حوار خاص بألوان:مع الشاعرة المغربية آمال الصالحي
!الغربة أضافت عمقًا وأبعادًا جديدة لتجربتي الإبداعية
آمال الصالحي، شاعرة مغربية مقيمة بباريس، درست القانون في جامعة محمد الخامس بالرباط كما درست العزف على آلة العود في معهد الموسيقى الشرقية بباريس. مهتمة بتاريخ الأندلس، حاصلة على جائزة أفضل مدوّنة عربية لعام ٢٠١١ في مسابقة أرابيسك، كما فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الشعر العربيّ بباريس لعام ٢٠١٣ التي نظمها المركز الثقافي المصريّ بالاشتراك مع إذاعة الشرق وجمعية مصر اليوم
“صدر لها ديوان أول بباريس عام ٢٠١٥ بعنوان “تأتي من مكان لا أراه
الأدب كان دائمًا ملاذي ووسيلتي للتعبير. منذ طفولتي، كنت مسحورة باللغة، بالكلمات والقصص، ووجدت في الشعر وسيلة لإعطاء صوت للعواطف التي أشعر بها بعمق. أقرأ كثيرا، أكتب قليلا، وما بينهما أعيش حيوات بأعمار متعددة، أكتب لأعطي صوتًا للصمت، لأستكشف الجمال المخفي في الزوايا المظلمة. من خلال الكتابة أستكشف الندوب الخفية والعميقة التي تسكنني، أستكشف المشاعر والتجارب والأحلام، كل قصيدة تحكي قصة فريدة عن الإنسانية ورحلتها عبر الشوارع المزدحمة والأماكن الفارغة والزوايا المنسية
قد أقول أنني كائن لا يستطيع العيش خارج حدود الورق
ماذا تعني لك الكتابة الإبداعية ؟
الكتابة الإبداعية في اعتباري هي كل عمل فني أو فكري يظهر من خلال الكتابة نثرا أو شعرا، أراها تهدف إلى التعبير عن أفكار وعواطف وتجارب أو قصص بطريقة فنية وجمالية. يمكن أن يتخذ الإبداع الأدبي العديد من الأشكال، بما في ذلك الروايات والقصائد والمسرحيات، والمقالات، والقصص وغيرها. عن تجربتي الشخصية وجدت ضالتي في الشعر، غالبًا ما تكون هذه الأعمال نتيجة لخيال الكاتب ويمكن أن تخدم أغراضا أخرى كالترفيه والتوعية وتحفيز التفكير أو إثارة مشاعر القراء. الإبداعات الأدبية بصفة عامة هي وسيلة أساسية لاستكشاف وتوصيل جوانب من حالة الإنسان والثقافة
لماذا القصيدة النثرية بالتحديد ؟
كتابة القصيدة النثرية كانت محفزة لي لعدة أسباب، أولها أنها أتاحت لي استكشاف أسلوب كتابة أكثر حرية وسلاسة وتعبيرًا. القصيدة النثرية منحتني حرية أكبر في هيكلة الجمل وصياغة المفردات، بعض المواضيع تتطلب الكتابة دون القيود التي تفرضها القواعد المتعلقة بالوزن والقافية . وبما أنني أنسب نفسي إلى الكتّاب الذين يبحثون عن التميز عن التقاليد الشعرية الكلاسيكية فقد وجدت في القصيدة النثرية المرونة التي كنت أبحث عنها
ما تقييمك للتجربة الشعرية النسائية بالمهجر عبر مشاركاتك وعلاقاتك مع العديد من الشاعرات من خلال المنتدى بباريس الذي يجمع العديد من الأسماء القيمة ؟
التجربة الشعرية النسائية في المهجر تعرف تنوعاً وغنى في الأصوات الشعرية النسائية، حيث تعبر عن قضايا مثل الهوية الثقافية، والهجرة، واللغة، والهوية النسائية، والعديد من المواضيع الأخرى. كما تلعب التجربة النسائية في المهجر دوراً مهماً في تسليط الضوء على تجاربهن ومساهمتهن في الحوار الأدبي والثقافي
كما أجد أنه من الضروري قراءة أعمالهن والاستماع إلى أصواتهن لفهم وتقدير التجربة الشعرية النسائية بالمهجر بشكل أكثر عمقاً وتحليلاً
…الأندلس ليست وجهة سياحية فقط، بل تجربة حياة
علاقتك بالأندلس لها وقع خاص في تحربتك الإبداعية: حدثينا عن الأسباب والدوافع التي جعلتك متعلقة ومغرمة بالأندلس؟
لطالما كانت بلاد الأندلس محطًّا للثقافات المختلفة على مر العصور، بدءًا من العصر الإسلامي وصولاً إلى العصور الوسطى والحضارة المسيحية. هذا التاريخ الطويل والتنوع الثقافي أثار اهتمامي بشكل مبالغ، لطالما شدتني الأندلس بعمارتها الإسلامية الرائعة وأعمالها الفنية المعقدة التي تمثل الفترة الذهبية للثقافة الإسلامية، زياراتي المتكررة للأندلس خلقت رابطة عاطفية عميقة بيني وبين مدنها وشوارعها وأزقتها الضيقة. أرتبط بها ارتباطاً وثيقا وكأنني أبحث عن جذور عائلية في بلاد الأندلس وأرغب في فهم مزيد من تاريخ أسلافي
الأندلس بالنسبة لي ليست وجهة سياحية فقط، بل تجربة حياة. كلما زرتها فكرت في تجربة عاشها الإنسان هناك وتركت أثرها على العالم. إنها تجسيد للتفوق الإنساني والابتكار في فترة زمنية ذهبية. ولهذا السبب، فإن الأندلس ليست مجرد مكان أحب زيارته، بل هي جزء لا يتجزأ من هويتي ومصدر إلهام دائم لكتاباتي، إنها لحظة تواصل روحي مع ماضي الثقافة الإسلامية
كيف كانت تجربتك مع النشر؟
حين نُشر ديواني الأول “تأتي من مكان لا أراه” في باريس عام 2015، شعرت وكأنني وضعت نفسي تحت ضوء العلن وشعرت بالمسؤولية تجاه جودة ما أكتبه. هذا حفزني على الاعتناء بأسلوبي والعمل على تطوير أعمالي الشعرية. كما أن النشر فتح لي أبوابًا للمشاركة في الأحداث الأدبية والمهرجانات وورش العمل الأدبية، وأتاح لي فرص التعرف على كتّاب آخرين والاستفادة من تجاربهم، بشكل عام، أعتقد أن تجربة النشر تمثل فرصة للشاعر لتقديم أعماله للعالم والتفاعل مع الجمهور، وهذا يمكن أن يسهم في تطويره كشاعر وزيادة تأثيره الإبداعي والثقافي ، وأنا بصدد وضع اللمسات و الترتيبات الأخيرة لديوان ثاني فضلت ألا نتحدث عنه حتى يصدر ويخرج للوجود
هل تعتقدين أن للشعر قراء في الوقت الحاضر في خضم التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي؟
نعم، بالطبع لا يزال للشعر قرّاء ومحبين في الوقت الحاضر على الرغم من تقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. فللشعر تاريخ طويل ومكانة تقليدية في الأدب والثقافة، وهذا يعني وجود جمهور له، لا زال يدرس في المدارس والجامعات، والكثيرون يستمتعون بقراءته والتفكير في معانيه في سياق التعليم والبحث، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية جعلت منه أكثر وصولاً إلى الجمهور وأصبحت متاحة لشرائح أوسع من الناس، لن يموت الشعر، لأنه لا يزال يتجدد ويتطور مع مرور الزمن، والشعراء الجدد يأتون بأساليب ومواضيع جديدة تجذب القرّاء الجدد أيضا
بالمجمل، الشعر لديه مكانة مهمة في الثقافة الحديثة وما زال له جمهور وقراء يقدرونه ويستمتعون به سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الأحداث الأدبية أو في الأوساط الثقافية بشكل عام
أين يتموقع النقد في إبراز الإبداعات الجيدة مقارنة مع الكم الهائل للكتابات الكثيرة عبر الانترنت وغيرها من المواقع؟
النقد الأدبي له دور هام في إبراز الإبداعات الجيدة وفصلها عن الكم الهائل للكتابات المتاحة عبر الإنترنت وغيرها من المنصات. النقاد الأدبيون يمكنهم تقديم توجيه مهني للقرّاء والكتّاب على حد سواء. يمكنهم تحليل وتقدير الأعمال الأدبية بناءً على جوانبها الفنية والأدبية، وهذا يساعد القرّاء على اختيار الكتب التي تتناسب مع اهتماماتهم وتوجهاتهم. كما يمكن أن يساعد في تسليط الضوء على الأعمال الأدبية ذات الجودة العالية والتي تستحق الاهتمام كما يمكن للنقاد أن يساهموا في نقل القرّاء إلى الأعمال المميزة
إن النقد الأدبي يشجع على التفكير النقدي والتحليل، مما يساعد القرّاء على فهم الجوانب الفنية والأدبية في الأعمال الأدبية وتقديرها بشكل أفضل ويساهم في الحفاظ على معايير الجودة والتميز في الأدب
ومع ذلك، يجب أن يتم النقد بشكل عادل وموضوعي لضمان تحقيق هذه الفوائد. كما يتوجب على القرّاء أيضًا أن يتوجهوا إلى مصادر موثوقة للنقد والتقييم الأدبي
ما الذي أضافته الغربة لتجربتك الإبداعية ؟
الغربة أضافت عمقًا وأبعادًا جديدة لتجربتي الإبداعية من خلال تفكيك التقاليد أولا، فعندما ينتقل الكاتب إلى بيئة أو ثقافة جديدة، قد يجد نفسه مفتوحًا لتفكيك التقاليد والأفكار الثقافية التي اعتاد عليها في وطنه الأصلي. هذا قد يشجع على الإبداع وابتكار أساليب ومفاهيم جديدة
فالغرباء في بيئة جديدة يمكن أن يتأثروا بثقافتها وتجاربها، وبالمقابل يمكن لهم أن يؤثروا على هذه البيئة بمشاركة تجاربهم الشخصية والإبداعية. هذا التفاعل يمكن أن يؤدي إلى إنتاج أعمال أدبية فريدة
الغربة في مكان وزمان جديدين جعلتني أطرح مواضيع جديدة وفي تحدٍّ دائم مع قضايا اجتماعية وثقافية، لقد منحتني تجربة شخصية فريدة. وهذه التجربة يمكن أن تصبح مصدر إلهام للأعمال الإبداعية
بشكل عام، الغربة يمكن أن تكون مصدر إثراء للتجربة الإبداعية من خلال التحديات والفرص التي تقدمها، مما يشجع على تطوير وتوسيع المدى الفني الأدبي للفنانين والكتّاب
إشبيلية
..في إشبيلية
،أرى برق القصيدة يسير في السماء
..فوق الحارات القديمة
وفي حصى كْوادالكيفير
يزحف الوجع إلى جسدي
..على ما تبقى من فتات الرحيل
ينقر العصفور بقايا سنبلة في يدي
..ويعيدني إلى ظلي خلف سياج الحرير
..في إشبيلية
يتحدث العود مع الخيول الأندلسية
وتطير الحمامات فوق الجيرالدا
..وحول القلاع وبين الغرباء
تضيء أجنحتها جرحي القديم
وتجعل موتي أطول
وأنا أفتش عن تفاحات المنصور الذهبية فوق المئذنة
وأصغي لحنين الناي
يعزفه عابر إسباني في لْلَكاَزاْر
..في إشبيلية
تدّق نواقيس الجامع الكبير
..وتمتد أشجار البرتقال
..إلى سوق الخياطين والعطارين والصباغين
وأرى رذاذ الليمون
..ينثره بنو مرين في الهواء
أرى سلاطين المغرب ومراكش الحمراء
..وعصفورة تنام وحيدة في أعلى برج الذهب
ونخلة تسند الزمان على سور الماكرينا
تقاوم العصور
لتحمينا من فرديناند القادم من لا مكان