قناعة

هي متشردة. تنام على عتبة مكتب البريد ليلا .  إذا هطل المطر تدخل إلى أي مخدع تليفوني  تجده أمامها. لها علاقة بالبريد  لا أحد يعلم كنهها. تفوح من ثنايا ثيابها رائحة البول . و إذا اقتربت منك وفتحت فمها لتكلمك  تكاد تخنقك أنفاسها

 تثير انتباه موظفة البريد كل يوم . و تثير شفقتها أيضا

،وفي يوم من أيام الشتاء كان البريد ينظم حفلا بمناسبة ما . في طريقها إلى الحفل رأتها متكومة داخل ثيابها الرثة التي ترتديها صيفا وشتاء . تألمت لحالها صامتة

وعندما انتهى الحفل فكرت أن تقدم لها خدمة عملية بدل الرثاء الصامت . فحملت  دجاجة  و حلوى مصنوعة من التفاح و زجاجة ليمونادا .. وخرجت تبحث عنها

كانت تقول في داخلها  إن المسكينة ستأكل الليلة ما لم يتح لها أكله من قبل .  من بعيد ألقت نظرة على العتبة فلم تجد المتشردة  . ستبحث عنها ولو كلفها ذلك الليل البارد كله

ثم رأتها. متكئة  بظهرها على سياج حديدي لأحد الفضاءات . اقتربت منها بسيارتها . فتحت زجاج النافذة ونادتها 

” مساء الخير سيدتي “

كررت النداء قبل أن  تخرج المرأة رأسها من تحت  قب جلباب صوفي متسخ  كانت تتدثر به 

” لقد أتيتك بأكلة شهية ستعجبك .. دجاجة مشوية  وتورتة من التفاح وليمونادا تنعشك ” 

وابتسمت سائلة 

” ما رأيك ؟”

:رفعت إليها المرأة بصرا كليلا . وافتر ثغرها الأدرد عن ابتسامة  خافتة ..و أجابت 

” شكرا بنيتي .. لقد أكلت الليلة ما يكفيني .. وهناك كثيرون لم يأكلوا بعد ..فابحثي عمن هو في حاجة لهذا الأكل غيري . وشكرا سلفا .”

كانت كلمات المرأة جلية واضحة  قالتها بنبرة فيها من الأمومة الكثير .و أخفت رأسها من جديد داخل جلبابها 

ظلت الموظفة مشدوهة لا تدري ما تفعل 

 ثم قررت أن تبحث عن متشرد لم يأكل ليلتها