خواطر امرأة

الفوضى الصامتة

في البدء قد يوحي عنوان هذه الخاطرة على التوتر الداخلي أو الاضطراب غير المعلن الذي يخفيه صاحبه بقناع الملامح الهادئة .
في زوايا غرفتي كل شيء مرتب في مكانه ، والنافذة شبه مفتوحة لتسمح بانسياب هواء مسائي منعش، وأنا كعادتي أميل إلى الكتابة اما بإسمي أو بإسم أي أحد قد يجد نفسه بين ثنايا ما أخطه من كلمات، وقد أعبر عن شعوره بكلمات لم يستطع هو التعبير عنها، وسيان عندي أن أكتب لنفسي أولغيري، شريطة أن يكون ذلك بحروف لايقرأها إلا من يشعر بها.
فأجلس لوحدي أرتب أفكاري، أوراقي، حروفي الملتهبة، أمسك القلم ثم أتركه …وأمضي نحو المراة أتأمل ما توحي به سحنتي ومنها إلى النافذة لأتتبع خطوات العابرين، في ليل يوحي سكونه بفوضى افتقدت ضجيجها، بعد أن نكون قد دفعنا ثمن الصدق الأخرق والعاطفة الحمقاء وحسن الظن الزائد بالآخرين، فالواحد منا يدفع ثمن عاصفة تتنكر في هيئة نسمات عليلة، كانت ترى أنه كان حقيقيا أكثر من اللازم ذات زمان ولى، تمسك فيه بمن يحب ويحسن الظن بهم، ومن أجلهم تحمل ويتحمل كل الصعاب ويلتمس المعاذر حتى لمن أساء اليه، فيركب دوامة الحلم والتخلي عن العتاب واللوم ويفضل الابتعاد والتخلي عن محاربة الطواحين. ويبقى في الدواخل شيء ما يتداعى، وفي العينين قصص لا ولن تروى، مع ابتسامة تَرَدُدٍ خفيف يشبه الندم وخطوات ثِقال من حمل لا يُرى رغم الهدوء والصمت والسكينة لأن في القلب أشياء وأشياء أصواتها عالية تزعج دواخلي وتقض سكينتي، إنها عاصفة بلا صوت، تهدم كل يقين أقامته القرابة وحافظت عليه السنوات. وعندما يحل الليل ويختار الضجيج مقعده في رأسي، أحاسيسي، كياني، ويفضل الإقامة والتحاور معي، أجدني قد أفقت أحبابي المنسيين، القابعين في الذاكرة ليشاركوني وليمة الأرق الأرعن،ف هم الأصوات العالية المكتومة في الدواخل ولايعلمها سواي. أخشى البوح بها.. وأخاف أن تجرحني الكلمات إن خرجت مني عن غير قصد، ومعها أود أن أمحو من عقلي وذاكرتي ومخيالي كل الصور، الانطباعات، الحكايا التي كسرت قلبي، وأدمت عيني، وألغي كل الحواجز والقيود والمسافات. أن أنسى الشعور بالألم والشوق والخذلان، أرتب هذه الفوضى الرابضة بقلبي، وأتوج ذلك بعقد صلح بين عقلي وقلبي كي تطيب اللحظات بينهما، وأضع حدا لهذه التراكمات، حتى لا أفقد إحساسي بالتمييز والتميز الذي لايولد من الإختلاط بكل شيء، لأنه منبع الوفاء لجوهر الذات. فأعلن عن البدء من صفحة جديدة، أعود معها لنفسي، أصلح كل ما تبعثر بها بعد أن صرت وكأني من دوني، أبحث عن نفسي ولا أجدني من كثرة ما عشته من ضربات الزمن . وأجثت هذا السخط والقسوة التي تنتابني؟
أنا الفكرة التي تتردد داخل رأس منهك ملايين المرات.
أنا الحذر والتأني.
أنا المشاعر المحصورة بين التخطي والتغاضي.
أنا خطوتان …. بعد كل خطوة إلى الأمام .
أنا الصندوق الموصد بإحكام.
أنا وخزة الضمير آخر اليوم حين يعود المرء إلى فراشه.
أعرف أن بعض المنعطفات قاسية جدا، غير أنها تبقى إجبارية لمواصلة الطريق، وأن الخذلان صفعة قد توقظني أكثر من اللازم ، ومع ذلك لاأعرف مكان وجعي، ربما هو وجع الروح، إنها أنا التي تؤلمني، فطاقة التحمل بداخلي نفذ رصيدها، والصمت الذي بداخلي يطويني كصراخ أخرس، ولا أحد يفهم معنى أن أضحك في عز انكساري، دوما أبقى ثابتة وداخلي يحترق، فما يؤلمني حقا ليس الغياب أو الفقد، بل هو الجحود المتبقى بعد أن تتحول التضحيات إلى رماد في مهب الريح، ورغم الألم لست نادمة على صفاء قلبي، لأنه كان خيارا واعيا في عالم يعج بالتلوث … بالنفاق …
أكتب خواطري وأنا أعيش فوضى موغلة في الصمت كي لا أختنق بضرورة التكيف مع عالم سريع غير منتظر، فأكتب -أحيانا – رسائل ولاأرسلها، أرفع سماعة الهاتف وسرعان ما أغلقها، تاركة وجعا وضيقا يعتركان في داخلي، أشتاق ولا أتكلم،أتوجع ولا أصرخ لأن في حنجرتي لصوص، صدقوني عادة أنا لا أصمت عبثا، صوتي مسروق، وأحيانا يكون الصمت أحن علي من كل الكلمات، فأختاره وطنا للأوجاع والأسرار.
أسطر، كلمات، حروف كتاباتي تخنقني لتبقى في القلب أشياء أكبر من أن تقال، غرفة مظلمة أخاف طرق بابها، ولو أن خلف كل صمت حكاية لانريد البوح بها، فاليوم لم يعد شبيها بالأمس لذا لم أعد أرغب في الكثير مما كنت أسعى إليه، لقد ارتويت بوصولي لنقطة الاشباع، وتعلمت متى يكون الإنسحاب انتصارا، والصبر جريمة في حق نفسي، واقتنعت بأن بعض المنعطفات قاسية ومؤلمة غير أنها تبقى إجبارية لمواصلة السير في الاتجاه الصحيح.
وختاما سلاما مني على كل قلب يخفي حكاياه، وعلى كل نظرة تحمل وجعا لم ولن يحكى إلا لرب العرش العظيم.
ثريا الطاهري الورطاسي
طنجة في 18 ماي 2025