خواطر امرأة

خواطر امرأة

عن دفن الأسرار أحكي

ثريا الطاهري الورطاسي
    ثريا الطاهري الورطاسي

عادة مايحيلنا مفهوم السر على : الأمانة –  التحدي – الإيمان

من هنا تأتي فكرة أنه يسكن في دواخلنا ، يساكننا في كل برمجة أصيلة وربانية.

 وكذلك يتحدد معناه في الكلام الذي نختزنه في دواخلنا ، ولا نبوح به ولا يمكن لأي كان الاطلاع عليه، والا لما بقي سرا . وعليه فإن حفظ الأسرار وكتمانها يبقى أمانة عظيمة وعهدا يدخل تحت قوله تعالى في سورة “الإسراء”، الاية 34 ” واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا ” وبالتالي فإن افشاؤه يندرج في خانة الخيانة ، وهنا يستحضرني قول الرسول الأكرم (ص) : ” إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة “، مخافة وخشية أن يراه أو يسمعه أحد، وعليه فإن الخلوق منا، مطالب شرعا أن يحافظ على الأسرار.

وأورد هنا المثل الشعبي الذي نردده كثيرا (سرك في بئر ) ومعناه أن السر ينبغي أن يبقى محفوظا ومصانا في مكان عميق بعمق البئر . وعندما نقول بذلك فإنا ننسى أو نتناسى أن ماء البئر ما وجد الا ليسقي الكثير من الكائنات الحية – بما في ذلك الأرض – وانطلاقا منه ، فهناك من الأسرار مالا يستغنى فيه عن مشاركة قريب أو صديق أو حتى استشارة ناصح مُعِين ، فيكون الواحد منا شديد التحرى في اختيار من سيأتمنه على سره ، ويستودعه إياه ، وعندئد نجد أنفسنا أمام حالتين : اولهما عندما يكون الإختيار صائبا ، فيتعامل هذا المؤتمن للسر بالكتمان ، اذا كان من أصحاب الفضائل المميزين والمميزات ، القادرين على الكتمان وتناسي ما يصل إليهم . وثانيهما عندما يكون الأمر عكس ذلك ، فيفشي / تفشي السر ويصير خبره على كل لسان .

ان كتمان السر هو كرم في النفس، وسبب للمحبة الدائمة وسمو في الهمة ، وهذا يحيلنا إلى ما  دعا اليه الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال : [ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها :

اذا اؤتمن خان

وإذا حدث كذب

وإذا عاهد غدر

وإذا خاصم فجر .]

وليس بالضرورة أن يكون جانبنا مشرقا طوال الوقت ، إذ غالبا ما تنتابنا بعض اللحظات المظلمة ،بحيث تمر  علينا بعتمتها وتزج بنا في عوالم البوح، كي ننجو من بطشها ونخفف من الحمولة التي أناخت علينا بها الظروف، فالحديث مع من نحب يبقى راحة نفسية لامثيل لها . كما ان المجالس في معظمها أمانات لمن استأمنا، وبالتالي أعتقد أنه لا يمكن تصديق مقولة ” سرك في بئر ” فالبئر يسقي كل أهل المنطقة او القرية أو الدوار .

وعليه تبقى الهفوات أوالأخطاء جزء من الطبيعة البشرية والإنسان. كلنا نحتاج لشخص محدد نثق فيه أو فيها ، ونطمئن اليه وإليها فنخبره (ها) عن حالتنا الحقيقية أو النفسية وعما يثقل كاهل كل منا أو يقض مضاجعنا ، ونحتاج لمن يتكلم معنا عن حياته الخاصة جدا ، ويشاركنا مشاكله او على الأقل بعضا منها ، فنتقاسم لحظات الصفاء والبوح ، خاصة في فترات الانكسارات التي تزايدت في زمننا هذا …وقد يحدث أن يخون الواحد نفسه ، أو أنه لا يحسن الاختيار في بوح لا مشروط منه ، فيتشارك أسراره وتفاصيل حياته أو بعضا من وقائعها ضاربا بعرض الحائط كل ما يفترضه المنطق والتحلي بأبجديات إحترام الآخر ، والتعامل معه بما تفترضه قيم المواطنة الحقة . وهنا يتحول إفشاء السر الى ضربة في المقتل ، لكل ما تفترضه الألفية الثالثة التي نعيشها، من مقومات التعامل السليم ، وتزيدها مختلف الوسائط والتكنولوجيا الحديثة حدة ، وسرعة فائقة في الانتشار السريع .

عموما اقول أن النسيج العلائقي الاجتماعي البعيد عن كل رياء عاطفي ، لا يمكن أن يستقيم بدون ضوابط يأتي على رأسها التقدير والاحترام للآخر وصيانة الأمانة القولية والمحافظة عليها في ثنائية الالزام والالتزام ، مع استحضار ما يرتبط بالمشاعر الصادقة والتشبع بالقيم التي تنص عليها مختلف المواثيق الدولية والوطنية .

وقد يحدث أن تنتهي علاقة ما ، بحكم ظروف الحياة واشكالاتها المتعددة ، وحتى لا نخوض في نقاش لماذا ؟ وكيف ؟ أو مايدور في هذا الفلك؟ ، فإننا نقول بضرورة صون الود وحماية المحبة من التلف بعيدا عن كل اساءة او تنقيص أو تجريح . لأن العلاقات الإنسانية مع الأهل والأحباب والأصدقاء والمعارف ، هي قبل كل شيء مشاعر فياضة بما يفترضه نوع تلك العلاقات من قيم والتزامات ، فكما كانت البداية جميلة فلنحاول أن نعطي لذاك المستجد نهاية جميلة حرصا على جمالية الذكرى و حفظا للمصلحة العامة . لأن أسوأ الناس وأوقحهم  الذي/ التي تنهمر أسرارك من افواههم عند حدوث أي أزمة – حتى ولو كانت عابرة – في علاقاتكم ، وتتحول أسراركم إلى مادة دسمة لتمرير عملية تقاسم كؤوس الشاي . وتجنبا لكل تلك المزالق يجذر بنا أن نكون شديدي الحرص في اختيار من هم أهل لثقتنا حتى نقاسمهم أسرارنا ، لأن الناس عوالم متباينة ومتنوعة، بتنوع ثقافتهم وأماكن عيشهم وأحواض نهلم القيم والسلوكات .

اخيرا أقول – وبعيدا عن سوء الظن – أن كتمان الأسرار وعدم استرخاص المشاعر، واليقين بأن وجع الكتمان أفضل من ندم البوح، يبقى بمثابة ألف باء الأنسنة الحقة. وكم هو صائب وصادق قولهم : ” علينا أن ننتقي من نجالس ومن نأتمنهن/ نأتمنهم أسرارنا حتى لا نُحرق بسهام الافشاء يوم لاينفع الندم ” . وعلى نفس النهج أقول : علينا أن لا نجعل حياتنا كتابا مفتوحا ، وعرضة للتمزيق من طرف أناس بعيدين عن الفعل القرائي المتزن، وعليه فليس كل مافي القلب يحكى، حتى ولو كان ثقيلا عليه أو مرهقا له ، كي لا نتعرض للدوس عن قصد أو بدونه . وكم هو جميل أن يحتفظ كل منا بمساحة مسيجة من حياته ودواخله ،ولا نقحم فيها غير أقرب المقربين ، بدء بالأبوين ومرورا بالأزواج ، ووصولا للأخوة و الأخوات ، وانتهاء بالأبناء والبنات ، وعندئد سنتأكد من أن أسرارنا دوما محفوظة في بئر جافة لا قعر لها ، وليست على قارعة الطريق ، كما يريد لها البعض أن تكون .

ثريا الطاهري الورطاسي

طنجة . المملكة المغربية

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com