الشاعر نزار قباني: أخرج الحب إلى الحدائق المزهرة
نزار قباني : بلقيس كانت صديقة أشعاري
مدريد _ عبد العلي جدوبي
ثورة لغوية قادها الشاعر نزار قباني، رفع خلالها منسوب الانوثة والجمال إلى حدودها القصوى، وأسهم بالقدر نفسه في تخليص اللغة الشعرية العربية من القواعد الجامدة، وباتت القصيدة تتسع لألفاظ ومفردات كانت تعتبر حتى وقت قريب سوقية ومبتذلة
ففي زمن يكاد يكون الشعراء فيه غائبين، يتقدم نزار قباني في واجهة المشهد، ويحلق حول ملايين من الشعراء والمتابعين والمعجبين من كل المشارب والأعمار والشرائح الاجتماعية، فلم تستطع خمسون سنة من الحروب والثورات العربية، أن تسقط نزار قباني عن عرش الشعر
في بغداد كان لي لقاء مع نزار قباني، بمناسبة مهرجان المربد الشعري (ديسمبر 1988)، وقد عاد للمرفأ الذي يرتاح إليه، فهو يبحث دائما عن مرافئ شعرية يكتشفها وبصنفها، ويستمد جنونه من جنون عالمه العربي، إذ يعتبر نفسه جزءا منه، ومن الواقع العربي ككل بتاريخه وأزماته
من هذا المنطلق، سألت نزار قباني
س / قصيدتك الشعرية، المعنونة ب: مربد 88، الا تعتبر بمثابة ” بيان شعري “؟ الا ترون انها تحمل موقفا تحريضيا على نماذج من الشعر العربي المعاصر؟
ج / أقول إنه ابتداء من المربد التاسع يجب أن تكون هناك حركة انقلاب شعرية ضد الرتابة والميوعة في بعض نماذج الشعر العربي المعاصر، أما أن نوالي قراءة أشعارنا كما يوالي المشايخ القراءة في الفواتيح على القبور، فهذا أمر مرفوض، أنا قاس جدا على الشعر العادي، وأرفض أن يتحول الشعر الى قطعة من اللحم في الثلاجة، لان وظيفة الشعر هي الاصطدام بالعالم من أجل تغييره، فما قيمتي كشاعر إذا لم أغير العالم؟ وما قيمتي إن أصبحت شاهد زور على القبح والبشاعة والقمع والإرهاب، كما أنني أقول للشعراء بأنكم يجب أن تكونوا بكامل وعيكم حين تخاطبون الجمهور، لأن الشعر نظام لا فوضى وتسكع! وأنا ضد كل الدكاكين الشعرية، أنا لا أهاجم شخصا بعينه، فالشاعر الكبير يصرخ من أجل قضية، وليس ضد شخص معين، فأنا لا أستحق صفة كاتب إذا رضيت بأن يكون فمي مخيطا بالإبرة والخيط، وأصابعي مقطوعة، ولساني مقطوعا أيضا، وكنت أقول دائما بأن الطريق للخروج من هذا البئر العميق الذي وقعنا فيه، كأمة نبدأ بجرف النفايات العربية وما أكثرها على أرضنا من المحيط الى الخليج، علينا أن نجرف العاهات، ومن ثم نبدأ بزراعة الورود، لأن الورد لا ينبث في المزابل ! وأنا آسف لاستعمال هذه التعابير القاسية، لأنني لم أتعود أن ألتف حول الكلمات في حياتي لا شعرا ولا نثرا، وأريد الآن أن أطلق النار على البشاعة والقبح والأمراض العربية، وعلى المشبوهين الذين يمثلون على “المسرح العربي “! لقد ضجرت من هذه المسرحية التي تتكرر في حياتنا كل ليلة ولا تتغير فيها الأدوار، لقد أصبح النص الشعري لا يليق بالحديث السياسي، وأصبحت قامة الشعراء تحت الصفر، تحت الشعر، انتصر السيف على الشاعر.. إن الشعر الذي لا يمتلك وسائل الحياة، هو الشعر الذي ينقرض.. أما أهميتي فهي أنني نقلت الحب من الغرف المغلقة، وجعلته في الشوارع والحدائق العامة، ونقلت الشعر من المحرمات إلى القداسة.. إن الحب ليس عارا، بل هو حركة طبيعية بين الكائنات الحية، فالإنسان هو المعقد، وعقد معه للأشياء الجميلة من حوله ، ولطالما بقي الشاعر مخلصا في تعبيره عن مشاعره من الجنس الآخر فهو يعبر عن وجوده
س / يقولون ان نزار قباني هو شاعر المرأة لا شاعر الأمة
ج / إن المرأة لا تزال في بعض أجزاء الوطن العربي تباع وتشترى ، يبادلونها بالنوق والسجاد وأكياس القمح والطحين ، والرجل هو مالك الأرض والعقار ، هو الأناني والإقطاعي الأكبر !! لقد قاتلت لأزيد من أربعين سنة من أجل المرأة ، ونقلت المرأة من شريحة لم تؤكل بالأنياب والأظافر ، إلى زهرة يانعة ، وإلى قصيدة شعر
الشعر مرتبط بالأمة وبالجسد الانساني كيميائيا وعقليا ونفسيا، وعلى الشاعر أن يعترف بكل هذه العوامل الطبيعية ، التي هي ذات العوامل التي تنظم حركة الطبيعة ، فكلما تكبر الاشجار وتزهر وتثمر وتتساقط أوراقها ثم تموت ، فإن الشاعر معرض لنفس القوانين..إلا أن أهمية الشاعر تبقى في أن الفكر العظيم والروح التي تشتعل نارها في قصيدة صعبة الانطفاء
س / وأي موقع تحتله بلقيس في أشعارك ؟
(…..)بلقيس أهم ما فيها أنها كانت صديقة أشعاري ، كانت إمرأة استثنائية في حياتي ، ما كانت تغار من القصيدة أبدا..فأنا لا أحاور إمرأة لاتفهم أبجدية الشعر ، عليها أن تكون فدائية ،وانتحارية من الدرجة الأولى