خواطر امرأة

العتاب .. ما له وما فيه..!

في البدء أشير إلى أن تاريخ تدوين هذه الخاطرة يعود الى شهر غشت من عام 2022 ، وقد ارتأيت تحيينها حتى تكون صالحة للنشر على صفحات جريدة/موقع “ ألوان ” الإلكترونية ، مع الشكر الجزيل لطاقم موقع الجريدة والمشرفين عليها..
فن العتاب هو أسلوب راق من أساليب التواصل الإنساني، ويستخدم عادة لتصحيح مسار العلاقات الإنسانية، ويجمع بين طرفي معادلة حدُّها الأول الصراحة وثانيها اللطف، ويهدف إلى التعبير عن الألم أو الخيبة بطريقة مؤدبة لا جرح فيها لأي كان. وهو في اللغة مأخود من الفعل “عتب ” ويعني لوم الآخر بلطف على أمر صدر منه. أي أبدى له نوعا من الاستياء مع بقاء المودة ، وبالرجوع الى ” القاموس المحيط ” نجده يعني اللوم الخفيف الذي لايفسد للود قضية، كما يراد به المناصحة. ويقصد به في العلاقات الإجتماعية التعبير عن الاستياء أو الألم من تصرف يكون قد صدر من شخص – مقرب – ويهدف إلى إعادة التوازن والوضوح في النسيج العلائقي، لتصفية القلوب وتقويم السلوك دون الاضرار بضوابط المحبة والود.
وانطلاقا من كل ذلك نخلص الى أن فن التعامل مع الآخر يفترض استحضار الخبرة والتعلم، وهناك من يتبع “اتيكيت” العتاب ليجعله مدخلا للتصافي والتصالح المناسبين، وقد نصادف من يفتقر لهذا “الاتيكيت “ويعمد إلى المعاتبة بأسلوب أقل مايقال عنه انه قاس.
ان التعامل مع الآخر فن لا يحسنه الجميع، أو على الأصح قد تختلف أساليبه وطرائقه من شخص لآخر. وهو يتضمن المحبه والطاقة الإيجابية، عندما نسمعه من عزيز فنحس بالحب والمودة، وفي مقابل ذلك يبقى اللوم إحساسا سلبيا قد يضعنا في حالة الدفاع عن النفس وصون المودة ومراعاة الكرامة، اذا ما كان يتضمن التكدير والإساءة، وقد يكون بمثابة إنذار وفقدان للثقة بالنف ، واذا كان لا بد منه فينبغي أن يكون مصحوبا بالهدوء والسكينة وانتقاء الأسلوب المناسب، عوض الارتماء في أحضان الملافظ الفجة وفرض النفس على الآخر، وعليه ينبغي أن لا نحاسب ذاك الآخر على أخطائه إن كان فعلا أمره يهمنا ، بل ويمكن أن نعبر بلطف عن مشاعر الضيق التي حدثت بدواخلنا، وأن نجعل العتاب قائما على الإحترام والمودة، بعيدا عن أي ضرب من ضروب الإساءة. وعليه يبقى العتاب جزء من المحبة الصادقة، ومنه تستمد القوة والصفاء. شريطة أن يكون بعيدا عن كل التحقير أو التنقيص أو الذم، وعلى ضوء ذلك يأتي العتاب مع من نحبهم ولا نريد خسارتهم، حرصا منا على بقاء الود ودوامِه، وفي حالة عكس ما تقدم، فاعلم أنك شيعت حبهم إلى مثواه الأخير، حتى وإن كان ذلك مؤلما أو قاسيا، ويبقى الإبتعاد -والحالة هذه – أرقى بكثير من أي عتاب، لان التوقف عن العتاب هو بداية النهاية. فبعض العلاقات قد تشوبها الكثير من الاختلافات أو التباينات في وجهات النظر، الأمر الذي يعرضها للكثير من الهزات ، ويولد الكثير من المشاكل بين أطرافها، وعندئد تكتشف أنك أهدرت وقتك، لأنك ستقف على برودة الطرف الآخر وتكتشف مجانيته، وهنا ينبغي أن لا تعاتب فقط، بل ينبغي أن تفعل كما يفعلون، لأن التعامل بالمثل أكثر عدلا من العتاب، وهو شرف قد لا يستحقه من يحاول أن يخسرك متعمدا، فما عليك الا أن تسهل مأموريته وتساعده على الوصول إلى مبتغاه، وهنا يحضرني ما قاله ابن الرومي :
وليس عتاب الناس نافعا / إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه.
قد نصادف ونحن في خضم الحياة ودروب المعيش اليومي، الكثير ممن لا يستحقون العتاب، الأمر الذي يستوجب منا أن نعفيهم من عتابنا، كيفما كان وضعهم أو مكانتهم المجتمعية، ونستريح من اعبائهم، ونتفرغ لترتيب محطات ودروب حياتنا من جديد، بعد التخلص- طبعا -منهم، فنسكنهم صحاري الغربة والاغتراب، وكأنهم ما وجدوا قط. وحتى وإن كان أمر العتاب هذا لا يعني لهم شيئا، فإنه للمعاتب الصلب يعني الكثير والكثير والكثير …
شخصيا، وأمام توالي ضربات الزمن قررت التوقف عن أي عتاب، غربلت أموري وقناعاتي وتخليت عن خوض النقاشات المجانية، ومحاربة الطواحين… لم أعد أسأل عن أسباب الغياب، ولن أجري أبدا وراء أي تسول سلبي …قررت ركوب سفينة الهدوء سعيا وراء الطمأنينة،…لم أعد أحن أو أشتاق إلا لمن هم أهل لذلك . ابتعدت عن الانتظارات الطوباوية، حتى لا أرهق نفسي بما لانفع فيه، فعرفت قيمتي من جديد، بعد ما أديت الثمن الغالي لسذاجتي الناجمة عن طيبوبتي اللامتناهية والناهلة من مباديء وأحواض القيم الكونية التي تتخد من الكرامة مظلتها الأساس في كل ما تفترضه الألفية الثالثة من سلوكات ومسلكيات. … تعلمت التعقل والتروي والتؤدة – حتى لا أقول البرود – وأدركت حقيقة الكثير من الناس وتشربت الكثير من المبادئ والقيم الكونية بحكم احتكاكي الوازن بالمشبعين بحقوق الانسان والتربية على قيم المواطنة الحقة، الأمر الذي جعلني أنضج باستمرار وأكتشف أني لا أريد أن أكون الأفضل ولا الأطيب ولا التي ترمم وتبادر… تخلصت من كل مجانية فجة … ماعدت ذلك الطرف الذي يصمت أو يتجاوز أو يستكين، رغم كل المنعطفات القاسية أو المحبطة ، وذلك بحثا عن خارطة الطريق الاجبارية لمواصلة المسير في اتجاه الصفاء والفعل الحق، من أجل الغد المشرق الوضاء الذي يتواخاه المواطن الحالم بالاشراق القريب. ومع مرور الزمن وتوالي محطات التعلم، توصلت إلى أن العتاب يأتي دون كلام، أو انشغال دائم أو تصرف يشبه التجاهل، ومن الآن فصاعدا، لا عتاب لمن استباح اذيتي، بعد أن تعلمت كيف أغمض عيني وأتغافل عن الكثير من الأمور ، وألا ألتفت إلى الوراء، وأن أتطلع دوما إلى الغد المشرق … أن أدلل نفسي ولا أستجدي لحظة اهتمام من أي كان…. أن أبتسم ولا أكترث لأمر أحد – عدا أحبتي ومن يدور في فلكي، أو يتقاسم معي نفس الإهتمام والتطلع – لأني أمرأة بنكهة الرقي، ولن أسمح للآخر بالإساءة لي..!!!
خلاصة القول : أنا ” الثريا ” التي لا تجيد لغة العتاب، غير أنها تتقن أساليب الحياة الصافية بعيدا عن أية مهانة كيفما كان نوعها أو مصدرها.
ثريا الطاهري الورطاسي
طنجة في 7 ماي 2025