الإنسان في زمن تضخّم الأنا

الإنسان في زمن تضخّم الأنا

قراءة سيكولوجية في ديناميات التملك وانهيار العلاقات..

🌿 د. سي محمد بلبال 🌿

يعيش الإنسان المعاصر أزمة وجودية مركبة، تتجلى في تفكك منظومة العلاقات الإنسانية وتحولها إلى معادلات تملك واستغلال. لقد أصبح “الآخر” غريبا عن وعي الذات، لا يرى إلا كموضوع أو كوسيلة لتحقيق المنفعة أو تأكيد السيادة، مما ينعكس على بنية السلوك الفردي والجمعي في شكل تضخّم مرضي للأنا، يوازيه تضاؤل متسارع في مساحة التعاطف والتآزر الإنساني.

هذه البنية النفسية الحديثة تعد امتدادا لأزمة الإمبريالية الكلاسيكية، لكنها أكثر دهاء وتعقيدا، لأنها انتقلت من فضاء السياسة والاقتصاد، إلى عمق الذات الإنسانية، حيث تتداخل الديناميات اللاواعية في تشكيل خطاب الهيمنة والتملك الذي يحكم العلاقة بين الأنا والآخر، سواء في نطاق العلاقات الفردية أو على مستوى العلاقات الدولية.

في هذا الزمن، حيث فقدت القيم معناها، وانهارت أنساق الأخلاق التقليدية، برزت “الأنا” كسلطة مطلقة، متضخمة، متسلطة، تقيس قيمة الآخر بمدى قابليته لأن يتحول إلى ملكية: ملكية فكرية، نفسية، اقتصادية، عاطفية وحتى جغرافية. وأمام هذا التصور المغلوط، تتولد أشكال متعددة من الاضطرابات النفسية أبرزها جنون الارتياب — البارانويا — حيث يتحول الآخر من شريك محتمل إلى خصم محتمل، بل وأحيانًا إلى عدو افتراضي دائم، في غياب أي سياق صراع واقعي.

تتضاعف خطورة هذا الاضطراب حين يغدو وعي الأفراد والجماعات مرتهنا لهذا النسق الإدراكي المشوه، مما يدفع نحو صدامات على مستويات متعددة، قد تبلغ ذروتها في نزاعات وجودية مفتوحة، من حروب تجارية وإعلامية، وصولا إلى احتمال نشوب حرب نووية تهدد الكوكب بأكمله، كحصيلة حتمية لبارانويا سياسية عالمية تُغذيها نزعة التملك والهيمنة.

ورغم هذا المشهد القاتم، فإن وجود أفراد يحملون وعيا أخلاقيا ونفسيًا متوازنا، قادرين على صيانة العلاقة بالآخر ضمن منطق التعاون لا التملك، هو الأمل الوحيد المتبقي أمام الإنسانية لتجاوز هذه المرحلة الحرجة من تطورها السيكولوجي والثقافي.

إن التحولات النفسية التي يشهدها الإنسان المعاصر تفرض عليه، وعلى المنظومات الاجتماعية والدولية، مراجعة عميقة لمفهوم الذات والآخر، ولمعنى العلاقة التي تربطهما. إن الانتقال من منطق التملك إلى منطق التكامل، ومن بارانويا الشك والخوف إلى منطق الثقة والتعاقد النزيه، يمثل شرطا ضروريًا لبناء عالم متوازن يسوده السلام، ويضمن استمرارية الوجود البشري في سياق أكثر عقلانية واتزانا.

إنها دعوة لإعادة صياغة الذات قبل أن تفرض علينا الحروب نهايات لم نخترها، وللتفكير في أن قيمة الإنسان لا تُقاس بما يملك، بل بما يستطيع أن يضيفه لغيره.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *