الإعلامية زهور الغزاوي تفتح قلبها لألوان
! التحاقي بإذاعة طنجة كان في السادسة عشرة من عمري و بالصدفة
طلقت السياسة طلاقا لارجعة فيه…والميكروفون دائما رفيقي
زهور الغزاوي اشتغلت في المجال الإعلامي بإذاعة طنجة لعقود، تميزت بحنكتها المهنية التي يشهد بها لها الكثير ممن عملت معهم قبل ان تختار التقاعد، لكن حبها وعشقها للميكروفون ما زال متقدا. تميزت بصوتها الجميل الذي شد لزمن طويل العديد من المستمعين الذين دأبوا على الاستماع لها بشغف وباهتمام كبيرفي كل البرامج التي كانت تقدم
ارتأت جريدة ألوان أن تستضيفها في ركن حوار الأسبوع، لتفتح لنا قلبها ، وتحكي لنا عن تجربتها المهنية مع الإذاعة الوطنية لطنجة اولا، ثم لنعرج على مواضيع أخرى، نترك للقراء فرصة المتابعة
في البداية ، حدثينا عن طفولتك ثم فترة الدراسة؟
عندما اختطف والدي، كنت في السابعة أو الثامنة من عمري ، وأتذكر أن والدي كان من الداعمين لمدرسة مولاي المهدي(مدرسة الوحدة) ماديا بحكم انتمائه لحزب الوحدة الذي كان يتزعمه الشيخ المكي الناصري الذي كان يقيم في طنجة والذي كان على علاقة سياسية وطيدة مع حزب الشورى والاستقلال، وكانت أمنيته أن نتقن العربية، فسجلني في المدرسة وأنا في الرابعة من عمري وكانت جدتي أحيانا تحملني على ظهرها إلى المدرسة، بعدها التحقت بثانوية محمد الخامس لإتمام المرحلتين الإعدادية والثانوية
نعرف ان مدينة طنجة كانت منطقة دولية حينما بدأت عملك بالإذاعة اذ كانت تبت الأخبار باللغات الثلاث ، العربية والفرنسية والإسبانية ، وكانت هناك إذاعة افريقيا التي كانت أنذاك منافسة لإذاعة طنجة. كيف جاء اختيارك لإذاعة طنجة بالخصوص؟
أنا لم أعايش تلك الفترة، التحاقي بإذاعة طنجة كان في أواخر سنة الف وتسعمائة وتسعة وستون وأنا في السادسة عشرة من عمري، وكان ذلك بالصدفة، وكنت قبلها وأنا طفلة أحضر برنامج أطفالي الصغار مع ماما أمينة وعمي سلام ،أمينة السوسي وزوجها المرحوم خالد مشبال، الصدفة حدثت عندما كنا نسجل مسرحية شعرية وطنية، صادف خلالها مرور مدير الإذاعة المرحوم عبد الحميد بن زكري، الذي أوقف التسجيل، وبدون مقدمات خاطبني، هل تودين الاشتغال معنا، جوابي فورا كان نعم، وهكذا كانت البداية
كيف كانت علاقتك بالطاقم الإعلامي، والتقني داخل الاذاعة؟
في البداية وبحكم تفاوت السن بيني وبين الطاقم الإعلامي، كانوا يعاملونني كابنتهم، ويتعاطفون مع حكاية اختطاف والدي ويتمي، حتى إن بعضهم كان يعرض على المساندة المادية، لأني أمضيت أكثر من سنة في انتظار تسوية توظيفي، كانوا أناسا أخيارا، ومع مرور الوقت ونجاحي وخصوصيتي في التقديم والإنتاج، كانت تحدث بعض المواقف السلبية التي كانت تؤثر في نفسيا لكنها كانت تعطيني شحنات للتفوق أكثر، أما التقنيون فكنا كالسمن مع العسل، أحببتهم جميعا
العمل المشترك بين المذيع والتقني يحتاج الى تفاهم كبير بينهما للتوفيق وانجاح العمل المشتغل عليه: ما هي الصعوبات والعوائق التي كانت تعترض سبيلك في انجاز عملك؟
في الحقيقة كان التقنيون بإذاعة طنجة ينسون أنفسهم وهم يشتغلون، كانوا يعتبرون أن الدار بيتهم، فهم مخلصون لها متفانون في عملهم حتى تظل رائدة إعلاميا ،ثلاثة ممن سبقوني في العمل ماتوا بالسرطان، رحمهم الله، اشتغالنا تقنيا كان بدائيا تقريبا، الآليات كانت متهالكة مما جعلنا مضطرين للانتظار ساعات لتسجيل برنامج ما
تعاقب العديد من المدراء ابان اشتغالك بالإذاعة لعقود، من الراحل مصطفى عبد الله الى حسن الرامي، عمر بناني، الراحل خالد مشال، محمد البوكيلي ،و صباح بنداوود : نريد الوقوف معك عند هذه المراحل ، حدثينا عن التغيرات والتطورات التي شهدتها هذه الفترة وكيف ترينها اليوم وانت خارج الدائرة ؟ من كانت الافضل بالنسبة اليك ولماذا؟
مصطفى عبد الله عملت معه في بداياتي، كان يشجعني رغم أن العديد من العاملين اعتبروه إداريا صارما، لحبه الدقة في المواعيد وبعض الجزئيات، وفي الواقع العمل الإنتاجي كان يتابعه الشاعر المرحوم عبد القادر المقدم ، بعده التحق بإذاعة طنجة الأستاذ أحمد ريان وغادرها تقريبا في ظرف سنة ، أما بالنسبة لعمر بناني الذي كان مسؤولا تقنيا فملؤا به الفراغ بعد مغادرة ريان، كانت فترة انتقالية استمرت لسنوات ، بالنسبة لمحمد حسن الرامي فقد أحدث تغييرات هامة لعل أولاها البث المباشر ،وكان لي شرف تقديم أول برنامج تفاعلي مع المستمعين على مستوى الإذاعة المغربية، ويمكن اعتبار عشرية خالد مشبال من أرقى سنوات الإعلام الوطني المسموع، كانت الجودة تسكنه إعلاميا، طور الأداء المهني بشكل فريد، وفي عهده التحقت كفاءات أبهرت المستمعين من المثقفين والفنانين وغيرهم
حدثينا عن رفيقتين في المسار الاذاعي ، امينة السوسي، و فاطمة عيسى، ما الذي يميز كلا منكن؟
عند التحاقي رسميا بإذاعة طنجة، كانت الزميلة أمينة السوسي حينها في فترة تكوين مهني هي وزوجها مشبال ومصطفى البشاري وأحمد قروق في إسبانيا هؤلاء كانوا قد انتقلوا من إذاعة أفريقيا بعد إيقافها إلى إذاعة طنجة، وكانت الزميلة شفيقة الصباح قد انتقلت مع زوجها الذي كان يدير الإذاعة الموجهة لموريتانيا التي توقفت عن البث من طنجة إلى الإذاعة الوطنية بالرباط، وكانت الزميلة فاطمة عيسى هي فقط الحاضرة بإذاعة طنجة ، لكن بعد مدة عادت الأختان أمينة وشفيقة
في الحقيقة كل واحدة منا كانت لها طريقتها وأسلوبها المهني، حتى أصواتنا كانت لها خصوصية يميزها المستمع بيسر
أما الأخت آسية مبارك الصنهاجي فقد التحقت بإذاعة طنجة في نفس السنة وكانت تعمل بالإذاعة الإسبانية، إلى جانب الأخت غيثة السملالي بالإذاعة الإنجليزية، وزوجي المرحوم عزيز اليعقوبي الذي كان مراسلا لجريدتي ماروك سوار ولومتان فقد التحق بالإذاعة الفرنسية في عهد المرحوم حسن الرامي
الآن أنت متقاعدة من العمل الإعلامي ، هل يهزك الحنين للميكروفون ؟
كانت أمي رحمها الله مولعة بالاستماع إلى إذاعة طنجة والإذاعات الإسبانية الشيء الذي جعلني متشوقة للعمل الإذاعي بشغف كبير مازال يرافقني إلى الآن، أتطوع أحيانا في فقرات بإذاعة طنجة، وأؤطر ندوات، وأقدم حفلات، الميكروفون دائما رفيقي
أعرف أنك تمارسين رياضة التنس منذ صغرك، وما زلت ، حدثينا عن أهمية الرياضة في حياة النساء وحياتك بالخصوص
التحقت بالنادي الملكي للتنس بطنجة بعد زواجي، وكنا أنا وزوجي وابني شاهين وابنتي فاتن التي كانت بطلة المغرب في فئة الصغار نمارس هذه الرياضة، إلا أني لم أقتصر عليها، بل كنت مواظبة على التمرينات الرياضية بأحد النوادي، وكذلك أحببت ومازلت رياضة المشي، الرياضة ضرورية جدا للسيدات والفتيات خاصة في هذه الأوقات الموسومة بالضغوط العملية والنفسية والاقتصادية، الرياضة متنفس طبيعي، وطبيب ومعالج نفسي بالمجان، فقط بقليل من العزم، ففي رياضة المشي تجديد للجسد والنفس وعلى المرأة أن تعي بأهميتها وبضرورة ممارستها
اشتهرت وتألقت بشكل كبير بتقديم السهرات الأسبوعية التي لقيت اقبالا كبيرا ، حدثينا عن تلك التجربة وعن علاقتك بالفنانين المغاربة ؟
في فترة زمنية كان تنشيط السهرات الفنية المتلفزة يقتصرعلى تقديم الجوق والمجموعات الغنائية أو المطربين والملحنين أي المعلومة المرجعية للون الغنائي، تراثي، عصري وبكل تنوعاته لم يكن واردا، فاخترت أن تكون المادة الغنائية مرفقة بالمعلومة الثقافية، وقد يكون ما سبق ما أعطى لتلك السهرات خصوصيتها
أما علاقاتي مع الأسرة الفنية فكانت محدودة، منها العلاقة الطيبة التي جمعتني مع المطربة الرائعة نعيمة سميح، وكذا مع المطربة القديرة عزيزة جلال قبل اعتزالها
حدثينا عن التكريمات التي حظيت بها ! هل كانت في مستوى تطلعاتك وتجربتك المهنية الطويلة ؟
قبلت بعض التكريمات، التي تأتي في سياق معين بامتنان كبير، والتي لها علاقة بتجربتي الإعلامية، منها تكريمي
بالقاهرة من طرف جمعية الصداقة المغربية المصرية والتي تترأسها الأستاذة سميرة العشيري الموظفة بجامعة الدول العربية، وأخرى كثير ة من مؤسسات وجمعيات خاصة في مدن الشمال
للأسف اليوم تميعت مناسبات التكريم سواء من حيث المكرمين، أو من طريقة التكريم
ولجت المسار السياسي كمستشارة في حزب الاحرار في فترة معينة، ماذا اضافت هذه التجربة الى حياتك، ثم لماذا لم تدخلي غمار المجال السياسي بغوص أعمق ؟
غلطتي أني ولجت الحزب بعد إلحاح كبير، وانتخبت في المكتب التنفيذي في مؤتمر للحزب، لكن شتان بين ما اعتقدت أني مع ثلة من أمثالي يمكننا القيام بالتغيير المنشود، خاصة في الجماعة المحلية والتي هي أقرب إلى المواطن
المصالح هي المحرك الأول، الوصول إلى الغاية (الفوز في الانتخابات) بأية وسيلة، وبمن هم في زمرة(؟)،لهذا سحبت ترشيحي في الانتخابات الماضية، وانسحبت من الحزب رغم إلحاحهم علي، وطلقت السياسة طلاقا لا رجعة فيه
والدك كان رجلا سياسيا ، عدب واغتيل من قبل حزب الإستقلال، هل يمكنك الحديث عن الأب والسياسي؟
عندما اختطف والدي كان سني لا يتجاوز السابعة أو الثامنة ، والدتي كانت شابة صغيرة لا تغادر البيت إلا في مناسبات قليلة، كان يسافر بها والدي إلى مدينة سبتة للنزهة “كان صارما في هذا الجانب ” لأنه مر قبلها بتجربة زواج فاشلة، لذا أصبحت أنا كبيرة الإخوة مكلفة باقتناء كل ما هو خارجي ، وحي المصلى(ماكينة بوني) كان ومازال سوقا تروج به كل البضائع ، أبي وأنا في الرابعة من عمري كان يحثني على تعلم اللغة العربية ، كنت صغيرة ولا أفهم غايته، وبعدها علمت أنه يكره المستعمرين ويكره لغتهم ، علما أنه كان يتقن الإسبانية ، وكان جنديا في الجيش الإسباني مما سهل مهمته النضالية وتزويده للوطنيين بالسلاح أيام الاستعمار وكان حينها مسؤولا عن توزيع (ليبريتا) وهي الإعانة التي كانت تقدم للمعوزين أيام المجاعة في سنوات الأربعينيات
والدي رحمه الله اختطفه حزب الاستقلال في بداية الاستقلال بعد رفضه الانضمام له وتركه لحزب الوحدة وكذلك الشورى اللذين كانا يعارضان معاهدة إكس ليبان ، لقد عذب في غرسة بريشة عذابا أليما ، وهناك شهادات لمن عايشوه تلك المحنة ، ثم نقلوه مع مجموعة من مناضلي الحزبين إلى غفساي نواحي فاس وهناك أمروهم بحفر قبوره وبها أعدموهم
اين كنت في الفترة التي هوجمت فيها إذاعة الرباط واجبر الراحل عبد السلام عامر بقراءة النص الذي يقول ان الجيش يتحكم في الامور السياسية بالرباط في الوقت الذي ظلت اذاعة طنجة تستنكر وتنفي ما يقال وتطمئن المواطنين بان الامر زيف، وكان ذلك بصوت الراحل عزيز اليعقوبي
كنت مازلت جديدة في الإذاعة ، و ثاني يوم الحادث ، التحقت بالعمل واستوقفني عنصر من الجيش وبعد التأكد من شخصيتي قادوني إلى كولونيل، كلمني بلطف وعاملني بطيبوبة وأعطاني تصريحا لولوج الإذاعة ، كان حينها الكولونيل بنسليمان عاملا على طنجة وحصل سوء تفاهم بينه وبين المدير الأستاذ أحمد ريان فاستدعي المدير السابق السيد مصطفى عبد الله الذي كان حينها رئيسا لبلدية طنجة والذي كان يذيع البلاغات العسكرية المؤيدة للملكية وأن الملك حي يرزق، كان مبنى الإذاعة كثكنة عسكرية يسودها التآلف بين الجيش والعاملين بالإذاعة حتى إننا افتقدناهم لما غادروا بعد عودة المياه إلى مجاريها