حينما يقبض الخيال على المنسي

شعيب حليفي: “الشيخ والجبل” و”خط الزناتي“
في إطار أنشطته الثقافية، وبشراكة مع جمعية ” أبي يعزى يلنور للثقافة والتنمية “، وجماعة “مولاي بوعزة والمجلس الإقليمي لخنيفرة” و“المركز المغربي للبحث العلمي وتطوير الثقافات”، يحتضن فضاء دار الشباب مولاي بوعزة يوم الخميس 8 ماي 2025 في الساعة الرابعة والنصف مساءً، لقاءً أدبيًا وثقافيا مخصصًا لتقديم عملي شعيب حليفي، الأخيرين: ” الشيخ والجبل“ و”خط الزناتي“.
ويشارك في هذا اللقاء ثلة من الباحثين والنقاد:
- عبد الله بوغابة
- أحمد أدجعي
- وينسق أشغال هذا اللقاء: عصام أبا الحسان.
وبحضور شعيب حليفي الذي يعد من أبرز الأسماء في التأليف الأكاديمي وفي الرواية المغربية المعاصرة، ويتميز أسلوبه في التأليف بالقدرة على الجمع بين السرد التاريخي والخيال الأدبي، حيث يستعيد الذاكرة الجماعية والوقائع المغيّبة ليعيد تأويلها في ضوء الحاضر. ويندرج هذا اللقاء ضمن الجهود الرامية إلى ترسيخ ثقافة القراءة النقدية والتفاعل مع الأدب المغربي الراهن، وفتح نقاش مفتوح مع القرّاء والمهتمين في قلب الفضاءات المحلية.
يتناول شعيب حليفي في كتابه “الشيخ والجبل، في سيرة بعض الزمن، ما ظهر منه وما بطن”، شخصية أبي يعزى يلنّور (1047م-1177م) الذي عاش في مغرب القرن الثاني عشر الميلادي، عبر كتابة بيوغرافيا أعادت بناء صورة أحد أهم أعلام المغرب والذي ما زال حاضرا في الثقافة الشعبية بأبعادها الروحية والاجتماعية منذ ثمانية قرون، وخصوصا ضمن الموروث الاجتماعي والصوفي الشعبي في البادية.
ومما جاء في الكتاب: لم يكن الدنو من شخصية أبي يعزى من أجل رسم صورته وتفاعلاتها فقط، وإنما للاقتراب من صورة وملامح وذهنية نموذج منسي من الشخصية المغربية في مرحلة تحوّل كبير وتنوّعها الذي كان نبعا تفرعت عنه آفاق كثيرة غذّت الفكر والثقافة والحياة. ومثل أبي يعزى الذي لم يكن عالما أو مفكرا، وإنما هو من عامة المجتمع السفلي، سيفتح آفاقا من ثراء المتخيل الاجتماعي، ومنسوب المعرفة الشعبية التي تثوي المادي والروحي، المألوف واللامألوف، الحقيقي والوهمي،الطبيعي وفوق الطبيعي، اللعب والخداع، الصدق والكذب..
إن فرادة شخصية أبي يعزى ذات مداخل كثيرة، أجلاها قدرته على المبادرة والإصرار على تمثيل قيم مرتبطة بالمعيش الإنساني وبالبيئة والكائنات والثقافة. فمن راعٍ للأغنام إلى تابع يخدم من رأى فيهم قيما إضافية تتعلق بالصلاح، ثم يقرر اختيار الاستقلال بفعل وفي منطقة جبلية معزولة، ليس رغبة في الشهرة وإثبات الذات أو الانعزال والزهد، وإنما لإيمانه بأنه يمكن تقديم مبادرة “ثورية”، في عمقها، ترتبط بالمجتمع وأصواته التي كان أنينها عاليا وجريحا.
لم يتعلم أبو يعزى من الكتب أو في القرويين وسبتة والأندلس أو المشرق، وإنما من الطبيعة والحيوان والإنسان، وبات عالما بالنفوس التواقة على الطمأنينة فمنحها الاحترام والشعور بالكرامة بلا خوف أو عطش،
نحن أمام شخصية مغربية نادرة أسست لثقافة ومتخيل اجتماعي، وأسهمت في ترسيخ بعض القيم الاجتماعية سواء وهو يضع رجليه على أرض الظنون والخطيئة، أو وهو يرمي برجليه إلى أرض الغيوب والاستيهام، بِحيل وتقنيات ترسم العجيب طريقا في مجتمع كان في حاجة إلى شخصيات من نفس مقاسه.
أما بالنسبة لرواية ”خط الزناتي” ، فإنها تشكل نقلة في السرد والتخييل والرؤية. رواية من عشرة فصول تحكي عن يوم واحد من حياة موسى الزناتي وباقي الشخصيات، وتنهض على ذاكرة مركزية بوصفها إرثًا جماعيا يحكي عن حياة يوم واحد، من أيام الحصاد، نهارًا وليلًا، يحضرهما موسى الزناتي الذي أقنع نفسه بأنه سليل الشيخ الزناتي (من مغرب القرن الثالث عشر الميلادي)، صاحب كتاب الرمل والخط الزناتي، فخاض مغامرة ملامسة الغيوب مع كائنات مُفارقة وإشكالية، فقدَت حاضرها المعلوم أو كادت، وتتطلع للقبض على المجهول! تسرد الرواية، في فصول النهار، الحياة تحت الشمس وما يجري، بعيدًا عن عالم المدن، من تفاصيل لا تُقصي تفاعل الشخصيات مع الحيوانات والطيور والحشرات والطبيعة. أما الجزء الثاني، والذي تجري فصوله بالليل، فيروي لوحة من البهجة المنسية في حياة موسى الزناتي وباقي أصدقائه احتفالًا بنهاية موسم الحصاد. وانطلاقًا من ذاكرة وفضاء اليوم الواحد تولد عوالم متعددة من الخيال الجذري نهرًا تسبح فيه كافة كائنات الرواية ومنه ترتوي.