الكاتب العراقي عباس رحمن خضير في حديث مع ألوان
!الكتابة هوية الكاتب
الروائي والكاتب الشاعر العراقي رحمن عباس خضير أتمم دراسته الثانوية في قضاء الشطرة، تخرج من كلية التربية بقسم اللغة العربية في زمن كان فيه العراق في قمة التألق الثقافي والحضاري . عمل مدرسا بالعراق، هاجر إلى الجزائر فعمل في مدارسها الثانوية، ثم انتقل إلى المغرب وعمل مدرسا في ثانوياتها لعشر سنوات، بعدها هاجر مع أسرته إلى كندا في العام 1987 حتى أسابيع قليلة ماضية غادر من جديد عائدا للمغرب حيث يحس بالإنتماء الحقيقي لبلده
:عن الكتابة يقول الكاتب والشاعر العراقي عباس رحمن
الكتابة بالنسبة لي هوية، من خلالها أقدّم رؤاي عما يحيط بي، ومنها أتحسس نبض الحياة وفيها أتفاعل مع الواقع. الكتابة جعلتني على تماس مباشر بالعوالم، سواء منها البعيدة أو التي تحيط بي فحينما كتبت بعض القصص وجدتُ نفسي فيها دون أن أتعمد ذلك، فالكتابة هوية للكاتب، تتسرب من خلالها طبيعته ورؤاه حول ما يحيط به،كما أن الكتابة تُظهر أيضا القيم التي يؤمن بها، وإذا كان سقراط قد جعل من الكلام واسطة للمعرفة في قوله: “تكلم حتى أراك “فالكلام الذي يبيّن جوهر المتكلم، يصحّ على الكاتب أيضا بتحوير هذه المقولة الذهبية، والتي تجعل الكتابة مُعبرة عن ماهيّة الكاتب وموقفه من الحياة، وقد عرفنا الكثير من المبدعين من خلال كتاباتهم
:ويضيف حول تجربته الإبداعية، من القصة الى الرواية، مرورا بالشعر والنقد السينمائي، والكتابة في أدب الرحلة
نتاجاتي الأدبية قليلة، كتبتُ مجموعة قصصية بعنوان (أوراق من يوميات حوذي) تتناول تجربة الغربة في كندا والمعاناة التي عشناها في البحث عن الهوية ثم أصدرت مجموعة قصصية أخرى بعنوان (شظايا أنثوية) تنضحُ بالنوستالجيا إلى الوطن أو إلى المغرب الذي قضيتُ فيها عقدا من السنوات. بعد ذلك خصصتُ كتابا عن رحلاتي في المغرب، وقد صدر تحت عنوان (المغرب بعيون عراقية) تحدثت فيه عن المدن المغربية التي احتضنتني في أيام الهجرة الأولى، عن طباع الناس وعاداتهم وأواصر العلاقة التي شدتني بهم، كما تناولت الكثير من مظاهر الحياة كالمقاهي والصالونات الأدبية والأزياء والأغاني التراثية والحياة الثقافية هناك، لذلك اعتبر بعض النقاد أن هذا الكتاب ينتمي إلى أدب الرحلة
كما لدي الكثير من القراءات النقدية عن القصة والرواية والشعر، جمعت بعضها في كتاب أصدرته قبل أعوام يحمل عنوان (هواجس المأوى)
وفي حقل النقد السينمائي كتبت عن حوالي خمسين رواية تحولت إلى الفن السابع، وهي من الروايات الشهيرة والمعروفة، وفي النية أن أصدرها مستقبلا، متناولا من خلال هذه الدراسات العلاقة بين الرواية والفن السينمائي
كتبتُ رواية تتناول حكايات مدينة عشت فيها جزءا من طفولتي، وقد صدرت عن مطبعة اتحاد الأدباء في بغداد تحت عنوان (سويج الدجة أو التحديق في بئر الطفولة)
بكندا، القانون فوق الجميع
: عن تجربة الكاتب مع الهجرة إلى كندا يقول
الغربة في كندا لها وجهان، المشرق هو أنها شذبت الكثير من الفوضى القابعة في لا وعينا، وجعلتنا أكثر تقبلا للقيم والانصياع للقوانين، كما أدركنا أن العمل هو الجوهر في الحياة، وأن الحرية مقدسة، وليس هناك شرطي يصوّب هراوته نحو ظهرك. وليس هناك أحد أفضل منك وأنك تتساوى مع الآخرين، وإن القانون فوق الجميع. كندا جعلتني أكثر تسامحا وأقل كراهية. أما الوجه غير المشرق فهو الشعور بالاغتراب، وبرودة العلاقات الاجتماعية وتفككها، والعزلة والوحدانية التي نعيشها حتى الملل
في كندا استهلكتنا هموم الوطن، فبدلا أن نندمج مع المجتمع الكندي ونستفيد من بعض جوانبه المضيئة، انشغلنا في متابعة الأخبار عن الكوارث التي حلت بأوطاننا فكتبت الكثير من المقالات السياسية التي كانت تُنشر في صحف مختلفة في المهاجر، كما شاركت في الأنشطة السياسية والاجتماعية الخاصة بالجالية العراقية، ولاسيما الإتحاد الديمقراطي العراقي في أمريكا وكندا عبر صحيفته الناطقة باللغة العربية
!ثقافة القراءة اندثرت
أما بالنسبة لسؤالكم عن الأدب العربي وهل هو بخير؟
فلا بد أن نذكر بأن ثمة سيلا كبيرا من الكتابات الشعرية والسردية في كافة الدول العربية نظرا لشيوع الطباعة الإلكترونية، ولكثرة وسائل التواصل الاجتماعية ولكثرة المنصات الأدبية الافتراضية أو الواقعية ومع ذلك فقد بقي أدبنا العربي بكافة حقوله حبيسا في محله، ومحصورا بين القراء العرب على قلّتهم، وما تُرجم إلى اللغات الأخرى فهو قليل، لذلك فأن هذا الأدب بقي يراوح في مكانه ويجتر نفسه ويعيد انتاج نفس المواضيع كما أن القاعدة الشعبية غائبة، وأعني بها المتلقي أو القارئ. فلو قمنا بإحصائية بسيطة عن الناس الذين يمتلكون مكتبات في بيوتهم سنجد أنها نسبة مئوية ضئيلة جدا وقد تصل إلى الصفر، وإذا أحصينا وجود المكتبات العامة لوجدناها قليلة جدا أو منعدمة، كما أن ثقافة القراءة في البيت أو الأماكن العامة قد اندثرت لذلك فإن أدبنا العربي بكافة حقوله في الرواية والشعر والقصة والمسرح يفتقر إلى قاعدته من المتلقين وهذا من أبرز العوامل في عدم ارتقائه إلى العالمية، وعدم حصوله على جوائز مرموقة في الأدب كجائزة نوبل مثلا، والتي تعتبر مؤشرا واضحا على صحة االأدب ورقيّه، ورغم الكوارث التي مرت علينا، وحدة الحياة وقسوة الطبيعة، لم تعكس أدبا يوازيها، مما جعل أدبنا على الهامش إلا ما ندر من الأعمال القليلة
بخصوص مشاريعي المستقبلية: لا أعتقد أنني أمتلك برنامجا للكتابة، لأن شراسة الواقع تجعلني أتراخى عنها قليلا، بل لقد حذفت الكثير من المسودات التي نويت نشرها ثم تراجعت، ثمة عوامل محبطة ومنها الطبع والنشر والتسويق، فقد أصبح الكُتّاب أكثر عددا من القراء، إضافة إلى شيوع الأمية واختفاء اقتناء الكتب يجعل من التأليف أمرا غير مجدٍ، ومع ذلك فهاجس الكتابة يفرض نفسه أحيانا رغم المصاعب المذكورة، وأملي كبير في الأقلام الجديدة للكتاب الشباب، الذين من المؤمل أن يرتقوا بالكتابة إلى مديات أفضل