الزجال المغربي الطاهر سباطة

روعة التفاصيل….
بقلم ذ: عبد المجيد شكير
استقال توفيق الحكيم من سلك القضاء من أجل التفرغ للكتابة المسرحية، ونجيب محفوظ قادته ميوله إلى الرواية وهو الدارس المتخصص في الفلسفة، ولم يستطع الطب ثني ابراهيم ناجي ويوسف ادريس عن عشقهما، فالأول سار في درب الشعر، والثاني اتجه إلى القصة، كل هؤلاء وغيرهم وجدوا في الكتابة فضاء للتصالح مع الذات، وطريقة لتحقيق متعة الروح وراحة النفس، وشبيه بهذا ما حدث مع الزجال الطاهر سباطة إذ ظل القلم رفيقه في وظيفته العمومية (الأمن الوطني) وحتى بعد تقاعده، فأصدر ثلاثة دواوين هي (الكرسي ـ للا فطومة ـ الساروت) علاوة على عدد غزير من القطع الغنائية.
صحيح أن الفرسان الأربعة الذين يجرون قاطرة الزجل الغنائي العصري هم: أحمد الطيب العلج ، فتح الله المغاري ، علي الحداني وحسن المفتي ، ولكن اسم الطاهر سباطة يقفز إلى الأمام من بعدهم وهذا بفعل حضوره في الساحة على مستوى الكيف والكم، وكان أكبر تحد واجهه في البداية هو ألا يكون نسخة مكررة من غيره، فاختط لنفسه طريقة متميزة في الكتابة نوضحها كما يلي:
1 ـ التقاط التفاصيل والجزئيات الصغيرة:
التفت الطاهر سباطة إلى جزئيات صغيرة فجعلها موضوعا رئيسيا لقطعه، فكتب عن (الخاتم) باعتبارها عربون محبة، ورمز للارتباط الوجداني بين العاشقين، ورمزا للوفاء الحياتي بين الزوجين: هاد الخاتم ولى ديالي / وبديت كنحافظ عليه / بلا ما نعيرو قلت حلالي / ونسيت الذهب فيه وفيه / وضاع ليا كل أملي خسارة وكتب عن (الوسادة) كشاهد يختزن الكثير من الأسرار الدفينة عن اضطراب علاقة الشريكين: يا وسادة فين غرامو/ سر في قلبك كان يخفيه / قول لي منامة من احلامو / يمكن نعرف حاجة عليه وأما (العنية المسكية) فهي الموضوع الذي تدور حوله وصية المحبوب وما على الجيب إلا التنفيذ: الله يخليك يا حمود إلا ماسمع كلامي شوية / جني كل ما في الدالية / والعنقود وحدو خليه / تشهاتو بنت الغالية/ قالت ليا انتبه ليه / نقدر نوهب عليه دمي / وما ضيعشي منو حبة /. وفي قطعة (أنا والقنديل) يغدو القنديل أنيسا و سميرا في الليل، ومصدر وحي وإلهام: محلا الجلسة مع القنديل / كلمة ونغمة ونور قليل/ نسهر جنبو طول الليل / نهيأ أغنية بلحن جميل/
2 ـ الاهتمام بالمضامين الاجتماعية: كانت المرأة على رأس المواضيع الاجتماعية التي تطرق إليها الزجال الطاهر سباطة، ففي قطعة (عندي بدوية) نراه ينوه بالمرأة البدوية لأنها ربة بيت بسيطة وقنوعة، وجمالها فطري حامل للملامح العربية، كما تساهم في الأنشطة الاقتصادية مثل الرعي: عندي بدوية / عندي في بيتي / بلا زواق والزين فيها / مضوي عليا وعلى المكان / راعية بدوية ولباسها شعبي / … الله الكريم العالي / عطاها خال حلالي / وفي قطعة (رابحة الخمرية) وبأسلوب قصصي يتطرق إلى علاقة حب ربطت بين العربي ورابحة الخمرية، انطلقت شرارتها الأولى في موسم الحصاد تحت عيون المجتمع التقليدي الذكوري مما اضطرهما إلى توثيق عقد الزواج، ويبدو من خلال هاتين القطعتين وقطعة العنبة المسكية أن سباطة مسكون بعالم القرية إذ قدمه لنا بمفرداته ومعالمه (الرعي ـ الحصاد ـ الجني – الدالية ـ العنقود ـ المنجل – القمح……)
وفي قطعة (الزواج بالأجنبية) يتناول ظاهرة زواج الشباب المغربي من المرأة الأجنبية وماتخلفه من تداعيات على جذوره ومقومات هويته : هاد الجار مشى يقرا / وفي أوروبا يا حسرة / ومن تمة جاب مرا/ خسارة أجنبية/……. ماعرفات تقيم طياب/ ما بغاتو يلبس جلاب / وما تكلمت بالعربية/
3 ـ التغني بالمدن المغربية: تغنت الأغنية المغربية العصرية بمدن المغرب ومناطقه واصفة معالمها التاريخية ومعددة خصائصها الطبيعية والبشرية، فغنى عبد الوهاب الدكالي عن فاس، وإسماعيل أحمد عن مراكش، والمعطي بن قاسم عن إيموزار، وقد انتبه الطاهر سباطة إلى هذا المنحى فكتب(الدار البيضاء الباهية – كورنيش طنجة ـ الحسيمة زينة ـ ربيع مراكش ـ أصيلا ….).
4 ـ طغيان الوصف: يعتبر الطاهر سباطة زجالا وصافا أكثر منه ساردا، إذ يهيمن على أسلوبه عموما بنية الوصف، يقول في قطعة (ها الحبيب جا): جاني غزالي الزين المسرار/ مساوي بحالي كي نغام الاوتار /…. يكفيني نقول همة ونخوة / باهي مكمول هايل شهوة / وفي أغنية (هايلة) يقول: هايلة وجميلة لطيفة و نحيلة / وفي قطعة (يا اللي عجبوك عيوني) تغني له نعيمة صبري: أنا في عيوني بحور / لون ما هم جميل أزرق/.
5 ـ روح التفاؤل والأمل : تجردت كتابات سباطة من معاني الشكوى والهجر والصد والخيانة، والتي طبعت الأغنية العربية عموما، فغالبا ما تجد في قطعه مشاعر الفرحة والاستمتاع بالحياة، وتنطق بهذا عناوينها مثل(حلاوة العيش – نشوة صياد -ها الحبيب جا…)
ومن أجمل ما كتب الطاهر سباطة في الوطنيات قطعة (مهرجان عيد الأعياد) والتي لحنها عبد الله عصامي وغناها كل من إسماعيل احمد والمعطي بنقاسم ومحمد علي، ويعتبر عبد العاطي آمنا واحمد كورتي الملحنين اللذين لحنا أكبر نسبة من أعماله، وللإشارة نقول بانه كان أحد مؤسسي النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، بل كان عضوا في مكتبها التنفيذي وممثل فرعها بالرباط.
يعتبر الطاهر سباطة أحد العشرة المبرزين في كتابة الزجل الغنائي حيث خلف لنا عدة روائع ستظل خالدة في وجدان المغاربة.

قطعة (الخاتم) من كلمات : الطاهر سباطة وألحان عبد الرحيم السقاط وغناء نعيمة سميح:
شفت الخاتم وعجبني
تمنيت يكون بين يدي
من أول نظرة جلبني
بغيت نشوف واش قدي
ولما قيسته طلبني
ما يلبسوش حد بعدي
ما يلبسوشي
هذا الخاتم ولّى ديالي
وبديت كنحافظ عليه
بلا ما نعيره قلت حلالي
ونسيت الذهب فيه وفيه
وضاع ليا كل أملي خسارة
شفت الخاتم وعجبني
تمنيت يكون بين يدي
من أول نظرة جلبني
بغيت نشوف واش قدي
ولما قيسته طلبني
ما يلبسوش حد بعدي
ما يلبسوشي
أنا أنا اتغريت بالمظهر
وعملت خاتم صياغة
حسبته منبت بالجوهر
صياغته حسن الصياغة
وضاع ليا كل أملي خسارة
شفت الخاتم وعجبني
تمنيت يكون بين يدي
من أول نظرة جلبني
بغيت نشوف واش قدي
ولما قيسته طلبني
ما يلبسوش حد بعدي
ما يلبسوشي