نجوم و أسماء من الأغنية المغربية
عباس الخياطي..: كثير من العطاء ..
بقلم د: عبد المجيد شكير
ستواكب جريدة /موقع ألوان على نشر سلسلة جديدة حول نجوم و أسماء من الأغنية المغربية بقلم الأستاذ عبد المجيد شكير.
نبدأها بالفنان الأصيل المطرب الراحل ذ. عباس الخياطي:
من غير المعقول أن يعطي الفنان من جهده ودمه الشيء الكثير الأغنية المغربية، ونكتشف أنه لم ينل التقدير الذي يستحقه، وهنا يبرز دور الباحث، ومن هذا المنطلق أكتب اليوم عن أحد عمالقة المشهد الموسيقي ببلادنا، إنه الفنان عباس الخياطي.
لم يسعفني الحظ في اللقاء به لأعرف خبايا مشواره الفني، ولكن التاريخ يشهد أنه أحد مؤسسي الأغنية المغربية العصرية، إنه ينتمي إلى كوكبة من الفنانين كتبت الصفحات الأولى لميلاد أغنيتنا، مثله في ذلك مثل أحمد البيضاوي وعبد الوهاب أكومي وعبد النبي الجراري وعبد القادر الراشدي ومحمد بن عبد السلام وآخرين، وكان لكل واحد من هؤلاء حضوره الفاعل وبصمته الخاصة. فطلعت أغنيتنا المغربية كفسيفساء تناسقت فيها الألوان وتكاملت.
توزع التدخل الفاعل لعباس الخياطي في الموسيقى المغربية إلى ثلاثة مسارات تضافرت فيما بينها لتصنع مشموم العطاء الذي أهداه لنا هذا الفنان المقتدر.
1ـ الغناء: خلف لنا عباس الخياطي بصوته الجهوري النقي كما هائلا من الأغاني، ولكن الكثيرين لا يعرفون له إلا قطعة واحدة شهيرة دائما تسبقه دائما في الحفلات والسهرات وهي (خويا يا الغادي مسافر) وربما لعب موضوعها عن الأخ دورا في انتشارها ، وهذه الأغنية تعزز الخط الاجتماعي الأسري في الأغنية المغربية الذي نبغ فيه كل من محمد العربي العوامي ومحمد المزكلدي، ومن أروع أغانيه أيضا الفواحة بعبق الرومانسية من الزمن الجميل قطعة (بين الويدان) تحيلنا هذه الأغنية على قطعة أخرى تفيض بالحب الطاهر والتي تغنى بها عبد العاطي آمنا (هذه ثلث أيام)، ومعها أيضا نستحضر التغني بجمال مدن المغرب ومناطقه (يا مراكش يا وريدة لإسماعيل أحمد ـ محلا إفران لإبراهيم العلمي ـ إيموزار لأحمد البورزكي والمعطي بن قاسم ….) وقد تناول رصيده الغنائي مضامين متنوعة، منها ما هو اجتماعي مثل ( يا موزع البريد ـ عيد العمال ـ يا اللاه يا فلاح ……) وما هو وطني مثل (وطني يا غالي عليا ـ جيش بلادنا ـ وفائي- لعيدك يامولاي ….) وما هو قومي مثل (عيد العرب ـ الوحدة العربية ـ القدس …) وما هو ديني (هلال رمضان- عيد ميلادك يا رسول الله ) كما برع وتفوق في غناء القصيدة مثل )عتاب( للشاعر وجيه فهمي صلاح وقصيدة (الرباط العاصمة) وفي الموشح نستحضر له (ضحك الزهر في الروض) وغيرها، وله أيضا مجموعة من الأغاني الخفيفة نستحضر منها ( الي ما يبغيك يا قلبي ـ نحلف لك ـ مولات الشنطة ….) وقد ابان كذلك عن اقتدار شديد في أداء اللهجة المصرية من خلال قطعة (على قد الشوق).
2 ـ التلحين : عندما نستحضر هذا الوجه الإبداعي لفناننا. يقفز إلى أذهاننا لحنه البديع الذي يتغنى بجمال فصل الصيف (محلا الصيف محلاه ) وهو من كلمات أبو بكر المريني وغناء عبد الوهاب الدكالي، ولحنه الذي شدا به عذب الصوت إسماعيل احمد (ليلاي يا لحن الهوى ) وهذه القصيدة من الكنوز التي تفيض بالطرب ولكنها للأسف مدفونة شأنها في ذلك شأن ألحانه الأخرى والتي تغنى بها مطربون من الدرجة الأولى أمثال بهيجة إدريس ومحمد علي وعالية المجاهد صاحبة الأغنية الشهيرة (النار الحمرا) وغيرهم أو أصوات من الشباب والبراعم والتي لم يبخل عليها بالتشجيع والدعم فعليا.
يمثل عباس الخياطي مع عبد القادر الراشدي ومحمد بن عبد السلام المدرسة الباحثة عن أغنية نابعة مه جذورنا الأصيلة، وطالعة من تربتنا المغربية، فإذا كان الراشدي قد شغف بالإيقاعات المغربية المتنوعة، وابن عبد السلام غرف أنغامه من المخزون الشعبي الخفيف، فإن عباس الخياطي وظف في إبداعاته اللحنية الأنغام الأندلسية، ذلك أن والده كان من أعلام الموسيقى الأندلسية، ومنه ورث عشق هذا اللون، ونهل على يديه قواعدها، وطبوعها وميازينها ومن ثم فكلما أرسلت أذنيك لإحدى ألحانه فاحت لك الأنغام بطربها الأندلسي، ولك أن تسمع (شهدويا ناس ـ يا مليح الوجه ـ طرب الدوح ـ غير سيرو...) ويبدو ان عشق الموسيقى الأندلسية جمح بعباس الخياطي إلى حد التعلق الوجداني بالأندلس
عموما باعتبارها جزء ا من تاريخنا المغربي بل ومن تاريخنا العربي الإسلامي فراح يستحضر في معزوفاته الموسيقية مدنها العابقة بالمجد الوضاء، من قبل:
رقصة غرناطة- ليالي اشبيلية – فجر الأندلس…… وهذا لون ٱخر يحسب له أنه أثراه مع كل من احمد الشجعي وعبد الوهاب اكومي وآخرين.
3 ـ التكوين الموسيقي: نهض عباس الخياطي بمهمة التكوين في ثلاث فترات متفاوتة، كانت الأولى سنة 1938 عندما استدعي من طرف جلالة الملك المغفور له محمد الخامس ليدرس الموسيقى في إطار فرقة الخمسة والخمسين وظل بها حتى سنة 1953 عند نفي ملك البلاد ورمزها ثم عين أستاذا سنة 1961 بالمعهد الموسيقي بالرباط، وفي سنة 1966 انتقل إلى مدينة القنيطرة قصد التدريس بمعهدها الجديد والذي رأى النور على يديه، ثم تكلف بإدارته بعد ذلك إلى حين تقاعده في منتصف الثمانينات.
كان عباس الخياطي يدرس مادة الصولفيج والموسيقى النظرية والآلة الأندلسية، وقد عرف عنه حرصه الشديد على نقل تجربته ومعرفته إلى الطلاب، وأيضا رعايته للمواهب الصاعدة وتشجيعها، ويعتبر الراحل عماد عبد الكبير أحد البراعم التي تفتحت على يديه.
يتميز منجز عباس الخياطي الموسيقي بالثراء والخصوبة :مواهبه الموسيقية المتعددة في الغناء والتلحين والكتابة والعزف على عدة آلات على رأسها العود والكمان والإيقاع، إرثه الفني والذي يفوق 250 عملا فنيا، ثقافته الموسيقية الواسعة، أفكاره الموسيقية الجديدة المتدفقة في إبداعاته، حفاظه على أصالة موسيقانا، إحياؤه للتراث الموسيقي المغربي،
تخرج الآلاف من الطلاب على يديه، تأسيسها لمعهد الموسيقى بالقنيطرة، وبعد كل هذا ألا يستحق هذا الفنان التقدير اللائق؟
أغنية (خويا خويا يا الغادي مسافر) لعباس الخياطي:
خويا خويا يا الغادي مسافر
والله بك ما سخيت
سافر ولا تغبر
وتقول خويا خليت
الخاوا حدها الدنيا
يا الخو لا تنساني
حو لا تطول الغيبة عليا
اكتب ليا وهنيني
راك عارف قلبي وحنانو
وعنايتي بالله وبيك
يا خويا انت عيوني
وديما نفتخر بيك
سافر طريق السلامة
تمشي في النهار
ورجوعك ليا
الفراق يعود ملامة
ونفرحو أ العزيز عليا