قراءة نقدية للناقد المصري محمد القطعاني

قراءة نقدية للناقد المصري محمد القطعاني

(حسن البطران تحتَ مظلةِ النقد النفسي والأسلوبي)

محمد ياسين خليل القطعاني

نتناول في هذه القراءة النقدية بعض القصص القصيرة جداً للقاص السعودي : حسن علي البطران، وهذه القصص القصيرة جداً ضمتها دفتا كتابه تحت عنوان: ( وِصال وستائر لا يبللها ماء )، وقد عقد منتدى آفاق الفكر والثقافة بإدارة الشاعرة الكبيرة : فيروز مخول ، والشاعر المبدع : جورج عازار إحدى الندوات لمناقشة هذه المجموعة من ( استكهولم ـ  السويد ) عبر تطبيق ( زووم)، واستضاف المنتدي  بعض أساتذة النقد المعروفين على مستوى العالم العربي لتقديم قراءات نقدية، وهم الروائي القاص الناقد المصري : محمد ياسين خليل القطعاني، والقاص الناقد اللبناني الأستاذ الدكتور علي حجازي، و الأديب الناقد السعودي الدكتور سلطان العيسى،  وبعض الضيوف الذين قدموا مداخلات نقدية، مثل الناقدة اللبنانية الدكتورة دورين سعد، والناقد الشاعر المسرحي الأردني الدكتور علي الشوابكة.

 وهذه هي قراءتي النقدية لمجموعة البطران القصصية. 

نذكر في مقدمة هذه القراءة  أنَّ قيمة العمل الأدبي تكمن فيما يبذله الأديب في صياغته، وما يُحمِّله من مَضامين ظاهرة ومضامين مُضمرة،  فالعملُ الأدبيُّ يُترجم الحالة الثقافية للأديب، ويعكس نوازعَه وتطلعاته ورؤاه سواء في حالة الوعي أم (اللاوعي ).

وعلينا أنْ نتريثَ في الحكم على ما فاضتْ به قريحةُ القاص، وخاصةً أنه  يتناول في أغلب نصوصِ هذه المجموعة كما في مجموعاته السابقة العلاقةَ بينَ الرجل والمرأة ، تلك العلاقة الجدلية التي شغلت الناس مُنذ هبط آدم وحواء إلى الأرض، كما أنَّ القاص امتلك الجرأة ـ وتُحْسَب له ـ التي جعلته يلِج إلى أخصِّ خصائص المرأة، وأقصد الجسد، نعم جسد المرأة ذلك الوعاء السحري الذي يوليه الكاتب عنايةً جمَّةً تظهر من خلال انتقاء بعض المفردات ذات الظلال الوصفية والنفسية والتراثية، فتناول  بعضَ تضاريس هذا الجسدَ بلا مواربة ، فها هو ذا يذكر بالاسم بعضَ مكوناته، وكما ذكر الجسدَ فإنهُ لم يغفل النفس، فذكرَ ما يحتويه هذا الجسد من الوجدان، ولم يغفل البطران الرجل في قصصه، فهو والمرأة المحور الذي تدور حوله أغلب القصص .

قبل أن نتناول بعضَ النّصوص بالقراءة الأسلوبية والقراءة النفسية نلفت الانتباه إلى أنَّ النقد الأدبي يتناول النص من حيث الجماليات ( علم البلاغة)، أما المنهج النفسي فيتناول النص من حيث ( الرغبات المكبوتة) التي تظهر في الإبداع، وعادةً ما تكون هذه الرغبات المكبوتة مُسْتملحة أو مُسْتهجنة، وبعضها كان مُنغمساً ومَنسياً في ( الهو) كما يقول العالم النفسي (سيجموند فرويد)، فالكاتب يكون في حالة ازدواج نفسي، لذلك نسمي هذه الحالة (بالمؤلف المزدوج، أو الكاتب المزدوج)؛ لأنه يُنتجُ  نصوصاً أدبية جمالية بشكلٍ واعٍ، ونؤكد على ( بشكلٍ واعٍ)، ويُنتج رموزاً أدبية  بشكلٍ غيرٍ واعٍ أيضاً، ونصل إلى هذه الرموز عن طريق تحليل الكلمات والعبارات والأساليب التي استخدمها في النص، وهذه الدلالات الرمزية تحتاج إلى تمحيصٍ وإعمالٍ للذهن من المتلقي أو القارئ أو الناقد.

 ـ  النص الأول بعنوان ( قوة ) الصفحة السادسة عشرةَ،

النص: ( صددتُها، أدرتُ لها ظهري، لَحِقَتْ بي، مزّقَتْ قَميصي.. لكنني نجوتُ من الخطيئة..! ).

ـ امرأة ترغب في علاقة مع رجل، يهرب منها، تركض خلفه، جذبته من قميصه، مزقته، الرجل سعيد لأنه لم يرتكب الخطيئة.

الزمان متوفر في القصة من خلال الأفعال الدالة على الزمن الماضي ( صدَدْتُ ـ أدرتُ  ـ لَحِقتْ ـ مَزّقتْ ـ نَجوْتُ )، المكان واضح أنه منزل المرأة، الحدث متوفر هو رغبة يقابلها رفض وهروب ومطاردة ، الخاتمة تكون النجاة من المرأة .

اختيار الكلمات كان مُناسبا لحدٍّ كبيرٍ لإبراز حالة الحركة والكر والفر والملاحقة والعنف (أدرت ـ  لحقت ـ مزقتْ)، فالفعل (مزَّقَ)  أبرزَ الحالة النفسية المندفعة الشرسة والرغبة الجنسية الجامحة التي جعلتها تمزق القميص عدة مرات، ولم يستخدم  البطران كلمة ( قطّعت) مثلاً، ثم الهدوء والسكينة بتعليل رفضه لهذه العلاقة ؛ لأنها ( الخطيئة )، كلمة الخطيئة لها دلالات نفسة تتمحور حول الخوف من العقاب وارتكاب الإثم، كما تتظلل الكلمة بظلال الصلاح والتقى،  (أدرتُ لها ظهري ) كناية عن رفضه البات لها، و( نجوتُ من الخطيئة) شبه الخطيئة بوحش يريد أنْ يلتهمه، لكنه فرَّ منه،  وعلامتا الترقيم في نهاية النص وهما عبارة عن نقطتين اثنتين ( والصواب ثلاث نقاط)  مع علامة التعجب دعوة لإشراك المتلقي في  الحدث وجعله عنصراّ مُشاركاُ وفعالاً.

ـ عودة إلى التراث: نقرأ : ( واستَبقا الباب َ، وقَدّتْ قَميصَه ِمن  دُبُرٍ، وألفيا سَيدَها لدى الباب ) سورة يوسُف الآية 25

ـ إذن هو التناص مع ( قصة زليخا سيدة القصر، وفتاها يوسف ):  هنا نقف لحظات لنتعرف على مصطلح ( التناص)، ولِماذا يلجأ إليه بعضُ الكتاب في الشعر والنثر.

 التناص : هو استحضارُ نصٍ أدبي أو غيرِ أدبي داخلَ نصٍ آخر لخدمة هذا النص الآخر، والتناص يكون  في الفكرة واللفظ ،أو في أحدهما دون الآخر، والتناص فنٌ من فنون البلاغة ويندرج تحت  المحسنات البديعية.

السؤال : لماذا لم يُغير البطران في قته نِهاية الحدث؟، ولماذا وافقها معَ النص ( القرآني ) ؟

 الإجابة عن السؤال مفتوحة للمتلقي، فمنهم من يوافق على هذه النهاية من منظور أخلاقي مثلاً، ومنهم من يخالف، ويرى ذلك تجربة كانت جديرة بأن تُخاض ؛ لأن الناس ليسوا كلهم النبي يوسف.

                       حسن علي البطران

هل الكاتب أراد أنْ يُرسل رسالة ( بوعيٍ أو بغيرِ وعيٍ ) ؟ ويمررها من خلال النص مضمونها:

” أنّ المرأة هي المرأة في كل زمان ومكان، وما حدث قابل للحدوث على يد ( زُليخات أخريات)”، فمن أهداف التناص البلاغية ( التوكيد ) .

  النص الثاني : عنوان النص (جنون كيبورد) الصفحة الحادية والأربعين .

ـ النص : ” تتراقصُ أصابعُه على الكيبورد، ينظرُ أمامه ، يبتسمُ ،كعبُها عالٍ،أردافُها ريّانة،صدرُها نافرٌ، شعرُها كستنائي ،و.. خطابٌ ذو أهمية يصلُ إلى جهةٍ عُليا به أوصافُ تلك الحسناء ..!!”

 ـ هو شخص يقوم  بتوفير الخدمات الجنسية لشخصيات (ما ) ذات مكانة في المجتمع قد تكون هذه الحيثية وجاهة اجتماعية أو قدرات مالية .

(تتراقص أصابعه على الكيبورد) كناية عن مهاراته الفائقة، كما أنها تدل على أنه متمرس في هذا العمل، ( كعبها عال ٍ) كناية عن أنها فائقة الجمال وكاملة الأوصاف، الكناية هنا عن صفة حملتْ حال الموصوف، صرح البطران في ختام النص :(أنها حسناء)، استخدم أيضاً نقاط السكوت وعلامات التعجب في نهاية النص، النقاط مقبولة لأنها دعوة للمتلقي؛ ليتخيل المرأة، ويرسم في مخيلته هذا الحسن الذي فاق الحد، لكن علامة التعجب هنا تثير عدة احتمالات ؛ لأن المتلقي وصلته رسالة أنه يتعامل مع  الرقيق الأبيض، فالتعجب يُشوّش المتلقي، هل التعجب من الجمال؟ أم التعجب من مورد الجميلات؟ أم من الحالتين؟

ذكر البطران  كلمة (حسناء) في نهاية القصة مع أن عبارة (كعبها عالٍ ) تضمنت دلالة كلمة حسناء، وما دمنا في القصة القصيرة جداً فلا مجال للتبذير في استخدام الكلمات.

 ـ   عودة إلى التراث : في سنة 1945م صدرت رواية ( القاهرة الجديدة ) للأديب الكبير نجيب محفوظ ، ومن شخصيات الرواية ( محجوب عبد الدايم ) وكانت مهمته تقديم زوجته كعشيقة لشخصية كبيرة ذات نفوذ في المجتمع  آنئذٍ.

 ـ إذن هو التناص في صورة أخرى ، التناص هنا تمَّ من استحضار الفكرة دون الكلمات والعبارات ، ويُحسب للكاتب أنه طوّر الشخصية ، وجعلها تتعامل مع التقنيات الحديثة، إذن شخصية محجوب عبد الدايم تُطور من نفسها؛ لتتوافق مع متطلبات العصر، ويثور السؤال ، ما الهدف من هذا التناص ؟

 ـ لعل الإجابة التي قفزتْ من (لا وعي) البطران هي :  محجوب عبد الدايم موجود في كل زمان ومكان، ويتوافق مع متطلبات العصر ، ومن يستعينون به كذلك موجودون في كل زمان ومكان .

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *