خواطر امرأة

خواطر امرأة
Parascolaires Edisoft

الحكايا والأمثال الشعبية: “اجرادة مالحة “

ثريا الطاهري الورطاسي  

فاتحة كلام: 

التراث الشعبي، ثروة ثقافية عميقة متعددة الأوجه،تعكس تنوع وغنى المجتمع المغربي في مناطقه، طبيعته، عاداته وتقاليده، وفي علاقته بالزمن والأسطورة. يشمل أشكالا عديدة من التعابير الشفهية والحكايا المتناقلة بين الأجيال، المرافقة لحياة الناس في أغانيهم وأمثالهم وألغازهم وتحت يافطته تندرج [ الحكايا والأمثال الشعبية، الأغاني الشفهية، الألغاز والحزورات، السير الشعبية والأساطير]. ومن السمات العامة لهذا التراث نذكر:

– الطابع الشفوي، باعتباره وسيلة أساسية للحفاظ على المعارف والهوية .
– التحاور يحمل عناصر مشوقة تتغير من منطقة لأخرى، ومن راو إلى آخر. 
– الرمزية، لكونه قد يحمل عناصر دينية، فكرية، سحرية، مغلفة ببساطة الحكي والتعبير. 
– الوظيفة الإجتماعية، وتتمثل في توحيد الجماعة، وتقوية روابط التواصل بين الأجيال.
فإذا كانت الحكايا تحمل بين طياتها رموزا اجتماعية وتربوية وتُحْكَى من طرف الكبار – الجدات – إلى الصغار ليلا، فإن الأمثال الشعبية تختزل تجارب الأجيال. في حين نجد أن الألغاز تستخدم لشحذ الذاكرة (الحزورات ) واختبار الذكاء. أما الأساطير فتكون ممزوجة بالكرامات والأحداث الخارقة والذاكرة المحلية .  
انسجاما مع ما قدمته، واتماما لما دونته عن بعض الأغاني التراثية المستمدة من الحكايا الشعبية ” تكشبيلة تويليولة” ، “ميلودة بنت ادريس” سأخصص خاطرة اليوم للتوقف عند “اجرادة مالحة “
بدء أشير إلى أن هناك من يربط التغني بقصة “جنان الصالحة ” المرتبط ب” أجرادة مالحة ” بابنة أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي ، وهي أم السلطان أحمد المنصور الذهبي المعروفة بإسم للالة عَوْدَة التي كان عندها “جنان ” – ضيعة – تسر الناظرين . وحجتهم في ذلك ما يتردد في الأغنية بالأقاليم الشمالية الشرقية [ أجرادة مالحة … فين كنت سارحة … في جنان الصالحة … أش كليتي ، أش شربتي… غير التفاح والنفاح … هز يديك يالقاضي يا بو مفتاح ] . الأمر الذي سأعود له في خاطرة لاحقة .
عن القصة المغناة: 
تدور أحداث هذه الحكاية في ضيعة غنية بأشجارها المثمرة وفواكهها المتنوعة  وهي في ملكية إمرأة طيبة جوَّادة ، تعطي منها للمساكين والمحتاجين ، ولكل من يسألها الأعطية، لذلك سميت بالصالحة، مما سيحرك ضغينة أمراة ساحرة شريرة ، تسمى” عقيصة” –  [والعقيص هو البخيل الخشن والسيء الخلق.تبعا لما ورد بالمعجم الوسيط] – فنشبت العداوة بينهما بعدما حباها الله توأما غاية في الجمال، وبما أن المسماة عقيصة كانت عاقرا، فقد التجأت إلى السحر والشعودة للنيل من الصالحة، والقضاء على ضيعتها ، ولما لم تنجح معها كل الحيل والمكائد، لجأت الى أفعالها الشيطانية. 
ذات صباح استفاقت الصالحة ولم تجد لطفليها أي أثر، ولا حتى لضيعتها ،فتأكدت أن ما وقع هو من أفعال الساحرة الشريرة، فهي التي اختطفت الطفلين وفرًّت بهما إلى مكان مجهول.
ظلت  الصالحة تتنقل بين القرى، وتحط الرحال بالقبيلة الواحدة تلو الأخرى قبل أن تطرد منها، لكونها تبقى مُجْلِبَة معها للشر والويلات بكل أصنافها، وهكذا دواليك حتى حلَّت بضيعة ” القاضي بومفتاح “، الذي سرعان ما ربط بين الويلات التي حلت بقبيلته، ووجود “عقيصة “بها . فقرر أن يرسل طائر ” الزرزور” ليأتي له بأخبارها – مستلهما ذلك من قصة الهدهد وسيدنا سليمان -،  فعاد له بالخبر اليقين، وأخبره بكل ما تسببت فيه المرأة الشريرة. فما كان منه إلى أن ينزل بها  أشد العقاب، ويعطيها حق الاختيار: إما أن تتحول إلى جرانة  (ضفدعة) أو جرادة أو ذبابة ؟ فما كان منها إلا أن تختار التحول إلى جرادة. وفي رمشة عين تحولت عقيصة إلى جرادة وخرجت من النافذة محلقة في اتجاه تجميع أسراب الجراد، بهدف القضاء على“جنان الصالحة “والهجوم عليه ، ومع ذاك لم يتمكن الجراد من أكل أوراق الأشجار، لأنها كانت مالحة.
وتبقى ” عقيصة ” إمرأة ماكرة وساحرة، وفي أحيان أخرى تبقى  تجسيدا لشخصية مخادعة، مثيرة للريبة. وتًظًهر في روايات أخرى كمجاز لوضع غير متوازن، وكأن المقصود بها شيئا يبدو صغيرا أو غير مهم :
( الجرادة ):  غير أنه يحمل خطورة كبيرة .
( الملوحة): ومن الرمزية التي تحملها هذه الحكاية المغناة ، نسجل أنه : 
رغم أن الجرادة ترمز إلى الضعف والصغر، فإنها ترمز كذلك إلى الاجتياح أو الهلاك الجماعي .
الملوحة في الحكاية تدل على الغرابة أو على شيء غير معتاد .
ونجمل دلالاتها العامة في القول أنها تتحدد في الحذر من المظاهر الخادعة، وتنتقد الطمع أو الفضول الزائد.
عن أجرادة مالحة والحكايات المماثلة لها: 
أذكر أننا في المنطقة الشرقية للمملكة المغربية، كنا نحن البنات نلعب واضعين الأيادي فوق الأرض، وتتكفل واحدة منا بترديد أغنية أجرادة مالحة – كما هو وارد أعلاه -، وهي تنتقل بين الأيادي ومن انتهت عندها الحكاية لها الحق في جمع يديها ووضعها على بطنها تحت الملابس، وتستمر اللعبة – هكذا – حتى آخر واحدة منا في المجموعة، ومن تكون يدها أكثر سخونة، في النهاية هي من تتحكم في زمام اللعبة. وهنا تجذر الإشارة الى أن هذه الحكاية تتغير من حيث المفهوم والأسلوب  تبعا لاختلاف المناطق المغربية. وحتى العربية، وعندما نقوم بالنبش في التراث الشعبي العربي، سيفضي بنا الأمر إلى الوقوف على تقاطع حكاية “جرادة مالحة” مع الكثير من الحكايات المماثلة لها في الرمزية والدلالات القيمية المنتشرة بالبلاد العربية، خصوصا تلك التي تدور حول  شخصيات غريبة بين المظهر والتصرفات، وتكون في الغالب ماكرة أو متنكرة، وغالبا ما تٌستخدم لاختبار ذكاء أو فطنة البطل (ة).
 ومن الأمثلة على ذلك نسوق الحكايا التالية:
الغولة :  وهي مخلوق أنثوي مخيف ، تتنكر أحيانا في صورة امرأة طبيعية، لكنها في الحقيقة تسحر البشر وتأكلهم ! وهي تشبه جرادة مالحة، في إعتماد الخداع والتقنع للإيقاع بالضحايا، وغالبا مايسقط في فخها كل من يتصف بالفضول أو الطمع. وغالبا ما تظهر أمنا الغولة ليلا لتختطف من لا يطيع أوامرها كما هو وارد في التراث المصري .
المرأة الثعلب : يحكى أنها امرأة جميلة تزوجت رجلا طيبا، ليكتشف لاحقا أنها ثعلب متحول أو مخلوق ماكر، وترمز إلى الغدر والخداع الذي قد يأتي من حيث لا يتوقع، تبعا لما جاء في التراث الشعبي الشامي.
 – ذات اللسانين : وهي أمرأة تتكلم بلطف في وجه الناس ، لكنها تقول شيئا آخر من وراء ظهورهم . وفي ذلك تعبير مجازي يصور الازدواجية والخداع ، كما هو وارد في التراث الخليجي واليمني . وهذه جميعها قريبة من الدلالات التي توحي بها حكاية أجرادة مالحة .
وتبقى هذه الشخصيات  جميعها “جرادة مالحة “، ” الغولة “، ” المرأة الثعلب “، ” ذات اللسانيين ” تستعمل كاختيار للفطنة والحذر، وتستخدم تربويا لنقل قيم الحذر، وعدم الانخداع بالمظاهر، وأهمية الحكمة في اتخاد القرارات.
وفيما يلي مقارنة بين هذه الحكايا :
1 – من حيث الهوية الظاهرة
أمنا الغولة : كيان أنثوي مخيف 
المرأة الثعلب : زوجة جميلة ودودة
ذات اللسانين : امرأة طيبة/عجوز مسكينة
أجرادة مالحة :امرأة غريبة تبدو بريئة 
2 – من حيث الهوية الخفية 
أمنا الغولة : كائن خرافي يهدد الأطفال
المرأة الثعلب : مخلوق تعلبي ماكر 
ذات اللسانين : مخلوق اكل للبشر 
أجرادة مالحة : كائن ماكر أو شرير 
3 – وسيلة الخداع المعتمدة 
أمنا الغولة : التهديد اللفظي أو الصوتي
المرأة الثعلب : الحب والتقرب العاطفي 
ذات اللسانين : التنكر والكلام الطيب 
أجرادة مالحة : الكلمات المعسولة والمظهر الهادى 
4- الغولة : الأطفال بصفة عامة
المرأة الثعلب : الزوج الطيب أو الساذج
ذات اللسانين : الأبرياء 
أجرادة مالحة : كل من يثق بسهولة 
5 – الرسالة الأخلاقية المتضمنة 
أمنا الغولة : الطاعة والانضباط 
المرأة الثعلب : لاتثق بسرعة 
ذات اللسانين : لا تأمن الغرباء 
أجرادة مالحة : الحذر من المظاهر الخادعة
6 – النهاية المعتادة
أمنا الغولة : نهاية مفتوحة ، التخويف فقط
المرأة الثعلب : اكتشاف الحقيقة والانفصال
ذات اللسانين : الهروب من الغولة أو قتلها 
أجرادة مالحة : النجاة بالحيلة أو الفطنة والذكاء . 
ثريا الطاهري الورطاسي 
الدار البيضاء في  15 أبريل 2025

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *