العقل الاحتفالي المجدد في العالم المتجدد (تتمة)
زمن الاحتفالية وهوية الاحتفالي
في كتاب (زمن الاحتفالية) والذي صدر بمدينة الدار البيضاء عن َمنشورات أفريقيا الشرق، يقول الاحتفالي
(في البدء اندهش إذن، ولكل داخل لابد له من دهشة، قد تطول وقد تقصر، وقد يدوم ذلك الاندهاش، قليلا او كثيرا، ومن بعد هذا الاندهاش الأولى، والطبيعي والحيوي ايضا، فإنني أتساءل بصدق، واحاول ان اكتشف كل شيء، وأن اعرف سر الأشياء الغامضة، وأن ادرك سر الكلمات والعبارات الملتبسة، وأن اكشف الحجاب عن سر الوقائع و المشاهدات الخفية، وأن اذوق معنى الإشارات ومعنى العلامات، وأن اقبض على العلاقة الخفية بين الجزئيات والكليات، سواء في الصور والأحداث، أو في المحركات والمحركات)
هذا هو انا، وهذه هي هويتي، انني اراها وتراني، واعرف حددوها ولا أقف عندها، ومهمتي في الوجود هو اوجد هذه الهوية، اذا لم تكن موجودة، وأن استحضرها اذا كانت غائبة، وأن ادافع عنها اذا كانت مهددة، وأن استعيدها اذا اخذت مني، ومن الممكن جدا أن استعيد هذه الهوية، وأن اعيد لها كل حدودها ومستوياتها وكل ظلالها والوانها، ولكنه – في المقابل – فإنه لا يمكن ابدا ان استعيرها، واستعيرها ممن؟ هي اساسا وجودي الذي ليس لي غيره، وهل يعقل ان استعير وجودي من خارج وجودي؟ وهي أيضا حياتي بكل اعمارها، وهل ويمكن ان اقتبس هذه الحياة وممن؟ كما انه لا يمكن ان اهرب هويتي عبر الحدود الثقافية، ولا يمكن ان اختلسها او ان اترجمها من اية هوية أخرى
وإنني، انا السائر في الطريق، ادعو كل من أخطأ الطريق إلى ذاته ومنه ولثقافته وهويته الحقيقية، أن يستفتي قلبه وعقله، وأن ينصت إلى صوت وجدانه، وأن يسأل نفسه، هو من هو، واين هو، وفي أي زمان هو؟
وليعلم الجميع ان هذه الهوية، قد يلحقها القدم، وبذلك فهو مطالب دائما بأن يجددها، وأن يعيد لها لونها وبريقها وفاعليتها
وإنني أؤمن، إيمانا صادقا، بأن وجود هويتين في جسد واحد وفي عمر واحد، هي مجرد إشاعة واكذوبة، فإما ان تكون انت هو انت، او تكون غيرك، اما ان تكون انت انت، وان تكون هو الآخر في جسد واحد، فذلك هو المحال وهو اللامعقول
والوجود بين هويتين، هو في الحقيقة وجود بين هاويتين سحيقتين، وهو وجود بين فراغين وبين عدمين
وفي مجال هذا اللعب على حبل الهويتين، يتمثل المغاربة عادة بذلك الغراب، والذي أراد أن يقلد مشية الحمام، فنسي مشيته ولم يدرك مشية الحمام، وبقي في منطقن بين البينين
وفي فعل التقليد نرى الظاهر فقط، ونخاطب الشكل البراني القريب وحده، ويستعصي علينا أن ننفذ إلى الداخل البعيد
، وبذلك يكون اغلب تجريبنا فعلا شكليا وبرانيا ورسما لما تراه العين المجردة، اما ما يراه الوجدان وما يراه الخيال وما يراه الروح فإنه يظل بعيدا عن النقل وعن النسخ وعن السلخ وعن التقليد
وبحسب ادونيس، فإن تأثر الشعر العربي الحديث بالشعر الأوربي – الغربي الحديث، انه قد ظل عند درجة القراءة، يقول في الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب بمدينة الرباط (اننا نقلنا هؤلاء واضرابهم من شعراء الغرب، ولم نبلغ مبلغ التأثر بهم، استنساخ بدون روح، وفي المحصلة ” لم نقرأ بعمق لا التراث العربي ولا التراث الغربي”)
وهذا القفز على الذات، الحاضرة الآن هنا للالتحاق بذلك الآخر، الغائب هناك، هو بالتأكيد مخاطرة، وقد يكون لدى البعض انتحارات ثقافيا وحضاريا، وهو لا يدري، أو لا يريد أن يدري، وهو بهذا (حريك) هوياتي من ثقافة إلى ثقافة، ومن لغة إلى لغة، وهو هجرة غير شرعية بكل تأكيد
وبخصوص الحداثة يقول ادونيس لجريدة الصباح المغربية
(الحداثة كلمة فضفاضة، ولم يعد لها أي معنى في الوقت الحالي، ما التحديث؟ يمكن ان يكون هناك فلاح بسيط مع نخلته او حقله أكثر حداثة من طيار يدمر العالم بأحدث الوسائل التقنية في لحظة واحدة، هذه مفردات فرغت من معانيها، الحداثة يمكن ان تكون في بعض ووجوهها أسوأ من اي قديم كان)
(لا مقارنة مع وجود الفارق) هذا القانون غاب عن كثير من الكتابات النقدية العربية، والتي غاب عنها أن تنظر إلى الاحتفالية في محيطها، وداخل شروطها الموضوعية، وفي سياقها الثقافي والفكري والجمالي العام
ونحن لا نأخذ الحداثة، باعتبارها محركا عقليا، أو باعتبارها عقلا مبدعا واخلاقا، ولكن فقط، نأخذ بعض منجزات هذه الحداثة الأوربية، وقد يكون ما نأخذه هو مجرد صور او مجرد ظلال او مجرد رجع صدى، او تكون مجرد لعب صبيانية يتلهى بها البعض
وما يهم الاحتفالية، ليس هو الأشياء الحديثة والمصنوعات الحديثة والموضات الحديثة، ولكن هو العقل اولا واخيرا، وذلك باعتبار ان هذا العقل الجديد هو المحرك الجديد في هذا العالم الجديد
عبد الكريم برشيد