معالجة الفقر في سوريا حالة مستعجلة

 أزمة القفر لا تقبل الانتظار

د. صباح نعوش

مثالان لا مناص من الإشارة إليهما عند تناول موضوع التصدي للفقر في العالم:

المثال الصيني في النجاح والمثال السوري في الإخفاق. فقد أدت التنمية الاقتصادية في الصين إلى امتصاص عدد كبير من العاطلين عن العمل فأعلنت بكين عن معالجة الفقر بصورة تامة. وقادت الصراعات الطائفية والفشل في إدارة الملفات الاقتصادية إلى تفاقم البطالة في سوريا فازداد الفقر خاصة المتعدد الأبعاد. بل تصاعد الفقر المدقع وما يترتب عليه من أزمات اجتماعية واقتصادية خطيرة.

يتسم الاقتصاد السوري باحمرار جميع مؤشراته الكلية والجزئية نتيجة الفشل الذريع في إدارته منذ عقود والحروب الأهلية والعقوبات الدولية: البنية التحية مدمرة. انهيار سعر صرف الليرة: في 1980 كان الدولار يعادل أربع ليرات. ثم أصبح حالياً يساوي عشرة آلاف ليرة. التضخم هائل والإنتاج الزراعي منخفض. والصناعة معطلة. وسجل الإنتاج النفطي أدنى مستوياته. الميزانية العامة في حالة عجز مزمن. ومعدلات البطالة مرتفعة.

وفق المكتب المركزي للإحصاء يبلغ عدد العاطلين عن العمل 866 ألف شخص. أي ما يعادل 14.9% من القوة العاملة. والواقع أن العدد أعلى من ذلك بكثير. إذ لا يمكن الاعتماد على هذا الرقم ليس فقط بسبب عدم مصداقيته، بل كذلك لأنه قديم ويعود إلى عام 2011. أضف إلى ذلك تدني الأجور في القطاعين الحكومي والخاص. أصبحت شريحة عريضة من الموظفين والعمال في عداد الفقراء والعاطلين عن العمل.

وهكذا انتقل الفقراء من 30% من السكان في عام 2000 وهي نسبة عالية بكل المقاييس إلى 69% منه في 2022 حسب البنك الدولي. وهنالك تقديرات أخرى تشير إلى نسبة أعلى.

والمشكلة الأكثر خطورة تتمثل في ارتفاع نسبة الفقر المدقع الذي أدى إلى الجوع. 13% من السكان في عام 2000 يعانون من الجوع. ثم ارتفعت النسبة لتصل إلى 30% في 2024 (المعطيات الأخيرة لمؤشر الجوع في العالم).

في جميع الدول بما فيها أثيوبيا ورواندا وزامبيا وموزنبيق تراجعت خلال هذه الفترة معدلات الجوع. أما سوريا فتكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تصاعدت فيها هذه المعدلات. لذلك لم يجد الملايين من السوريين بداً من الهجرة إلى الخارج. وبات عدد كبير من السوريين بالداخل يعتمد في تغطية كلفة الحياة اليومية على تحويلات أقاربهم المهاجرين.

لا يمكن تأجيل حالة الفقر، بل لا بد من الشروع بسرعة لمعالجتها.

ولكن يتعين مواجهة ملف الفساد المالي والإداري الشائك والخطير المستشري في سوريا نتيجة عوامل عديدة كغسيل الأموال. وكذلك تهريب الأموال والتهرب من جميع الضرائب وضعف الرقابة على صرف الاعتمادات العامة وتفشي الرشاوى في جميع الميادين واستغلال السلطة لمصالح شخصية.

من العبث معالجة أية مشكلة اقتصادية بما فيها الفقر دون التصدي لهذا الفساد الذي تعاني منه البلاد مند عقود. في 2010 كانت سوريا تسجل المرتبة العالمية 134 (من مجموع 180 دولة) وهي بذلك في مقدمة البلدان الأكثر فساداً في العالم. ثم تفاقمت الظاهرة حتى وصلت إلى المرتبة 178 في 2023. وفق جداول منظمة الشفافية الدولية لا يضاهي سوريا في الفساد أية دولة في العالم سوى فنزويلا والصومال.

بلا شك أمام السلطات الجديدة ملفات عديدة: سياسية وعسكرية وأمنية ومالية وصحية وتعليمية وطاقية، وتجارية واستثمارية وغيرها. وهنالك أيضاً العلاقات العربية والدولية ناهيك عن الحرب ضد إسرائيل والعقوبات الأمريكية والأوروبية. أضف إلى ذلك الموقف من القواعد العسكرية الأمريكية والروسية والقضية الكردية وكيفية التعامل مع ملايين السوريين المهاجرين. كثرة وخطورة وتعقيدات هذه الملفات تدل بوضوح على ثقل الإرث الذي تركه النظام السابق.

 أزمة القفر لا تقبل الانتظار. لابد أولاً من العمل على الحالات المستعجلة. وينبغي الشروع أيضاً بالتنمية الزراعية والصناعية وهي السبيل الأمثل لمعالجة البطالة وتدني مستوى المعيشة وبالتالي التخفيف من حالة الفقر.

الإصلاح سواء كان في الميدان الاقتصادي أم في الميادين الأخرى يجب أن يقوم على الوحدة الوطنية والإدارة الجيدة للشأن العام. فلا يمكن بناء دولة على القمع والطائفية والتهميش. بل على التسامح والتعاون والتقدم.

ولابد من مؤتمر دولي تحت إشراف الأمم المتحدة أو مجموعة العشرين للنهوض بالاقتصاد وفق ضوابط يسهم السوريون مساهمة فاعلة في تحديدها.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *