….إدارة الذهب النقدي في المغرب!
يلعب الذهب النقدي دوراً هامشياً في الاحتياطي النقدي المغربي. ل تنسجم هذه السياسة مع التطورات المالية العالمية من جهة ويترتب عليها خسائر مالية فادحة من جهة أخرى.
المغرب غني بمختلف المعادن. فيه مناجم ذهب منتجة كمنجم بومدين في الراشدية ومنجم تيويت في تنغير.
تتولى الإنتاج شركة مناجم المغربية وهي مدرجة في بورصة الدار البيضاء. كما استثمرت في مناجم أفريقية عديدة تقع في كينيا والكونغو والغابون ومالي والسنغال. ولها أنشطة مهمة في منجم قبقبة بالسودان. وهنالك أيضاً شركات أجنبية كندية وسعودية مهتمة باستخراج الذهب.
المغرب منتج إذن للذهب بل مصدر له أيضاً إلى تركيا وسويسرا وإيطاليا.
مكانة الذهب في الاحتياطي النقدي
الاحتياطي النقدي والأصول الاحتياطية والاحتياطي الرسمي واحتياطي الصرف مصطلحات لها نفس المدلول. أنها الأموال التي يملكها ويديرها بنك المغرب (البنك المركزي) والتي تتأتى من ميزان المدفوعات.
فعندما يحقق هذا الميزان فائضاً يرتفع الاحتياطي النقدي. وبالعكس عندما يسجل عجزاً تضطر الدولة إلى السحب من الاحتياطي النقدي لتمويله. في هذه الحالة الثانية يهبط الاحتياطي النقدي. وقد تلجأ السلطات العامة إلى القروض الخارجية.
وللاحتياطي النقدي دور آخر يرتبط باستخدامه من قبل بنك المغرب كأداة لتنظيم سعر صرف الدرهم.
لهذا السبب وذاك لابد من تنمية الاحتياطي النقدي بجميع الوسائل الممكنة بما فيها كيفية إدارة الذهب.
في نهاية 2023 بلغ الاحتياطي النقدي المغربي 36339.1 مليون دولار. ثم ارتفع في الربع الثالث من 2024 إلى 37934.5 مليون دولار.
للتعرف على مكانة الذهب يتعين تقسيم هذا الاحتياطي إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول والأهم:
- العملات الأجنبية لدى بنك المغرب وكذلك العملات الأجنبية المملوكة له والمودعة بفوائد في حسابات مصرفية خارجية. لذلك فهي تتأثر بتقلبات أسعار الفائدة خاصة على الدولار واليورو.
في نهاية 2023 بلغت هذه العملات 32745.5 مليون دولار. أي 90.1% من الاحتياطي النقدي.أنها إذن تحتل المرتبة الأولى فيه.
القسم الثاني :
- الموجودات لدى المؤسسات المالية الدولية لا سيما صندوق النقد الدولي. وهي بالدرجة الأولى حقوق السحب الخاصة. تبلغ هذه الموجودات 2116.6 مليون دولار. أي 5.8% من الاحتياطي النقدي.
القسم الثالث:
- الذهب النقدي. وهو يختلف عن الذهب التجاري المتداول في السوق. كأن تشتري فتاة قلادة ذهبية من محل تجاري بالدار البيضاء. لا علاقة لهذا الذهب بموضوعنا.
الذهب النقدي هو المملوك لبنك المغرب. بمعنى أن الفرق بينهما يكمن في الجهة المالكة وليس في طبيعة أو مواصفات المعدن.
يملك بنك المغرب حسب تقريره الأخير 22.12 طناً من الذهب: 21.90 طناً منها مودعة لدى مؤسسات خارج المغرب. ولا خطورة في ذلك ما دامت العلاقات طيبة بين المغرب وحكومات هذه المؤسسات.
في نهاية 2023 بلغت قيمة الذهب النقدي المغربي 1477.8 مليون دولار أي 4.1% من الاحتياطي النقدي. وبذلك يسجل هذا المعدن المرتبة الأخيرة في الاحتياطي النقدي. في حين تصل النسبة إلى أكثر من 20% في الأردن ومصر وتركيا وباكستان. وأكثر من 60% في إيطاليا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
في 2004 كانت كمية الذهب النقدي لدى بنك المغرب 22.02 طنا. قيمتها 308.4 مليون دولار. وفي الربع الثالث من 2024 لم تتغير الكمية كثيراً (22.12 طناً). ولكن وصلت قيمتها إلى 1869.9 مليون دولار (أرقام منشورة في جداول مجلس الذهب العالمي). ارتفعت إذن القيمة بنسبة 506.3% في حين لم تزدد الكمية إلا بنسبة ضئيلة جداً قدرها 0.4%. هذا دليل واضح على أن بنك المغرب لم يشتر كميات كبيرة من الذهب خلال عقدين من الزمن وأن هذا الارتفاع في القيمة ناجم فقط عن تصاعد أسعار المعدن.
لماذا ارتفعت أسعار الذهب؟
يعود السبب الأساسي إلى هبوط أسعار الفائدة على العملات الرئيسية لا سيما الدولار واليورو. فقد أجرى الفيدرالي الأمريكي عدة تخفيضات على سعر الفائدة فأصبح 4.5%. كما هبط سعر الفائدة على اليورو إلى 3.15%.
وكلما انخفضت هذه الأسعار تقلصت عوائد الحسابات المصرفية. عندئذ يتجه الأشخاص إلى شراء المزيد من الذهب فترتفع أسعاره.
ومن زاوية أخرى تتسم العلاقات الدولية منذ أكثر من سنتين بالتوتر الشديد من الناحيتين العسكرية والتجارية. الأمر الذي يضعف الثقة بجميع العملات ويزداد الطلب على الملاذ الآمن للأموال وهو الذهب فترتفع أسعاره أيضا.
لذلك انتقل سعر الأونصة (31.1 غراماً) من 1784 دولاراً في نهاية ديسمبر 2022 إلى 2070 دولاراً في نهاية ديسمبر 2023 ثم إلى 2610 دولاراً في نهاية ديسمبر 2024.
استغلت عدة دول هذا الارتفاع وحققت زيادة هائلة في قيم الذهب النقدي إما بسبب شراء كميات كبيرة منه في الآونة الأخيرة (كالصين وبولندا والهند) أو لأنها تعتمد أساساً على الذهب في الاحتياطي النقدي (كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا).
لا ينطبق هذا التوصيف أو ذاك على بنك المغرب. فهو لم يشتر كميات جديدة من الذهب. كما أن نسبة الذهب إلى الاحتياطي النقدي ضئيلة جدا. لذلك تسجل الدولة خسائر فادحة.
تقدير الخسائر:
لا توجد في حدود بحثنا دراسات أو تقارير أو إحصاءات حول هذه الخسائر. وفيما يلي محاولة لتقدير حجمها على نحو تقريبي.
لنفترض أن العملات الأجنبية المملوكة لبنك المغرب (32745.5 مليون دولار في نهاية 2023) مودعة في حسابات مصرفية تدر فائدة قدرها 4.8%. بمعنى أن حجمها يصبح 34317.2 مليون دولار في نهاية 2024. في حين خلال هذه الفترة كان من الأفضل استثمارها في الذهب الذي ارتفع سعره بنسبة 26.0%.
تتمثل خسارة المغرب في حجم الفرق بين سعر الفائدة ونسبة ارتفاع أسعار الذهب أي 6942 مليون دولار. وهذا مبلغ هائل لأنه يفوق الاعتمادات السنوية المخصصة في ميزانية الدولة لخمس وزارات: التعليم العالي والصحة والفلاحة والشباب والأوقاف.
في الأشهر القادمة ستستمر أسعار الذهب بالارتفاع ولكن بنسبة اقل بكثير مقارنة بالفترة الأخيرة. لذلك لا تزال لدى بنك المغرب فرصة لتعديل سياسته في إدارة الذهب النقدي. لابد من شراء كميات كبيرة وبسرعة بدلاً من الاحتفاظ بحسابات مصرفية تتناقص حصيلتها. أو على الأقل التوقف عن تصدير الذهب إلى الخارج.