الرسوم الجمركية الأمريكية

الرسوم الجمركية الأمريكية
الصورة عن الجزيرة
            د. صباح نعوش

مكسب المغرب.. وخسارة العراق..

بموجب الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تخضع صادرات المغرب لسعر 10%. في حين يطبق على صادرات العراق سعر قدره 39%. ما مدى تأثير هذا السعر وذاك على صادرات البلدين للولايات المتحدة؟

لكن الإجابة على هذا السؤال لا تغطي التأثير الكلي لهذه الرسوم على المؤشرات الاقتصادية العراقية والمغربية.

قررت الإدارة الأمريكية زيادة الرسوم الجمركية على وارداتها السلعية من جميع دول العالم. فقد أصدرت قائمة تتناول أسعاراً جمركية إضافية تختلف حسب الدول.

تسعى هذه الزيادة إلى تحقيق أهداف مالية وضريبية وتجارية وصناعية.

مالية: ستقود هذه الرسوم إلى ارتفاع حصيلة الضرائب في الميزانية الفيدرالية التي تعاني من عجز هائل ومزمن وصل إلى حوالي ترليوني دولار.

ضريبية: سيسهم هذا الارتفاع في تعويض نقص الإيرادات الناجم عن تقليص مرتقب للضريبة على الشركات. أي سيتصاعد العبء الضريبي على المستهلكين وينخفض على أصحاب الشركات.

تجارية: تقود الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة فينخفض الطلب عليها. عندئذ يتراجع استيرادها ويهبط بالتالي العجز التجاري السلعي الذي بلغ حوالي ترليون دولار.

صناعية: تعاني الولايات المتحدة من ضعف قدرة الصناعة على تلبية الطلب. الرسوم الجمركية تسعى إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية فيرتفع الإنتاج الصناعي.

لكن هذه الرسوم تتعارض صراحة ومن عدة جوانب مع الاتفاقات المتعددة الأطراف لمنظمة التجارة العالمية التي تحكم النظام التجاري العالمي.

تهدف هذه الرسوم إلى تحقيق مكاسب للولايات المتحدة عن طريق الإضرار بمصالح الدول الأخرى. وهذا لا يجوز إطلاقاً بمقتضى هذا التنظيم. لا يمكن لدولة ما زيادة رسومها الجمركية دون الاتفاق مع شركائها التجاريين المتضررين ومنحهم التعويضات المناسبة. وهذا ما ترفضه واشنطن بشدة.

ما تأثير هذه الرسوم على العراق والمغرب؟

اختار الكاتب هذين البلدين لعدم وجود أي تشابه بينهما من الناحية الاقتصادية خاصة المالية ومن زاوية مبادلاتهما التجارية مع الولايات المتحدة.

اقتصاد المغرب متنوع يقوم على الزراعة والفوسفات والصناعة التحويلية. وتعول المالية الداخلية على الضرائب والمالية الخارجية على تحويلات العمال المغاربة المقيمين بالخارج وموارد السياحة.

الصورة عن الجزيرة

في حين أن اقتصاد العراق أحادي ريعي نفطي فقط.

لذلك تتسم صادرات المغرب بالتنوع. وتكاد تقتصر صادرات العراق على النفط.

أما الميزان التجاري السلعي فهو في حالة فائض في العراق وعجز مزمن في المغرب.

العراق من كبار البلدان المصدرة للنفط في العالم. في حين يستورد المغرب هذه المادة ويخصص نسبة عالية من أمواله للحصول عليها.

يتعين تقدير تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية وفق هذه الخصوصيات.

وضعت الإدارة الأمريكية سعراً جمركياً قدره 39% على الصادرات العراقية و10% على الصادرات المغربية.

لماذا هذا الاختلاف في المعاملة؟

يقول الأمريكيون لأن العراقيين يفرضون رسوماً جمركية قدرها 78% على وارداتهم من الولايات المتحدة. في حين يطبق المغاربة 10% على وارداتهم منها.

والواقع أن هذه الإجابة غير مقنعة. الإدارة الجديدة تحابي الدول التي تسجل عجزاً تجارياً معها (كدول مجلس التعاون الخليجي). ولا ترتاح للبلدان التي تسجل فائضاً تجاريا معها (كالصين والاتحاد الأوروبي).

فقد بلغت صادرات العراق إلى الولايات المتحدة 7506 مليون دولار. في حين لا تتعدى الصادرات الأمريكية إلى العراق 1435 مليون دولار. بمعنى أن عجز الميزان التجاري الأمريكي مع العراق مرتفع نسبيا.

في حين أن صادرات المغرب إلى الولايات المتحدة 1350 مليون دولار. وصادرات الولايات المتحدة إلى المغرب 6416 مليون دولار. أي أن الفائض التجاري الأمريكي مرتفع مع المغرب وهو يتجه نحو الزيادة سنويا.

لكن خضوع المغرب لسعر جمركي أمريكي منخفض مقارنة بالعراق لا يعني أن العبء الجمركي الذي تتحمله الصادرات العراقية أعلى. والسبب في ذلك أن الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة نفطية. والرسوم الجمركية لا تسري على التجارة النفطية. في حين أن صادرات المغرب للولايات المتحدة تتكون بالدرجة الأولى من المركبات وأشباه الموصلات والأسمدة ومنتجات الصناعة التقليدية والمواد الغذائية. وهي جميعها معنية بالرسوم الجمركية الإضافية. مع العلم أن المغرب الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي عقدت مع الولايات المتحدة اتفاقية تبادل حر منذ 2004.

انطلاقاً مما تقدم سوف تسبب الرسوم الجمركية الأمريكية ضرراً للاقتصاد المغربي وليس للاقتصاد العراقي. ولكن هذا الاستنتاج يخص فقط التأثير المباشر للرسوم الجمركية. في حين تتمخض عن هذه الرسوم تداعيات أخرى غير مباشرة أكثر أهمية.

من المؤكد أن هذه الرسوم ستؤثر سلبياً وعلى نحو خطير بالاقتصاد العالمي. لأن الولايات المتحدة ليست كباقي الدول. أنها تمثل أكبر اقتصاد وأكبر مستورد للسلع في العالم.

سيتقوض معدل النمو العالمي وسيتراجع الطلب على السلع بما فيها النفط. ستنخفض إذن أسعار هذه المادة. وهذه ليست تكهنات بل بديهية. والدليل على ذلك أن سعر برنت كان 74.6 دولاراً للبرميل في نهاية مارس المنصرم. وبعد الإعلان عن الرسوم الجمركية الجديدة هبط  إلى 62.6 دولارا. أي بمبلغ مرتفع قدره 12 دولاراً خلال أيام فقط. لكنه عاد إلى الارتفاع قليلاً بعد الإعلان عن تجميد هذه الرسوم لمدة 90 يوما.

لذلك ستنخفض من جديد أسعار الخام بعد انتهاء هذه المهلة. لنفترض أن السعر سينخفض بمبلغ عشرة دولارات للبرميل سواء بعد انتهاء هذه الفترة مباشرة أم في فترة لاحقة. عندئذ يمكن الوصول إلى النتائج التالية:

في الوقت الحاضر تبلغ الصادرات النفطية العراقية السنوية 89425 مليون دولار. أي 86% من مجموع إيرادات الدولة.

نظمت الميزانية الحالية بعجز هائل قدره 49538 مليون دولار. يجري تموله عن طريق القروض بالدرجة الأولى.

فإذا انخفض سعر النفط بمبلغ عشرة دولارات للبرميل فسوف تهبط الإيرادات النفطية إلى 76650 مليون دولار. عندئذ سيرتفع العجز المالي إلى 62313 مليون دولار. يترتب على ذلك تفاقم المديونية العامة وتردي مختلف الأنشطة الاقتصادية وهبوط مستوى معيشة المواطنين.

أما النتائج في المغرب فهي عكسية تماما. لأن البلد مستورد للطاقة. حيث بلغت وارداته الطاقية 12978 مليون دولار في السنة. أي ما يعادل 17% من مجموع الواردات. وهي نسبة عالية تسهم مساهمة فاعلة في العجز التجاري. فإذا انخفض سعر البرميل بمبلغ عشرة دولارات فسوف تصبح واردات الطاقة 11161 مليون دولار. عندئذ يتراجع عجز الميزان التجاري وتتحسن مالية الدولة.

تؤثر الرسوم الجمركية الأمريكية على الميزان التجاري للعراق والمغرب تأثيراً فاعلاً بسبب تداعياتها على النمو العالمي. سيترتب عليها انخفاض إيرادات النفط في العراق وواردات النفط في المغرب.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *