الزليج المغربي ليس أهواء…
الزليج فرادة مغربية…
إدريس الواغيش
يفترض عادة أن لا تجادل أحدا في شيء أنت مالكه ومقتنع به، لأن العنيد لن يقتنع بقولك، والمتحيز لن يسمع كلامك، والحسود سيمشي عكس تيارك. ومع ذلك نقول، ولو من باب القول، لو افترضنا جدلا أن الزليج الموجود في قصر المشور بتلمسان جزائري. ماذا لو صفرنا الأشياء وبدأناها من الصفر، وأرسلنا جرافة ورجالا بمعاولهم من فاس، عاصمة الزليج ومهده ومنبته، وهدمنا كل ما هنالك في تلمسان من زليج وفسيفساء، وأثخنا فيه فسادا وتخريبا. هل سيكون باستطاعة الحرفيين الجزائريين حينها إعادة ترميمه؟ أم سيكونون مضطرين لاستدعاء حرفيي الزليج من المغرب، كما فعل كبيرهم ورئيسهم السابق عبد العزيز بوتفليقة رحمه الله؟ الزليج ليس دروسا تعطى في المدرسة، ولا هندسة وعلوم تدرس في الجامعات والمعاهد العليا، وإلا كانت كوريا والصين وأمريكا وكندا وكافة الدول الأوروبية سباقة إليه ورائدة فيه، كما هو عليه الحال في باقي الفنون والعلوم والتكنولوجيات الحديثة. الزليج المغربي “حالة” انفرد بها المغرب عن غيره من الأمم، هو تعبير عن ثقافة أمة مغربية عريقة، اجتمع فيها من الأجناس والأقوام ما لم يجتمع في غيرها. وصلت إلى المغرب عرقيات وإثنيات من القارات الثلاث الأكثر قدما في التاريخ: إفريقيا جنوب الصحراء، عرب آسيا من شرق أوسطها وموريسكيو أوروبا من الإندلس، تعايشت بينها وتصاهرت على مدى أكثر من 12 قرنا، ومن ثمة خرجت منها هذه الفرادة، وهذا التميز والاستثناء المغربي.
والزليج المغربي ليس أهواء، ولا ادعاء أو خلط ألوان وطباعتها. هو عبقرية مغربية بامتياز، حبانا الله بها ونحن له من الحامدين الشاكرين. الزليج المغربي تعبير عن ثقافة أمة وبصمة هويتها. والثقافة كما نعرف خبرات ومعارف، وهذا التراكم المعرفي يكتسب، ولا يأتي إلا عبر توالي عشرات القرون ومئات سنين، وهذا غير متوفر في دولتكم.
الزليج المغربي أكثر من تجميع ألوان وزخرفة، بل هو هندسة وثراء فكري وفلسفة. هو تعبير عن حالة وجدانية وتصوف وزهد، ومن خلاله يحاول المعلم الزلايجي المغربي التقرب إلى الله عز وجل. وصناعة الزليج المغربي كما النقش على الجبس، تجتمع فيه عدة علوم حقة: رياضيات، هندسة”دمغية” بالفطرة إلى جانب الجبر وعمليات الحساب. ويتم فيه إعمال الذكاء، الدهاء، العقل ودمج مهارات أخرى.
كما أن المسألة ليست مرتبطة بالزليج وحده، القضية معقدة في أبعادها المختلفة. وحتى لو تناسينا الزليج وتركتاه جانبا، ماذا سنقول لكم أو تقولون لنا عن فن النقش على الخشب؟ أليس بدوره معجزة اليد المغربية والصانع المغربي. وماذا عن صناعة الزرابي؟ والطريقة التي تشتغل بها أيادي نساء المغرب في الجبال والأرياف؟ ماذا سنقول لكم عن أكلة الكسكس وطريقة تحضير الشاي المغربي؟ وماذا نحكي لكم عن صناعة الفخار ومذاق الطاجين المغربي الذي يتم تحضيره في كل قرية ومدينة وبيت؟ هل سترسمونه هو الآخر على القمصان، وتدعون أنه تراث لكم؟ ثم بماذا نفسر لكم عبقرية صناعة الصوف وتوظيفها في الجلباب المغربي؟ وتحويل شعر الماعز ووبر الإبل وجلودها إلى سجاد ولباس وأحذية وخيام وحقائب يد؟ وماذا لو أضفنا إلى كل هذا البلغة والشربيل والقفطان والصينية والبراد المغربي؟ وبماذا سنشرح لكم الطرز الفاسي والرباطي والمكناسي والطنجاوي والتطواني؟ وكيف نقنعكم أن الزليج والنقش على الجبس والخشب يوجد في الدور العادية بالمغرب، كما في الفيلات الفخمة، وفي كبريات الفنادق العالمية والمساجد والسقايات والرياضات المغربية، وما ترونه في لوحة بمدخل الأمم المتحدة ما هو إلا عبقرية وهندسة الحرايفي والمعلم المغربي، وهو الذي استطاع أن يغزو العالم باستعماله مواد أولية غاية في البساطة (الطين الفاسي) وآليات شبه بدائية. ولكن الغريب أكثر في كل هذا، هو أن بعضهم لم تلج قدماه أبدا أبواب المدسة..!!
أنتم جيراننا وأحبتنا، إخوتنا في الدين واللغة والجغرافيا، ونعرف جيدا ظروفكم وأحاسيسكم، ولكن هذا حالنا، وذاك نصيبكم. الله غالب..!!