دفاعا عن حق المغرب في صحرائه
أتيليو غوديو Attilio Gaudio
صديق قديم للمغرب
منذ أن حضر الندوة الصحفية التي عقدها محمد الخامس في طنجة أثناء زيارته لها سنة 1947، وعبر فيها السلطان عن تمسك المغرب بحقوقه كاملة في الحرية و الاستقلال، وارتباطه أشد الارتباط بالبلدان العربية والإسلامية في المشرق
وبحكم عمله الصحفي في وكالة الصحافة الإيطالية، أنزا ANSA فقد كان حاضرا أيضا في كل اللحظات القوية من تاريخ المغرب ، فقد شهد في المغرب سيناريو المؤامرة التي حبكت ضد السلطان يوم 20 غشت 1953، وكتب يستنكر ما قامت به السلطات الاستعمارية حين أقدمت على نفي السلطان الشرعي، فتلقى رسالة من الزعيم علال الفاسي بتاريخ 21 نونبر 1953 يشكره فيها على الاهتمام الذي يوليه لكفاح الشعب المغربي من أجل استقلاله، ويعتبره صديقا وفيا، كما كان ضمن الوفد الصحافي الذي رافق الملك محمد الخامس في الطائرة عائدا إلى المغرب، وهو يحمل معه وثيقة الاعتراف بالاستقلال في مارس 1956، ثم كان مراسلا لوكالته أثناء حرب الرمال التي اندلعت بين المغرب والجزائر سنة 1963 بسبب مشكل الحدود
كان أتيليو غوديو يجمع بين عمله الصحفي ونضاله لصالح شعوب العالم الثالث ضد الظلم والهيمنة، وهو نضال بدأه منذ اشتراكه في حركة المقاومة الإيطالية ضد النظام الفاشي والنازي أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم اشتراكه بعد ذلك في المنظمات والجمعيات التي تهدف إلى إنهاء عهد الاستعمار ومساعدة الشعوب المقهورة في استعادة حقها في الحرية والكرامة، فقد شارك سنة 1950 بجنيف في الجمعية التأسيسية للشعوب، وأقنع الحاضرين بإدراج نقطة دعم الشعوب المقهورة والمستعمرة لاستعادة استقلال، وكان عضوا في اللجنة المختصة بقضايا شمال إفريقيا، وهي قضايا ظل مرتبطا بها ووفيا لها حتى وفاته سنة 2002
جمع أتيليو غوديو بين الثقافتين الايطالية والفرنسية وكتب مؤلفاته باللغتين معا، فقد حصل على شهاداته الجامعية من جامعة السوربون، وغيرها من المعاهد الفرنسية في الانتروبولوجيا وفي الفكر السياسي، كما درس اللغة الأمازيغية على يد أندري باسي André Basset أحد كبار المختصين في الدراسات الأمازيغية إذاك بالمدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية، وبذلك فقد كان مسلحا بالوسائل المعرفية والمنهجية التي تجعله قادرا على التصدي لقضايا شمال إفريقيا، وهو ما دفع وكالة الصحافة الإيطالية ليكون مندوبها في جل الأحداث الهامة التي تقع في المغرب، وما دفع أيضا العديد من المعاهد والجامعات والمؤسسات لتكليفه بعدة مهام استكشافية وعلمية في هذه المنطقة المسماة إفريقيا البيضاء، كان من نتائجها إصداره للعديد من المؤلفات عن رحلاته العديدة هاته : عبر إفريقيا البيضاء، سبتة، مليلية، جبل طارق، منطقان معكوسان، وثائق منسية عن ماضي الصحراء، فاس ، جوهرة الحضارة الإسلامية، ملف موريطانيا، ملف الصحراء الغربية، الصحراء الإسبانية، نهاية أسطورة استعمارية، مكتبات الصحراء، الريف، أرض الملحمة والأسطورة المغربية الخ
أتيليو غوديو صحفي وكاتب ولكن أيضا رحالة، ورحاله بامتياز، ففي سنة 1954 وبمناسبة الذكرى المئوية السابعة لميلاد الرحالة الإيطالي ماركو بولو Marco Polo كلفه كل من عمدة فلورنسا وعمدة مدينة البندقية بتسليم رسالة سلم وصداقة لكل رؤساء البلدان الآسيوية التي سبق أن مر منها مواطنه الإيطالي، وقطع إذاك في هذه الرحلة قرابة 20.000 كيلو متر
وحين زار المغرب في شبابه في بداية الخمسينيات كان يتنقل بواسطة الأوطوستوب ويبيت في مآوى الشباب، وزار العديد من مدنه وبواديه وصحاريه، وأحب البلد وناسه، وكتب عنه العديد من مؤلفاته، وكان من الذين عملوا على القيام بمبادرة توأمة مدينة فلورنسا بمدينة فاس، وتكلف هو بصياغة العبارات المكتوبة على اللوحة التذكارية التي تخلد للحدث. وكان يحرص على حضور أهم الأحداث السياسية في بلدان العالم الثالث والكتابة عنها: ثورة جمال عبد الناصر سنة 1952، ثورة العراق سنة 1958، الثورة اليمنية، انطلاق الثورة الجزائرية، انطلاق عمليات جيش ا لتحرير المغربي سنة 1955، ثورة إيفني سنة 1957 ضد الاستعمار الإسباني الخ
وحين عزمت فرنسا على فصل الصحراء الوسطى عن الجزائر أثناء المفاوضات الأولى لايفيان، كتب أتيليو غوديو ضد هذا المخطط الاستعماري، ولذلك فإنه يتعجب كيف تسير الجزائر المستقلة في نفس المخطط الاستعماري، وترفض أن يسترجع المغرب صحراءه، لقد طالبت الجزائر في السابق من فرنسا احترام حقها في الصحراء، فلماذا ترفض هذا الحق للمغرب أيضا؟ إن الجزائر تصر على إجراء استفتاء في الصحراء يؤدي إلى انفصالها عن المغرب، فلماذا رفضت هي الاستفتاء الذي طلب الرئيس الفرنسي دغول إجراءه في الصحراء الوسطى التي يسكنها شعب الطوارق؟ ولماذا ألحق شعب الطوارق بالجزائر وهو لم يستشر في هذا الإلحاق؟ هكذا كان يدافع أتيليو غوديو عن المغرب وصحرائه في كتابه : ملف الصحراء المغربية والذي يعيب فيه على اليسار الأوربي أنه أنجرّ مع أطروحة الجزائر “الاشتراكية” ضد المغرب ”الرأسمالي” والحال أن قضية الصحراء هي قضية شعب بأكمله، وليست قضية حكومة أو نظام
ولذلك حين توفي أتيليو غوديو يوم 12 يوليوز 2002 في حادثة سير مروعة بشمال إيطاليا، يكون المغرب قد فقد فيه صديقا وفيا، دافع عنه وعن حقوقه لأنه يعرف المنطقة وأهلها وقبائلها، ويعرف حق المعرفة ماضيها وحاضرها