خواطر امرأة

الحياة أسلوب وليس تصيد عيوب.

اذا كان الكأس لا يمتلئ من نقطة، فإن الإنسان لا يغضب من كلمة، وعن أسباب نزول هذه الخاطرة ، أشير الى أن للقصة العديد من التراكمات، أوردها على شكل ملاحظات.
فالانسان بطبعه يصغر سنينا من متواليات عمره، ويكبر بأَلْفٍ منها … بكلمة طيبة تقال له، ويحمل ثقل السنين وضرباتها مع كل كلمة موجعة. وكم هو مخطئ من يظن أن الكلام يقال ويسمع عبثا، لأن ما يصنعنا حقا – أو يؤثر فينا على الأقل – تبقى تلك الأحاديث الجميلة، والكلمات الطيبة والمودة واللطف، والإعتراف بالجميل من أي كان، كما أن كلمة جارحة قادرة على الرمي بنا الى الأدراج السفلى .
مع توالي الأيام، يجد الواحد (ة) منا نفسه غارقا في دوامة الإساءة للاخرين بأفعاله وأقواله، فيسهم في جرحهم (ن) ويتسبب لهم (ن) في الكثير من الألم، ولذلك فحري بنا أن نحتاط ونتذوق الكلمة التي نوجهها لغيرنا، وأن نبقى شديدي الحرص على تحري البساطة والصدق، تبعا لقولة : “كل إناء بما فيه يرشح “.
من هنا أخلص إلى القول بأن الحياة في جوهرها أسلوب وتعامل وليس تصيد عيوب، فكيف لو جعلناها منهاج حياتنا اليومي؟ عندئد ستتصافى قلوبنا ونتعلم كيف نتأدب قولا ومعاملة وسلوكا. وفي الانتباه للأنفس قبل فهم الآخرين، لأن أسوأ أنواع الإبتلاء أن تبتلى بمحدودي الإدراك، أو بمن يتلذذ في إلاساءة إلى غيره -عن قصد ، وحتى عن غير قصد – وحبذا لو كان الواحد منا جميلا في المحبة … الصداقة … السلوك … المسلكيات … المعاملات، وحتى في البعد والابتعاد، وأن يكون صائنا للعشرة ناشراً ألوية الطمأنينة والصفاء … حريصا على:
– الإلتزام بكف اللسان عن الأذى كيفما كان نوعه .
– إحترام ضعف الأخرين وسكوتهم، فهم /هن ليسو أضعف من أن يعبروا عن دواخلهم بالقول والفعل، بل هم أقوى من أن يجعلوك ترى انكساراتهم أو ردة فعلهم، ومع ذلك يركبون صهوات الصمت.
– فهم وتفهم الأوضاع حتى لا يزيد من تعب الناس بالكلام الجارح، أو السلوك المشين واللامسؤول، ولعمري فالكلمة الوازنة والطيبة أقوى من كل أصناف الوقاحة.
ويبقى مرض الخبث والحقد تجاه الآخر والبحث عن زلاته والتلذذ باسائته، والنبش في عيوبه من أفظع ما يصيب اللئيم مخافة أن يشتكيه أي أحد إلى الله. وحتى إذا حدث وقرر الواحد منا الإنسحاب، فليكن بكل هدوء لأن ثوب الحكمة يستر عري العالم. وكم هي رائعة تلكم العلاقات الناضجة، القائمة على أن ما في القلب أكثر من مجرد أفعال، ومعها نترفق بالآخرين ولا نكون سببا في أي اساءة لأي كان، فلكل منا ما يكفيه، وقديما قيل : “قولوا للناس حسنا أو التزموا الصمت ” …
من هنا نستخلص أن الكلام أناقة وشياكة قبل كل شيء، والسيء منه يكون شديد الأذى، حتى ولو ألبسناه وشاح المزاح. فحين نتسبب في جرح شخص ما، نكون قد دققنا مسمارا في قلبه ونفسه، ويزداد الأمر ضراوة إذا ما كان المعني بالأمر من ذوي القلوب البيضاء التي تغمض عيونها أمامنا وتعفينا من عتابها. لأن كسر الخواطر خطأ والاعتذار عنه لا ولن يرد العافية للشخص أبدا ، وكم تبقى جميلة هي إضاءة عتمة الآخرين، عوض البحث عن عيوبهم، فتلك وقاحة واستغلال لطيبة قلب إنسان أو لضعفه، وتغييب لرقي مشاعره. فاحترامنا للناس هو من صلب أخلاقنا – حتى وإن كانوا لا يستحقون – والظروف الخاصة لكل منا تعنيه وحده، في حين أن التأدب في الكلام والمعاملات حق للجميع علينا وحق لنا على الجميع. علما أن أسلوبنا في كل كلام أهم من الكلام نفسه، فرب كلمة جرى بها اللسان كانت سببا في هلاك إنسان. فالشخصية القوية لا تعني أبدا التلفظ بالالفاظ البذيئة، لأن القوة حكمة والأخلاق عبادة وتربية ، وليست وقاحة وتصيدا للعيوب والهفوات.
كم هو صادق الإمام علي بن أبي طالب “كرم الله وجهه ” في قوله : (فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك فرُبّ كلمة سلبت نعمة وجلبت نقمة) .
وأخيرا فإن الكلمات الطيبة لا تذبل أوراقها ولا يموت عبيرها، فانشروها على الطرقات تبقى لكم صدقة جارية وأثرا طيبا. فقمة الأناقة هي أن تعكس سلوكاتنا مظاهرنا الخارجية ونبل أعماقنا الداخلية. فالكلام أسلوب نمتلك به الدنيا ورضى الخالق ومحبة الآخرين.
خاتمة كالبدء:
تبقى هذه الخاطرة خلاصات استجمعتها مع مرور الزمن وتعدد محطات الوقف التي عشتها ولاحظتها بشكل مباشر أوغير مباشر، وجهتها أولا لنفسي، ومن خلالها أتقدم بها لكل معارفي وأحبتي، بعيدا عن أية وصاية أو أبوية. راجية تقبلها مبدئيا والتعليق عليها بكل إضافة أو تنقيح، سعيا منا جميعا للحفاظ على حياتنا – أو ماتبقى منها – وطبعها بالمحبة الصادقة على الدوام.
ثريا الطاهري الورطاسي
27 أبريل 2025