الحكي الشعبي: من التأسيس إلى التجديد 

الحكي الشعبي: من التأسيس إلى التجديد 
الصورة من فيسبوك

في المسرح المغربي والعربي … نعيش زمن التكرار والاجترار

فاتحة الكلام: 

يقول الكاتب الاحتفالي، في رده على تدوينة للممثل المسرحي العراقي الكبير عزيز خيون الكلمة التالية، وذلك بخصوص مسرح عربي يعيش حالة (مستقرة) بين الحياة والموت وبين الوجود والعدم، لقد قال:
( إن الموت (يحيا) في الأجساد التي لا تتجدد، ومسرح لا يتجدد هو مسرح ميت، او في احسن الأحوال، هو مسرح حي نصف حياة، وهو مسرح ميت نصف موت)
ونحن اليوم، في المسرح المغربي والعربي معا، نعيش زمن التكرار والاجترار وزمن التيه في متاهات الفكر والعلوم والفنون، و(نحيا) نظريا، زمن الثبات والجمود، والذي قد نسميه حركة، وما هو بحركة، ونعيش في الموت الذي قد نسميه حياة، ومن هو بحياة حقيقية، ولعل هذا هو ما يميز مسرحا عربيا فقد حياته وفقد حيويته، وفقد البوصلة التي يمكن أن تهديه في بحر الوجود، ولقد تشابه عليه البقر المسرحي، واختلطت في ذاكرته المرجعيات، وفقد الإحساس بذاته وبالعالم، وفقد احساسه بالزمن وبالجغرافيا وبالتاربخ وبالهوية
واقول قولي هذا وانا ارى مسرحيات (عربية) ولا ارى مسرحا عربيا، وارى جهدا في هذا المسرح ولا ارى اجتهادا، وارى الأيام بعد الأيام تمضي، من غير ان يحدث في جسد ها المسرح لا جديد ولا تجديد..
ومنذ ما يقرب من نصف قرن، اطلقت الحركة الاحتفالية صرختها المدوية، ودعت اهل الكهف المسرحي إلى ان يخرجوا من كهفهم المظلم، وإلى ان يلتحقوا بالزمن الكوني الجديد، ودعتهم إلى فعل التاسيس. والى إعادة فعل هذا التاسيس بشكل دائم ومتجدد، ودعت إلى فن مسرحي حقيقي يصحبه الفكر والعلم، ودعت إلى صناعة مسرحية تقوم على استحضار كل المكونات الفكرية والجمالية والأخلاقية في المسرح، ودعت الى ممارسة فعل مسرحي حقيقي يعززه التامل الفكري والفلسفي، ويدعم ممارسته المسرحية الميدانية فعل النقد الذاتي، وذلك قبل نقد الآخر، وقبل اتهام هذه الجهة او تلك بالتقصير، وفي مدينة بوسكورة، رايت شابا يمارس المسرح وهو يؤسس المسرح، ورايت طاقات تحيا المسرح في كليته وشموليته، وقبل ان يكون هذا المسرح صيغة عالمية واحدة، فقد انطلقت كل تجاربه من درجة الصفر في هذا المسرح، والذي هو الاحتفال وهو العيد وهو التعييد، ولقد اختارت هذه المجموعة المسرحية الشابة في مدينة بوسكورة، وفي موسم الحكي المسرحي فيها، أن تجعل من اللحظة المسرحية فعلا احتفاليا شعبيا بسيطا وقريبا من الناس، وقريبا من لغة الناس ومن ذاكرة الناس ومن قضايا الناس، وحدث كل هذا بتاطير من اسماء مسرحية لها وزنها وثقلها في المشهد المسرحي، المغربي والعربي معا، والتي هي الأستاذ مسعود بوحسين، المعلم المسرحي والمخرج المسرحي، والمناضل النقابي، واامهندس الثقافي، والأستاذة زهور زريق، الشاعرة الزجالة والممثلة المسرحية والحكواتبة الشعبية، والأستاذ انس العاقل، الكتاب والمسرحي والمثقف الشامل
وبخصوص هذا الملتقى الاحتفالي والاحتفائي الشعبي، تمحورت تعليقات مغربية وعربية كثيرة، سواء على على هامش المقالة السابقة، او من خلال رسائل الوات ساب القصيرة، وفيها يقول الشاعر الزجال والمناضل النقابي انس لحلو ما يلي (نعم الرؤية عزيزي المبدع المفكر عبد الكريم برشيد، نحن محتاجون إلى انبعاث حكواتي جديد) اما الأستاذ عبد الغني بنشليخة فقد قال ( جميل،
جمعهم عشق الحكي الشعبي وحكي الحياة الشعبية الصادقة)

شهادة شاهد راى كل شيء .. تقريبا

وفي تقديم مسرحية ( اسمع يا عبد السميع) يقول ذلك الكاتب الاحتفالي المتعدد والمتجدد:
(إنني في هذه المقدمة / البيان ساقدم كتابتين في كتابة واحدة، اي رؤيتين في رؤية واحدة، رؤية الكاتب ورؤية المنظر)
وفي مقاربتي لتظاهرة بوسكورة سأكون بالتاكيد اكثر من واحد ايضا، وسوف اقدم اكثر من قراءة واحدة، وساكون ذلك الشاهد المشاهد العادي، والذي استمتع مع المستمتعين، والذي كان شاهدا على مولد مواهب مغربية شابة، في الحكي الشعبي، وفي المحاكاة وفي الإمتاع والموانسة، زفي البيان والتبيين وفي البلاغ المبين،
وسأكون المؤرخ ايضا، وسأكون المفكر والمتامل والمنظر المشتغل بفقه الوجود والموجودات وبفقه الحياة والأحياء وبفقه العلوم والآداب والفنون والصناعات
وانطلاقا من هذه الرؤية الشاملة والمتكاملة اسمح لنفسي اليوم بان اقول ما يلي، بان ما قدمه ذلك الشباب، في تلك الليالي الرمضانية الاستثنائية، كان مسرحا بكل تاكيد، ولكن بصيغة اخرى، وبرؤية اخرى، وكان حكيا من وحي الواقع، وكان بحثا واجتهادا، وكان تمثلا صادقا للثقافة الشعبية، وكان مصالحة مع الذات الجماعية، ومع الذاكرة الشعبية ومع المخيال الجمعي ومع روح المسرح، نعم، مع روحه قبل اشكاله وقبل صيغه وقبل كل حساسياته وشطحاته المتعددة والمتجددة عبر التاريخ
هي اذن تجربة اخرى إضافية، تجربة صادقة فيها نسبة كبيرة من المخاطرة، وهل يمكن ان ينمو الفكر، وان تتجدد الفنون والعلوم بدون مخاطرة علمية وفكرية وجمالية؟

التاسيس واقتسام فعل التاسيس

وما قام به ذلك الشباب، بوحي وتاطير وبتوجيه من أستاذ المسرح زكريا قاسي لحلو، كان فعلا تأسيسيا بكل تاكيد، وأصدق كل اللحظات في تاريخ الفكر والعلوم والفنون هي لحظات التاسيس، وهي لحظات إعادة التأسيس، ويعرف الجميع ان فعل هذا التاسيس هو الذي كان مجال اشتغالي، ومايزال، وذلك على امتداد اكثر من نصف قرن، وذلك ابتداء من ذلك البحث الجامعي الذي كان بعنوان ( نحو تاصيل المسرح العربي) ووصولا إلى المسرح الاحتفالي ثم الاحتفالية، ثم بعد ذلك الى الاحتفالية الجديدة والى الاحتفالية المتجددة
ولقد اقتنعت دائما، بأن فعل التاسيس هو نقطة البدء، في اي مسار علمي او فكري او جمالي، وانه بعد التأسيس ياتي فعل التحديث، ويأتي فعل التجديد، ويأتي فعل التجريب، واشهد ان ما شاهدته في بوسكورة، في ليالي الحكي، كان تاسيسا جديدا لمسرح شعبي قديم، وكام تحديثا وتجديدا له في نفس الوقت، وبنفس هذه القناعة كتبت كتاب ( التاسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث) والذي نشرته دائرة الإعلام والثقافة في إمارة الشارقة، وفيه اقول ما يلي:
(إن الأشياء القديمة يمكن ان تتجدد اذن، مما يدل على انه لا وجود للقديم بشكل مطلق، ولا وجود الجديد بشكل كلي، وان النسبية هي مقياس كل شيء في عالم الأشياء. إن الأساس هو فعل التجديد الذي لا يتوقف ابدا، والذي كان دائما ومازال اساس التقدم والتمدن، وأساس التحضر والتطور، في تاريخ الإنسان والإنسانية، وان هذا الإنسان المبدع والخلاق، وعبر كل مسيرته ومساره، لم يفعل شيئا سوى انه جدد الأشياء القديمة، وانه جدد علاقته بذاته القديمة اولا، وجدد علاقته ببيئته ومحيطه، وبهذا العالم القديم جدا ثانيا. لقد انزل الأشياء والكلمات والمفاهيم والآراء والمعتقدات من السماء إلى الأرض، واعد لها بعد ذلك منازلها الجديدة، وحدد لها وظائفها وادوارها الجديدة، وجعلها تبدو للعين جديدة، وهي في الأصل قديمة).
وفعل هذا التاسيس، او إعادة التاسيس، هو الخيط الناظم لكل تاريخ المسرح العربي الحديث، ولعل هذا هو ما جعل كبار الكتاب والمخرجين والمنظرين المسرحيين في العالم العربي يقتسمون نفس القناعة ونفس الرؤية، ويعيدون قراءة القديم بوعي جديد، ويعيدون تاسيس الاحتفال الشعبي وفق مقتضى الحال.
وهذه الحالة المغربية، قراها مخرج مسرحي كبير من بورسعيد بمصر، وتفاعل مع فلسفتها القائمة على العيدية وعلى الاحتفالية في الحياة اليومية العادية، ويتعلق الأمر بالمخرج والإعلامي طارق حسن الذي علق على النفس السابق من هذه الكتابة وقال:
(تدفق وجدانى رائع كعادتك كاتبنا المبدع، والحقيقة أن ما طرحته يذكرنى بما قدمته انا والكاتب عبد الفتاح البيه ببورسعيد عام 1991 حكاية دعبل المواووى اللى أمه كودية وأبوه حاوى ..هذه المونودراما التى تحتشد فيها كل أدوات الفرجة الشعبية من حاوى وتشخيص وحكى وعرايس ماريونت وقفازية واراجوز وحكى ..فها هو دعبل تتمرد عليه عرائسه بقيادة زوجته شملولة ..والتى تغريهم بالعمل فى السينما والتلفزيون وهجرة دعبل .. وعبر حكاية شعبية رائعة يتفتق ذهنه فى عمل حفلة زار ليخرج ما على عرايسه من أسياد …اتذكر …المخرج الروسى الكبير اوتار اوفافيتش عندما زار بورسعيد، ودخل علينا قاعة العرض، واشتم رائحة البخور، ورأى صديقى الممثل الذى هاجر إلى هولندا فتحى نظمى وهو يشخص ويلعب ويحكى ..فمن شدة إعجابه به خلع ساعة يد واهداها له)

الاحتفال المختلف في السياق الثقافي المختلف

وهذه التجربة الصادقة، في صيغتها المغربية، والتي هي اليوم في درجة التاسيس، ماذا يمكن ان نقول عنها سوى انها تجربة مجددة اكثر منها تجربة جديدة، وهي بهذا نبش في الذاكرة الجماعية، وهي قراءة القديم بلغة حديثة، وخلف هذه التجربة يقف فنان مغربي مسكون بثقافة (تامغربيت) وهو فنان جاد ومجتهد، يعرف ان الفن لغة، او انه لغات متعددة منصهرة في لغة واحدة، وانه لا احد يمكن ان يتواصل مع الآخرين بغير لغاتهم، والتي اختارتهم جميعا قبل أن يختاروها
وبالتاكيد فقد وجد زكريا لحلو في مدينة بوسكورة من يقتسم معه حلمه، ومن يسمعه، ومن يفهمه، ولقد تاسست بالمدينة جمعية اصدقاء المركب الثقافي، والتي يترأسها فنان مسرحي هو الأستاذ عبد الله عبداوي، كما ان منتخبي المدينة قد آمنوا بالمشروع، و دعموه، واوجدوا له في المركب الثقافي فضاء مسرحيا شعبيا هو عبارة عن خيمة مغربية، وانه داخل هذا الفضاء الشعبي يمكن ممارسة احتفال مسرحي شعبي مختلف، وان يكون الحكواتي في الوسط، وليس داخل علبة تعودنا ان نسميها العلبة الايطالية، وفي هذا المسرح القديم ـ الجديد يقف الحكواتي، يحيط به الجمهور من الجوانب الأربعة، وتصبح المشاهدة في درجة المعايشة، وان يكون فعل العرض احتفالا يقوم على الاقتسام وعلى المشاركة وعلى الحوار، وان يكون بإمكان هذا الجمهور ان يرى الحكواتي عن قرب، وان يرى نفسه ايضا، وان يرتقي فعل التفرج لديه الى درجة الاحتفال الشعبي الحي، وإلى درجة الحيوية والتلقائية، ولقد تكرم الفنان زكريا لحلو وفريقه بإطلاق اسم عبد الكريم برشيد على هذا الفضاء الاحتفالي، وكان هذا تكريما لفنان امن بالمستقبل، من غير ان ينسى الماضي، و آمن بالكونية من غير ان ينسلخ عن جغرافيته الثقافية، بكل لغاتها وبكل خصوصياتها، وبكل جمالياتها واخلاقياتها وادبباتها
وزكريا لحلو، وهو اليوم مدير لهذا المركب الثقافي، وقد دخل المسرح من أبوابه الحقيقية الواسعة، اي من باب المسرح المدرسي ومن باب مسرح الهواة، ومن باب التتلمذ على كبار المسرحيين في المغرب وفي العالم العربي، ولقد تخرج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بمدينة الرباط، وأكمل تعليمه العالي في مدينة القاهرة على يد اهم الأساتذة في المسرح، وفي مقدمتهم المخرج الكبير الأستاذ سعد اردش رحمه الله، وما يميز زكريا لحلو هو اساسا صدقه ومصداقيته، وهو عشقه الصوفي بالمسرح، وهو ايمانه بالشباب، وهو حرصه على ان يكون في هذا المسرح مجددا ومجربا ومؤسسا، وفي احدى كلماته، وما اكثر كلماته الصادقة، نجده يقول ما يلي:
( هناك من يستثمر في العقارات، آخر يستثمر في المشاريع التجارية، في الذهب والمجوهرات، انا استثمرت حياتي في الإنسان، واكدت مع مرور الزمن أنه أحسن استثمار مربح، لأنه يحقق اعلى الإيرادات من الحب والرضى والتقدير والاحترام ) ولقد لمست هذا التقدير والاحترام من خلال تفاعل الشباب الموهوب مع افكاره، واستشعرت مدى ثقتهم به، ومدى حبهم له، ولولا هذا الحب، ما كان لهذا المشروع ان ينجح كل هذا النجاح الباهر والمقنع والممتع
وفي حق هذا الرائد المؤسس والمعلم والفاتح لما اغلق، والهادي الى الجمال والكمال والمذكر بما نسي، او بما كاد ان ينسى، جاءت كلمة صادقة ألقتها المشاركة مونية، الفنانة والمثقفة والمتشطة؛ أصالة عن نفسها ونيابة عن كل المشاركين والمشاركات في هذا المحفل الشعبي، وفي هذه الكلمة قالت:
(في زحمة الحياة ثمة أشخاص مذهلون، وجدوا ليعلموا الآخرين فن الطيران دون ان يضعوا لهم قيودا، يرفعون الأجنحة المتمردة و يهمسون للأرواح “حلقي عاليا، السماء رحبة والأفق بلا حدود”
يعلموننا ان الإنطلاق لا يحتاج سوى للثقة، وان السقوط ليس إلا درسا للنهوض)
وفعلا، فقد رايت بعيني اجسادا وارواحا تحلق عاليا في سماوات الفن المسرحي، وتخبرنا بان القادم من الأيام والأعوام سيكون اجمل واكمل مع هذه الطاقات الإبداعية الجديدة والمجددة

فعل الحكي بين حدين متكاملين:

وحتى لا نظلم هذا الحكواتي، فإنه ينبغي ان نقول بانه ليس مجبرا على ان يمارس الفكاهة الخالصة، وان يمارس الضحك الخالص، لأن كل حالة تحمل نقيضها فيها، وفي مسرحية ( الحكواتي الأخير) مثلا، يفهمنا الحكواتي انه الممثل الذي يؤدي كل الأدوار، وانه الإنسان الذي تجتمع فيه كل الأضداد، ولهذا يودعنا في آخر المسرحية وهو يقول لنا:
( انا الساقي الظمان، انا الملاك والشيطان، انا السياف والبهلوان، أنا الغافي اليقظان، انا الصاحي السكران
وانا التائه الهادي، انا الساحر العادي، أنا المتمرد الراضي، انا الواصل المبتدي، انا الضحية والمعتدي، انا الزاحف الطائر ، انا الواقف العاثر، انا الواصل المنفصل)
ولو لم يكن هذا الفنان الشعبي كل الناس وكل الانسانية، فهل كان ممكنا له ان يكون لسان حال الواقع، وان يكون ضمير كل الضمائر الحية في هذا الوجود الحي، وان يخترق العصور والدهور وان يصل إلينا، نحن الآن هنا؟
والمداح موجود في مسرحية الزاوية، وفي مسرحية (اسمع يا عبد السميع ( يظهر عبد السميع في بداية المسرحية وهي في زي مداح اعمى، ويقول انا:
(معذرة سادتي الكرام
إن لم تكن في جعبتي رواية مكتملة
رواية لها حبكة ولها مبدا و عقدة وختام
ما لنا غير حياتنا
وسوف نحياها معكم .. نحياها مجسمة و مكبرة
سندخلها المخبر / لنراها في المجهر اكبر
سترى نفسك او غيرك
فلا تكابر او تغضب )
ونفس هذا العبد السميع المداح هو الذي أخبرنا منذ البداية بان تحترس مما يمكن ان يحكيه الحكواتيون، وان لا نثق في كل ما يرويه الرواة، وان نشك في اكثر ما يكتبه المؤرخون.. لقد قال
(سادتي.. ضعوا كل شيء موضع الشك
فاليقين موت وسكون وثبات
والشك حياة
لا تصدقوا سادتي كل ما قيل من ألوف السنوات
فما التاريخ إلا رواية
وما اكذب ما قال الرواة)
من الحكواتي الأخير إلى الحكواتي ما بعد الأخير:
وينبغي التذكير بأنه لا وجود لشيء يمكن ان يكون هو الأخير، وأن كل ما يمكن ان نظنه الأخير هو في الحقيقة بداية اخرى جديدة ومجددة ومتجددة، وأننا في حياتنا وعيشنا نتحرك داخل دائرة مغلقة، يضيع فيها البدء والمنتهى، ونستعيد فيها نفس اليوم ونفس الليل ونفس التاريخ، والذي قال عنه القاىلون بانه يعيد نفسه او يستعيد نفسه، او يجدد نفسه، ولعل هذا هو الحال بالنسبة لهذا الحكواتي المغربي الشعبي، والذي أدركه الراديو في بدايات القرن الماضي، والذي اعتقد الجميع بأن دوره قد انتهى، ثم جاءت السينما معه، وبقي الحكواتي هو الحكواتي، لكن بازباء مختلفة وبحكايا مختافه، وظهر التلفزيون من بعدهما، ولم يمت الحكواتي، ولم يفقد الحكي الشعبي بريقه ولا ضيع سحره ولا دوره، في حياة الناس اليومية وفي مقالة نقدية له عن مسرحية ( الحكواتي الأخير) تحدث الشاعر والباحث مولود قنبي عن مواد كائن إنساني جديد جاء مباشرة بعد مولت الحكواتي الأخير،، ولقد سماه باسم (الحكواتي ما بعد الأخير)
وحتى نعرف السياقات التي ظهرت فيها هذه المسرحية، فإنه لابد من العودة إلى التقديم الذي كتبه كاتبها، والذي نشره ضمن المسرحية، في الجزء الأول من مشروع الأعمال الكاملة للمؤلف، والذي تولت تولت وزارة الثقافة المغربية نشره في عهد الوزيرة الفنانة ثريا جبران، وفي هذا التقديم يقول المؤلف ما يلي:
(لقد خطر ببالي ان اكتب اخر الكتابات، ولقد خدعني ظني، و أفهمني ان الخروج من الحمام يمكن ان يكون مثل الدخول إليه، و اقتنعت، لزمن قصير جدا، ان زمن الحكي قد انتهى، وان عهد الرسائل والرسل قد ولى إلى غير رجعة، وان زمن الفن الجميل لم يعد له وجود، ولقد اكتشفت بانني كنت على خطأ، ولقد لمست هذا في النفوس التي مازالت تعشق الكلمة الصادقة، وفي الأفراح التي مازالت تهفو إلى الصور الجميلة والنبيلة، وإليها وحدها، اواصل اليوم فعل الكتابة، وأواصل الشغب المعرفي والجمالي، و أواصل الإصرار على الحضور )
ولقد كان حظ هذه المسرحية احسن من حظي، وكان ان قراها المخرج التونسي الكبير المنجي بن ابراهيم، واقتنع بها مدير المسرح الوطني بالجزائر، وتبنتها وزيرة الثقافة خالدة تومي، واپدعت اسماء كبيرة في المسرح الوطني في تمثلها وتجسيدها، وفي مقدمتهم ذلك الفنان ألاستثنائي الذي عبر مسرح الحياة بسرعة، ومضى مسرعا، الفنان عبد الحليم زريبع، والى روحه اهدي هذه المقالة.
ويبقى ان نقول، في ختام هذا النفس الجديد من هذه الكتابة المجددة، بان هذه التجربة المسكونة بروح البحث والتأسيس، ما كان ممكنا لها ان تتحقق بدون اسماء وجهات امنت بالفكرة وبصاحب الفكرة، ودعمتهما، والتي هي:
عبد الله عبداوي، رئيس جمعية أصدقاء المركز الثقافي ببوسكورة
ومؤسسة علي زاوا التي تحتضن تجربة الحلايقية شو.
وجماعة بوسكورة والمبادرة الوطنيّة للتنمية البشرية بإقليم النواصر
وحفيظة خويي، خريجة المعهد العالي للتنشيط الثقافي والمديرة الجهوية للثقافة بجهة الدآر البيضاء/ سطات

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com