كازابلانكا أو CASABLANCA

… عبر التاريخ: النشأة والتأسيس

كل كتابة تاريخية فهي مغامرة، خاصة أن البحث التاريخي يتميز بالاستمرارية في التجديد، بناء على المستجدات من الشاهدة التاريخية، لذلك تعددت الكتابات التاريخية حول تاريخ أصل مدينة الدار البيضاء، التي ترجع إلى عصور قديمة في التاريخ، حيث تشير الاكتشافات الاثرية على قلتها، إلى وجود بقايا الانسان القديم بالعثور على جمجمة انسان الموقع الاثري سيدي عبد الرحمان في هامش غابة، تعرف عند السكان بغابة “الديسا“ّ. قدر علماء الآثار عمر الجمجمة ب 300 ألف سنة قبل الميلاد، كما تم العثور على معثورات من نقود وأدوات الطهي من الفخار واسوار بأقواس. هناك من يعتبرها من بقايا سجن فينيقي، غير أن هذه الفرضية تبقى بعيدة، لأن الفنيقين لم ينشؤوا بموقع أنفا مدينة بمؤسساتها بقدر ما هي معبر ومحطة تجارية بحرية، كما عرف الفينيقيون بحفر السجون تحت أرضية، ومن معثورات المغرب القديم، ساعة شمسية منحوتة من الصخر، اختلف حولها الأثريون هل ترجع إلى الاحتلال الفينيقي أم الاحتلال الروماني؟

منذ القرن 8م، أصبحت القرية “أنفا” تحت حكم امارة برغواطة، وليس من المستبعد، أنهم، أطلقوا عليها اسم “انفا” التي تعني باللغة العربية التل أو المرتفع أو الهضبة التي كانت تحكم مجالا فلاحيا شاسعا يعرف ب “تمسنا” الممتدة جغرافيا بين نهر أبي رقراق ونهر أم الربيع، وهناك من الاخباريين من يعتبرون أن التوسع المجالي لبرغواطة وصل إلى مصب نهر تانسيفت. وبذلك تعد برغواطة أكبر امارة بشمال افريقيا زمن الحكم الامازيغي.
كانت “انفا” تابعة للمجال الجيوسياسي لإمارة برغواطة التي كانت عاصمتها مدينة أزمور بل نجد بعض الاخباريين يشيرون، أن الإمارة كان لها أربع عواصم:
أزمور وشالة وآسفي والصويرة. وفي امتداد مجالي جغرافي خصب فلاحيا، كانت “تمسنا“. تمتد على سهول دكالة والشاوية فبعض الاخباريين يعتبرون أن الامارة كان امتدادها الى حدود اقدام سلسلة جبال الاطلس المتوسط ما بين سنتي 744- 1058 م بمعنى ان امارة برغواطة عمرت 314 سنة. لذلك هذا المجال الشاسع والغني بتربته ونباته ومياهه كان محط أطماع الامارات المجاورة من بينها امارة هنتاتة وامارة الادارسة وعندما تشكلت الدولة المرابطية دخلوا في حروب مع معها. إلى أن انتهى زمنها مع حكم الإمبراطورية الموحدية ثم مع نهاية هذه الأخيرة اصبحت قرية “أنفا” تابعة للدولة المرينية.
إذن اسم “أنفا” ارتبط بفترة حكم امارة برغواطة إلى أن تحول اسمها إلى (كازابرانكا ) Casa Branca مع الغزو البرتغالي لها، ثم تحول من جديد إلى اسم (كازابلانكا) Casablanca مع الاحتلال الاسباني، ومع العلويين في فترة حكم السلطان العلوي محمد بن عبد الله الذي سماها بالدار البيضاء تعريبا للاسم الاسباني .لم يترك لنا الاخباريون كتابات تدل أن “انفا” كانت تحت حكم الموحدين والوطاسيين باستثناء إشارات أنها كانت تابعة للمرينيين، ومن هنا نتساءل من بنى أسوار المدينة ؟
هل كانت الاسوار متواجدة قبل الغزو البرتغالي والاسباني أم أنها بنيت في عهد المرينيين أم في عهد العلويين ؟ ولا نجد ذكرا لها إلا قليلا عند الاخباريين لتبعيتها للمرابطين ثم فيما بعد الموحدين.
خلال القرن 14م أصبحت “انفا” تحت الحكم المريني، في عهدهم نشطت القرصنة في وجه الابيريين. وفي سنة 1468 أي القرن 15م. احتل البرتغال قرية “انفا” بهدف الانتقام من القراصنة، فهدموا واحرقوا أهم احيائها، فظلت القرية خرابا لمدة قرنين من الزمان، بل هناك من الاخباريين من يؤكدون، أن البرتغال احتل “انفا” قبل هدمها، ثم بعد سنوات ساهم زلزال لشبونة في هدم ما رممه السكان. وعند عودة البرتغال من جديد بنية الاحتلال بنوا حصنا عسكريا سنة 1515م لمواجهة القراصنة، ومن تم أطلقوا عليها اسم كازابرانكا. ولا ندري هل الاسم خص الحصن العسكري أم القرية، إلى أن غادر البرتغال الحصن مع زلزال 1755 الذي دمر القرية والحصن معا. فسموا “انفا” ب كازبرانكا نسبة إلى دار بيضاء انفلتت من الهدم والزلزال أو نسبة إلى مالكتها اسمها للابيضاء. السؤال مادام أن البرتغال لم يحتلوا “انفا” فكيف اعطوها هذا الاسم؟

خلال العصر الوسيط في زمن المرينيين بين القرنين 13م و14م، شهدت القرية التي انتقلت إلى مدينة، عدة تحولات في العمران والأنشطة التجارية والاستقرار الاجتماعي. في ظل هذا الوضع، نمت التجارية عبر مرساها مع الابيريين ومدينة جنوة الإيطالية في إطار عدم التكافؤ التجاري، حيث كانوا يستوردون الحبوب والجلود. وفي مستوى آخر ساهمت “انفا” في العهد المريني في فك الحصار المسيحي على المسلمين في الاندلس ب 15 اسطولا بحريا، هذا التدخل العسكري اعتبره الاخباريون الاسبان يدخل ضمن القرصة المغربية، أما الاخباري المغربي يعتبره عملية جهادية. وهكذا، اصبحت مدينة “انفا” خلال القرن 15م مركزا للقراصنة المغاربة، لذلك، أصبح لها وظيفة جديدة ضمن الوظيفة التجارة مع الاوربيين. الشيء الذي اغضب البرتغال، فجعلها تحتل مدينة “انفا”. هل كانت “انفا” قبل المرينيين تابعة لسطة الموحدين الذين صفوا الوجود البرغواطي؟
أقدم المرينيون على بناء اسوار المدينة في عهد حكم أبي يوسف يعقوب المريني (1258 – 1286) لحمايتها من الغزو الايبيري وهجوم غارات القبائل عليها، فتم ترميمها بعد الهدم الذي تعرضت له القرية من طرف البرتغال والزلزال، الذي انتقل إليها من بؤرة لشبونا، فعرف عند الاخباريين بزلزال لشبونا. كما عرفت المدينة ترميمات لأسوارها في عهد السلطان العلوي محمد بن عبد الله (1757 – 1790) الذي أمر بتقوية الاسوار نظرا لدورها الحمائي، فتغيرت مقاييسها حيث أصبح العلو 8 أمتار والسمك بين 1,50 م و2 متر مع بناء 26 برجا دفاعيا، والزيادة في عدد الأبواب التي وصلت إلى سبعة أبواب.
عرفت مدينة انفا مرحلة تاريخية جديدة مع الدولة العلوية، في زمن حكم السلطان العلوي محمد بن عبد الله، الذي أمر بإعادة بناء مدينة “انفا” منذ 1756م بعد الدمار الذي تعرضت له من طرف البرتغال والزلزال الذي عرف بزلزال لشبونة، الذي ضرب في نفس الوقت “انفا”.