ا الذي يعيشه. تجربة مهمة للكاتب والشاعر محمد بوفتاس لكنها ما زالت في مسار ليس باليسير كما صرح لجريدة ألوان
نترك للقارئ فرصة قراءة هذا الحوار لاكتشاف اغوار تجربته في مجال الابداع والفن على السواء
س: بدأت كشاعر وكصحفي أولًا وانتهيت كاتبا للسيناريوهات
ج: فعلا بدأت كشاعر، حيث نشرت لي أول قصيدة في جريدة ” البيان” في بداية الثمانينيات، ولم تنقطع قط علاقتي بالشعر، كنا نتتبع القراءات الشعرية في كل أرجاء المغرب ونستمتع بزيارات الشعراء العرب الكبار، حتى دراستي الجامعية لم تسلم من ذلك لأنني حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي الحديث تخصص الشعر الحديث. وما زلت إلى الآن أعشق الشعر لكنني لم أصدر قط ديوانا فيما سبق، بل أصدر راويتين (الانهيار) و (فنطازيا الجحيم) ومجموعتين قصصيتين هما (مملكة النساء) و(التماثيل والهذيان) وهذه الأخيرة بالاشتراك مع صديقي وزميلي محمد بوحمام. ورغم كل مشاغلي لم أنس الشعر فأصدرت أول ديوان لي باسم (ديوان الغجر). أما عملي كصحفي فقد بدأته باكرا جدا مع أستاذي الكبير إدريس الملياني في ملحق جريدة البيان ثم عملت على مدى أكثر من ثلاثين سنة في منابر إعلامية متعددة وأصدرت أيضا جريدة خاصة، ولم أنقطع قط عن ممارسة الكتابة الصحفية التي ما زلت متعلقا بها، ولكن ككاتب مستقل. ولا أعتبر بأن كتابة السناريو هي النهاية، بل مجرد مرحلة من مراحل التطور الطبيعي في الكتابة
س: أين تجد نفسك وسط هذا الركام؟
ج: في الحقيقة كل ما قلته هو جزء مني وأجد فيه نفسي بطريقة أو بأخرى، فالعمل الصحفي ما زال ملازما لي، وأمارسه بقناعة وحب، أما الكتابة فهي مهنة ووجود، فمن خلالها أعيش وأستمد كينونتي، فأنا أكتب يوميا مقالات لبعض المواقع، وأكتب يوميا نصوصا تصل كسيناريوهات سواء لأفلام أو مسلسلات، الكتابة عندي عمل يومي أستمر في ممارسته كما كنا نفعل دائما، وبين هذا وذاك أجد لنفسي فسحة الكتابة الشعرية، أشتغل على مشروع رواية جديدة
وديوان جديد، فكما ترين أنا تركيبة معقدة تختصرها جملة الكتابة موهبة ومهنة
س: ماذا عن الوضع الذي يعيشه المستوى الثقافي والفني والعراقيل التي تواجهه؟
عرفت بلادنا كثيرا من التحولات المواكبة لما يعرفه العالم حولنا، وانعكست على المجال الفكري والثقافي والفني، سلبا وايجابا، وفاقمت المشاكل التي كانت مطروحة من قبل من قبيل ضعف القراءة وأزمة الكتاب، بل حتى أزمة الصحف والمجلات الورقية، حيث يفضل الناس حاليا كل ما يتعلق بالقراءة الالكترونية، بل حتى النشر الالكتروني الذي يضمن أكبر عدد ممكن من احتمالات الانتشار العالمي، وفي ظل تراجع دور اتحاد كتاب المغرب وضعف الحوافز الأدبية، نرى تراجعا كبيرا في هذا المجال رغم نسبة النشر المرتفعة نسبيا. أما على المستوى الفني فأنتم تعرفون آفة الانتشار السريع لأغاني الفقاعات، والمسرح يعاني عشاقه وممتهنوه بسبب غياب المسارح وغياب الجمهور عن المسارح الموجودة، هذه هي الوضعية الفنية والقافية الحالية
س: وماذا عن القطاع السينمائي؟
ج: ربما يكون هذا المجال هو المنتعش حاليا، ولكن ليس بنفس القوة التي يفترض أن يكون عليها، لأن الانتاجات التلفزية تخضع لقانون طلبات العروض وهي كما تعلمون محدودة ومحصورة بين مكونات القطب العمومي والقناة الثانية، وفي ظل غياب قنوات القطاع الخاص فإن المنافسة تغيب عن هذا الحقل، فمع كثرة الشركات يبقى ما تقدمه طلبات العروض غير كاف بالمرة لكي يضمن الوفرة والتنوع. لكن الانتاجات الحالية تخلق دينامية وحركية في المجال الفني سواء من حيث الممثلين أو كتاب السيناريو، أما السينما فمشاكلها الخاصة متعددة الأطراف يمكن أن نقول بأن غياب القاعات وضعف الاقبال وانتشار المنصات الرقمية جعلت الجمهور يبتعد عن السينما لكن ذلك لا يعني قطيعة، بل مجرد ضعف إقبال، لأننا نلاحظ بأن بعض الأفلام التي عرضت مؤخرا استطاعت أن تستقطب الجمهور وتحقق الرواج المطلوب
س: كيف يمكن تسوية الوضع الإعلامي والفني برايك؟
ج : لا يمكننا أن نعيش منعزلين عن العالم، وأعتقد بأن أول خطوة في طريق الحل هي التخلي عن التحكم الاعلامي من أجل الحكامة الاعلامية التي تتطلب فتح المجال أما القنوات الخاصة لكي تتعدد المنابر الاعلامية وتشتد المنافسة، لأن التحكم الاعلامي في زمن المنصات الرقمية متجاوز ولا معنى له لأن ذلك يؤدي فقط إلى هجرة المشاهدين نحو قنوات رقمية أجنبية، تعدد القنوات الخاصة سيؤدي إلى تعدد المنافذ التي سيتم فيها عرض الأعمال الفنية، أما المسرح فنحن في حاجة ماسة إلى قاعات المسارح ودور الشباب أو ما يسمى حاليا بدار الحي، ولكن علينا أن نصدر ميثاقا مسرحيا يكون أرضية للنهوض بقطاع المسرح على غرار الرسالة التي كان المغفور له الحسن الثاني قد بعثها لرجال المسرح في اليوم العالمي للمسرح سنة 1991 ، مثل هذا الميثاق سيرسم الاطار العملي للنهوض بالمسرح المغربي، وفي المقابل يمكن القول بأن قطاع السينما يحتاج إلى إعادة هيكلة كلية تشكل المركز السينمائي المغربي. إذن فالتغيير ينبغي أن يكون متعدد المشارب والمحاور ويصب في اتجاه تعزيز المواطنة والروح الوطنية، وتحقيق الاستثمار في الانسان المغربي من خلال ملامسة اهتماماته الاعلامية والفنية والثقافية والفكرية بدل تشجيع التفاهة في بعض المنصات الرقمية من أجل المكاسب المادية، وهذا يعني ضرورة صياغة برنامج متكامل وقابل للتحقيق
س: هل يمكن التحدث عن مقارنة ما بين الأمس واليوم؟
ج: المقارنة غير ممكنة بسبب التغيرات العالمية والتقنية حولنا، نحن نعيش حاليا مرحلة تغيير كلي وشمولي وينبغي التحكم في هذا التغيير وتوجيهه حتى لا ينجرف بنا السيل نحو متاهات تقنية وأخطاء لم تكن قابلة للإصلاح، ولعل وباء الروتيني خير نموذج على ذلك ولا نفهم صمت المسؤولين رغم الصورة السلبية التي يقدمها ممتهنوا هذه التفاهة، نحن لا نختلف عن العالم فقطار التطور قد ركبناه ولا تراجع عنه لكن علينا أن نمتلك المقدرات لكي نوجه الدفة دون أن نقف في وجه التيار
س: كلمنا عن الوضع في منطقة سوس وما يجري بها؟
ج : منطقة سوس وسط المغرب وقلبه لكنها رغم ذلك منطقة مهمشة ، لم تحض بالأهمية والعناية التي تستحق، رغم أنها أفرزت العديد من رجال السياسة والسلكة التنفيذية، بل وأعطت رئيسي حكومتين متعاقبتين، لكن المنطقة لم تنل حظها من التنمية سواء البشرية أو الاقتصادية أو البنيات التحتية أو الاستثمارت، ومنطقة تافراوت على الخصوص تعاني تهميشا وحيفا كبيرا لأنها في المغرب العميق ، تحاصرها مشاكل الجفاف والهجرة والرعي الجائرة وتهافت شركات التعدين، وغياب مشاريع تنموية أو مشاريع استثمارية في إطار الاقتصاد التضامني، وضعف الاستثمار في الكائن البشري وضعف البنيات التحتية، رغم أنها منطقة رئيسا الحكومة الماضي والحالي، لكنها تبقى مجرد وعاء عقاري وبشري تم افراغه تاريخيا من مقومات تنميته، ويسعى البعض إلى حصر انشغالات المنطقة في كل ما يتعلق بالفولكلور والتراث والمسارات التقليدية مما ينتج عنه تغييب للطموحات التنموية العصرية، في ظل هذه المعطيات تبقى منطقة سوس وتافراوت خاصة مهمشة مظلومة وبعيدة عن كل الخطابات التنموية للمغرب الحديث
س: حدثنا عن التجربة الفنية الأمازيغية مع الأفلام/المسلسلات المنجزة؟
ج: بدأت كتابة السيناريوهات في 2017، وحدها الصدفة منحتني الفرصة لولوج هذا العالم بالإضافة إلى دعم صديق عزيز وأخ غالي، ومنذ ذلك التاريخ استطعت أن أجد لنفسي مكانا في هذا المجال الذي يعرف منافسة شديدة. أنا لا أكتب سوى بالعربية وشركات الانتاج هي التي تترجم أعمالي، لدي أعمال عرضت في القناة الأولى وقناة مبسي الخامسة
والقناة الأمازيغية، حاولت أن أنوع في كتابتي بين الدراما الاجتماعية والرومانسية والكوميديا والبوليسي وأفلام الرعب وغيرها، لقد جربت كل شيء ولدي حلم هو كتابة أعمال تاريخية أو وطنية، بالنسبة للأعمال الأمازيغية أعتبر بأنها تجربة غنية لأنها مكنتني من تطوير مهاراتي في الكتابة خاصة وأن الدراما الأمازيغية تطورت شكلا ومضمونا وتطورت بفضل الفناين والكتاب الأمازيغ، وهي إسهام مهم في الدراما المغربية رغم أن حاجز اللغة يحول أحيانا دون انتشارها، هناك عائق آخر ، هو أن القناة الأمازيغية ليس لها بث أرضي، بالنسبة لي فإن تجربة الكتابة الفنية الأمازيغية لا تختلف عن غيرها من كتاباتي الأخرى لأنني لا أميل إلى استعمال الجانب الفولكلوري والتراثي في كتاباتي ، بل أميل إلى التنوع لأن غنى الهوية الأمازيغية لا يقتصر فقط على ما هو فولكلوري تراثي
عموما رغم عدد الأعمال التي كتبتها ونالت حظها في القنوات الوطنية والاجنبية، إلا أنني ما زلت أتعلم في كل مرحلة لأن التغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي تتطلب مواكبة وتغيرا في طريقة مقترباتها والتعبير عنها