الفنان المطرب محمد فويتح

صوت الشجن…

من المجحف حقا أن نختزل المشوار الفني لمحمد فويتح في قطع معدودة على رؤوس الاصابع، ذلك أن الأغلبية لا تذكر له عادة الا القطعتين الوطنيتين واللتين ذاع صيتهما لارتباطهما بحدث عودة جلالة الملك المغفور له محمد الخامس من المنفى إيذانا ببزوغ شمس الحرية والإستقلال (أومالولو ـ ملي مشيتي) وأغنيتين عاطفيتين عرفتا انتشارا واسعا ونجاحا ملحوظا (علاش ياعيوني ـ مابيني وبينو والو)، وإنصافا للحقيقة نقول بان محمد فويتح من الرواد الذين اغنوا الخزانة المغربية بمئات الأغاني الجميلة العالقة بوجداننا.
يصنف الفنان محمد فويتح ضمن فئة (المطربين الملحنين)،حيث ظل منذ البداية لا يغني الا الحانه وهو هنا يذكرنا بالكبيرين احمد البيضاوي وعبد الوهاب اكومي، وقد استطاع بفضل مؤهلاته الصوتية واللحنية والأدبية ان يثبت ذاته وسط العمالقة ويشق لنفسه طريقا خاصا تميزه الأذن عن الآخرين.
هو محمد التدلاوي والذي حمل من ابيه (الحاج فاتح الحلاق) لقب فويتح، من مواليد فاس بتاريخ 18/05/1929، فقد والده وهو لازال صغيرا فاضطر للعمل قصد إعالة أسرته حيث تقلب بين عدة حرف (إسكافي ـ نقاش على الأواني ـ مصلح لأجهزة الراديو…)، ولكن عشقه للموسيقى كان اكبر، فحفظ أغاني محمد عبد الوهاب وغيره من الرواد المشارقة، وتعلم العزف على العود فاخذ يشارك مع بعض الأجواق المحلية في الأعراس والمناسبات مثل جوق الملحون للحاج الهاشمي الهاروشي، انضم بعدها الى جوق (الشعاع) مع احمد الشجعي وعبد الرحيم السقاط، لينتقل بعد ذلك الى فرنسا حيث توزع وقته ما بين عمله باحد المطاعم وما بين نشاطه الفني، اذ سجل عدة قطع للاذاعة الفرنسية وإذاعة (مونتي كارلو)، والتقى آنذاك ـ في يوم تاريخي لاينساه ابدا لأنه شكل منعطفا مهما في مسيرته الفنية ـ التقى بالموسيقار محمد عبد الوهاب والذي نصحه بان يغني باللهجة المغربية وبان يحافظ على الطابع المغربي في موسيقاه، وكان هذا بعد ان أسمعه قصيدتين (مبعث السحرـ ياحبيبي ظمئت روحي)، وظل فويتح منذ ذلك اللقاء محترما تلك النصيحة في إبداعاته الى أن وافته المنية بتاريخ 18/09/1996.
في صوته شجن يداني البكاء، شجن مفعم بالحنان والمحبة كحنان آبائنا، ومجلل بالحكمة الفطرية كما نجدها عند اسلافنا، فكأنك تنصت لشيخ وقور يوجهك لمافيه الخير والصلاح لك، وهذا احد اسرار جاذبية اغانيه، وأما ألحانه فتحمل طابعا مغربيا شعبيا غنيا بايقاعاتنا وانغامنا، هذا الاسلوب اللحني الاصيل الطالع من جذورنا صنفه ضمن فئة (الحراس الأوائل لأصالة الموسيقى المغربية ) مع عبد القادر الراشدي ومحمد بن عبد السلام وعباس الخياطي وابراهيم العلمي، وقد امتد هذا الاسلوب الى ألحانه مع الآخرين مثل (الله الحباب للمعطي بنقاسم ـ خايفة قلبي لبهيجة ادريس ـ لسمر لعبد الحي الصقلي…)
كما يتميز فويتح بذوقه الادبي العالي والذي نلمسه في انتقائه للكلمة الصادقة والمعبرة، وهنا نستحضر تعامله مع اسماء ذات كعب عال في الكتابة، وأولهم احمد الطيب العلج والذي شكل معه ثنائيا ناجحا في العديد من القطع (علاش ياعيوني ـ مابيني وبينو والو ـ طالت الغيبة ـ عندك تنساني ـ نحبو بلا خبارو ـ ماشي لخاطري ـ ربيع الحياة ـ حب الناس – قلبي بغاك ـ توبة يا قلبي ـ تق بيا ـ الا حبوك …) وتؤكد الاحصائيات انه احد الملحنين الاربعة الذين اقتسموا معظم الزجل الغنائي لاحمد الطيب العلج وأما الثلاثة الآخرون فهم عبد القادر الراشدي وعبد الرحيم السقاط وعبد الوهاب الدكالي، كما يعتبر فويتح مع عبد الوهاب الدكالي المطربين اللذين غنيا اكثر له، غنى فويتح ايضا لفتح الله المغاري (الوردة) ولعلي الحداني (علاش انت بالذات) وقد ابان فويتح انه ملحن متمكن ومقتدر وهو يلحن ايضا الشعر العربي الفصيح مثل (احببتها ـ كيف تنسين هوانا ـ مبعث السحر ـ سائلي عني – صاح ـ يا حبيبي ظمئت روحي…) وللوطنيات حضور بارز في رحلته الفنية، نستحضر منها (أهل البيت ـ منبع الوفاء ـ الجهاد الأكبر ـ عين الله ـ الدار الشريفة ـ زعيم الأمة ـ فراحتك راحتنا ـ فداء الوطن …) وكلنا نتذكر القطعة الجميلة التي ساهم بها في حدث المسيرة الخضراء وأدتها المجموعة الصوتية (مسيرة سلمية).
إن جمالية أغاني محمد فويتح حفزت العديد من المطربين لاعادتها، القدماء منهم مثل عبد الهادي بلخياط وعبد الحي الصقلي، والجدد مثل حاتم عمور.
سيظل اسم الفنان محمد فويتح منقوشا في ذاكرة الأغنية المغربية بفضل ما خلفه لنا من تحف غنائية امتعتنا ولا زالت تمتعنا، غاب محمد فويتح ولا زال صدى صوته في مسامعنا (الحبيب الحبيب ـ هاني هاني يا اللي ناداني ـ ايلي حياني ـ كواني بنارو ـ قولو لي مالو …) رحل عنا فويتح وظل المقربون يحكون عن دماثة خلقه، وعن طيبة قلبه، وعن عفة لسانه، كان حقا فنانا، وكان حقا انسانا .
اشتهر الفنان محمد فويتح بقطعة (أو ما لولو):
أومالولو ، أومالـــــولــــو ** تــــم بكيــــت أنـــــــا
أومالولو ، أومالـــولــــــو ** تـــــــــم شكيــت أنـــا
يالغـــــادي بــــيا سيــدي ** يالغـــادي بـــــيا بــابا
يالغـــــادي بــــيا خـــويا ** ردنـــــي لبـــــــــلادي
مــا سختـــــــش بـــــــها ** وعييت مــــا نـــــادي
حطيت اطبيلة سيــــــدي ** وحطيت اطبيلة بـــابا
حطيت اطبيلة خويا حطيت ** اطبيلة وحطيت الكيسان
وجاو فبالي ، وجاو فبــالي ** لحبــــــــــاب والعشران
بك ما ســـــــخينا سيــــدي ** وبك ما سخينا خــــــويا
وبــــــك مـــــــــا سخيــــنا ** فـــــوقاش ترجـــــع لينا
أبـــــــــــاش عــــــاد تحلى ** العشـــــــــــــــرة ليــنــا