أوراق عن المسرح المغربي

أوراق عن المسرح المغربي
الصورة عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

   مسرح الهواة من الوهج إلى الظل…

يسعدنا في جريدة ” ألوان “ أن نواصل نشر الورقات المتعلقة بالمسرح المغربي، التي أعدها – مشكورا – الأستاذ عنقا الادريسي.
وقد خصص ورقته الرابعة للحديث عن مسرح الهواة. الولادة، الاشعاع، الخبو والتراجع … نترككم تتابعون القراءة.

من نافلة القول، الاعتراف بأنه بدأ شعلة للإبداع الشعبي،  فوصول إلى تفجير الطاقات الابداعية ، وانتهي بالاغتيال الفني، ومع ذلك فلا يمكن الإختلاف على أنه  يبقى أحد أبرز ملامح الحراك الثقافي الشعبي، مُشَّكِلا فضاء مفتوحا للتعبير الفني خارج التجربة التجارية أو الإحترافية . فمنذ أربعينية القرن الماضي بزغت نواة هذه التجربة في مختلف الأحياء الشعبية، حاملة في طياتها روح المبادرة والانخراط والتعبير عن القضايا ذات الصلة بالناس. وعن بداياته الأولى، ويذهب البعض الى ربطها ببداية القرن العشرين، حيث كان متجذرا في الأحياء الشعبية والفضاءات الجمعوية، معتبرينه مرآة لقضايا المجتمع، ومصدرا للتكوين الفني وتبادل الخبرات والتجارب، مما جعله يسهم في اثراء الساحة المسرحية. في حين أرجع آخرون بداياته الى فترة الاستعمار، معتبرينه وسيلة للمقاومة الثقافية والتعبير الرمزي عن الرفض، من خلال أعمال ذات طابع وطني واجتماعي. وهناك من يذهب إلى القول بأن انطلاقة مهرجانات فرق مسرح الهواة يرتبط بسنة 1957، معتبرينها فرقا  [ انتشرت بمختلف مدن المغرب في سياق تداخل فيه الثقافي مع السياسي وأحيانا النقابي. فانفتحت (…) على مجموعة  من التجارب الطلائعية والتجريبية العالمية وأيضا على الكتابات المسرحية المُنَظَّر لها بعمق ]، وذلك حسب ماجاء في – Wikipedia – . غير أنه يمكن اجمال أهم إضافة لمسرح الهواة في القول بالاسهام في انشاء مدارس فنية خالصة ، خلقت علاقة تفاعلية جدلية مع الجمهور، وتفاعل روادها بشكل إيجابي في دينامية وحرية المجتمع، متَحَدين الرقابة المتربصة بهم، للانفلات من شرنقة كل وصاية، ومعانقة هموم المواطن البسيط وتناول همومه وتطلعاته بلغة قريبة منه. الأمر الذي جعله يحظى بمتابعة الجمهور الواسع والمتنوع ، المكون من النخبة ” الطلبة ، الأساتذة ، المثقفون …” بعد أن وجدوا فيه استجابة لحاجياتهم الفنية والثقافية. فأصبح شعلة وضاءة في تاريخ العمل الفني المسرحي المغربي بصفة عامة ، عاكسا فترة الأمجاد الابداعية بكل رواده الخالدين. وفي هذا الصدد يستحضرنا ما ذهب اليه “ادريس العمارتي ” والمنشور بجريدة “هسبريس” بتاريخ  26 مارس 2015  تحت عنوان : الحنين إلى مسرح الهواة، قائلا أن [ الرواد الخالدون، تٌقَابَل أعمالهم الجريئة بترحيب كبير. فهو منشأ الحركة المسرحية ببلادنا وباعث نهضتها بجذارة. فمن خشبته العتيدة ومعطفه البسيط، تخرج العديد من أقطاب المسرح والتنشيط والصحافة، وشكل عبر سنوات الحرب الباردة، الواجهة الصامدة باعتباره أداة تنويرية صورت المحن وبشرت بالامال ] . ويضيف على سبيل المثال والاعتراف بالجميل للعديد من الأسماء البارزة التي خلدت ذكراها من خلال محطات مشهودة، منها [ مسرجة محمد تيمد والنهاية المأساوية لحوري الحسين ، ووعكة محمد مسكين ، ومقالات الودغيري ، ومواكبات المنيعي وابتسامة الكغاط ، وقناعة برشيد وخجل المسكيني ، وتوهج العراقي وأصالة شهرمان وسخرية الحاكم ، وصهلة بهليسي ، وصيحات الزوالي وشعبية صابر وعصامية فاطمة  شبشوب ، وشطحات فنيش ، وكرم وتضحيات محمد عادل . وما أعقب هؤلاء وغيرهم كثير من انكسارات وعبث في محاولة يائسة لتطويق هذا المسرح الذي عبر عن المشاكل الحقيقية ، في إطار فكري وفني ينبض بالبراعة والحياة ؟! ] .

وبالعودة إلى سنة 1992، نجد أن المغفور له “ الحسن الثاني ” وجه رسالة ملكية سامية لمسرح الهواة في 27 فبراير1972 تعتبر السند والمرجع البيداغوجي والقانوني لمسرح الهواة – ووجه في 14 أبريل من نفس العام رسالة سامية تبقى بمثابة المرجع الأساس في صياغة القانون المرجعي للاحتراف – وهي قرار ملكي في دعم المسرح بشكل عام ، واشارة واضحة للفصل بين الشقين . ويمكن أن نستخلص من الرسالة الملكية الموجهة للهواة – حسب ما جاء به ” بوسلهام الضعيف ” في : المسرح في حياتي . مسرح الشامات 22 ماي 2020 – [ أننا أمام تصور مختلف لهذا المسرح وأول عناصر هذا الإختلاف هو ربط ملك البلاد لمسرح الهواة بالشباب ، ومن ثمة ستتم مخاطبتهم كشباب محتاجين إلى النصح والتوجيه ] مع التأكيد على سياسة الحكومة بخصوصهم فهي [ تسعى لتربيتة وتكوينه وحمايته من منزلقات الإنحراف والانزواء ، وتحقيق ادماجه في المجتمع ] . وتؤكد هذه الرسالة على  أنه [ لا وجود لمسرح احترافي بدون مسرح للهواة ، فمسرح الهواة هو المفقس والعش الدافيء الذي تولد فيه المواهب ] …  
هاجر العديد من رواد وأحبة ومريدي الهواة إلى الارتماء في أحضان الإحتراف، لدرجة ذهب معها البعض إلى القول بأن مهرجان الهواة اغتيل على يد ممارسيه. ولعل المتأمل في المشهد المسرحي الحالي سوف لن يجد إلا الآثار، بعد أن خبت شعلته وكأني بلسان الحال يقول : أينك يامسرح الهواة ؟ وأين فرسانك ؟ وهو [ قول لا يحمل نوستالجيا بقدر ما يحمل صرخة غضب عن وضع انْهَارَ بأيدي ممارسيه… وان كانت للجهات الوصية نصيب من ذلك ؟! على حد تعبير  “نجيب طلال ” في جريدة السؤال الآن – 7 مارس 2024 – ، مؤكدا في نفس الوقت أن تجربة الهواة هي إرث فني ضاع ولن يعوض بعد أن انقاد الكثير من رواده إلى الإحتراف أو  ” الاغتراف ” والجري وراء مسرح الدعم . ليتحول الكثير منهم إلى محترفين وتفقد تجربتهم دورها الإشعاعي، وتتحول إلى هامش رمزي يعاني من التهميش، بعد أن كانت فضاءً جماعيا وجمعويا مليئا بالحماس والإبداع، شاهدة على فترة مهمة من الذاكرة المسرحية الوطنية . بعد أن عاش على إيقاع الشد والجذب في علاقته
مع الدولة وتعرضت الكثير من المسرحيات للمنع والتهميش، كما عرف تعرض بعض الهواة للاستنطاق والاعتقال في مخافر السلطة، ولم يكن ينظر اليه بعين الرضا من طرف السلطات العليا، رغم أنه كان مجالا وبوابة للتعبير والتنفس الجماهيري.
عموما تبقى تجربة مسرح الهواة، تبعا لما جاء به “بوسلهام الضعيف“في: المسرح في حياتي . مسرح الشامات . 22 ماي . 2020 [ معتركا صبت فيه جميع التيارات والحساسيات السياسية والاديولوجية، خصوصا لمغرب السبعينيات وما عرفه من مد يساري لمختلف أطرافه ( …) كان مجرد وسيلة لتصريف خطابات وبلاغات سياسية (…) مسرحا يرفع الشعارات الحارقة، مسرح تمرد ضد المؤسسة، ولكنه في نفس الوقت ينتمي إليها ]. لقد كان مسرحا صداميا مع النظام بشكل ضمني.
أخيرا لابد من الإشارة إلى أن تجربة الهواة المغربية قد تشابهت  مع مثيلاتها بكل من تونس ومصر، حيث لعبت الفرق الهاوية دورا محوريا في التأسيس الفني.
ففي تونس مثلا برز مسرح الهواة كرافد أساسي لمهرجان قرطاج، قبل أن يشهد تراجعا – شبيها بما وقع في المغرب – بسبب سيطرة المؤسسات الرسمية.
أما في مصر فقد شكلت فرق الجامعات والمراكز الثقافية قاعدة مهمة للهواة، قبل أن  تتراجع هي الأخرى مع صعود الإنتاج  التجاري.
وهنا لايسعنا إلا أن نطرح سؤالا مفتوحا حول هذا الإرث الفني، في ظل مختلف التحولات الثقافية والإجتماعية، ونتساءل عن إمكانية انبعاثه من جديد – وكأنه الفينق- في ظل الديناميات الشبابية والرقمية الحالية.
هامش للختم :
هناك محطات تاريخية أخرى للحديث عن المسرح المغربي ، الذي خصصنا له ” الورقة  الرابعة ” سنتناول ضمنها بعض التجارب المسرحية المغربية  ك : المسرح الفردي ، المسرح الثالث ، المسرح الجامعي ، مسرح اليوم ، المسرح الاحتفالي، المسرح الاحترافي …
المختار عنقا الادريسي

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *