المطربة نعيمة صبري

انسحاب مع مرتبة الشرف
بقلم: ذ عبد المجيد شكير
تكابد المرأة العاملة خارج البيت معاناة يومية لا يخف لظاها، و تتضاعف هذه المعاناة بالنسبة للفنانة نظرا لنظرة المجتمع المشينة للفن، وبحكم ما يتطلبه عملها من سهر وسفر و اجتماعات، مما يضطر العديد من الفنانات إلى التوقف في بداية المشوار، أو في منتصف الطريق، بل إن بعضهن ما إن تطأ أقدامهن سلم النجاح حتى يقررن أن ينسحبن بشرف من الميدان الفني، ولنا في المطربة نعيمة صبري خير مثال.
نعيمة صبري صوت لم نرتو منه كثيرا، فواكهه الطرية معدودة على رؤوس الأصابع، سطعت منها (باغية فلاح) التي كتبها محمد حليم الأزمي ولحنها محمد بن عبد السلام بأسلوبه المغربي الأصيل وقد تهرت هذه الأغنية بحكم طابعها البدوي الشعبي والذي نقرؤه في معجمها اللغوي (فلاح ـ يحرث ـ خبز وزيتون …) حتى أن المطربة غيثة بن عبد السلام أعادتها، تقول كلماتها: (بالصراحة باغية فلاح/ يحرث أرضو بالمحراث/ يبغي أرضو ويبغيني/ ونعيش معاه تحت جناحو/). ولم تكن هذه القطعة فريدتها الوحيدة لأن لها شقيقات يضاهينها جمالا ومنها (يا الغادي بيا ) كلمات مصطفى برادة وألحان عبد الرحيم السقاط بأسلوبه المرهف الحزين الذي لا تخطئه الأذن.
تصور الأغنية توجس فتاة ساذجة وهي تدخل لأول مرة تجربة حب، ما أروع صوتها وهي تشدو: ) أيا مي خايفة ايامي تضيع خسارة وأنا نضيع فيها / وأنا نبكي عليها / خايفة من كلام الناس/ يصبح في حياتي وسواس…). وغنت أيضا (يا اللي عجبوك عيوني) لحنها عبد العاطي آمنا بأسلوبه العصري الموسوم بخفة الإيقاع، وفيها يركز الزجال الطاهر سباطة على إحدى نقط القوة في جمال المرأة ألا وهي جمال العيون وما يفعله من سحر في الرجال (يا اللي عجبوك عيوني / اهتميت بزاف بيهم/ إلا كنت تعرف تعوم / حاول باش تسبح فيهم / أنا في عيوني بحور/ لون ما هم جميل)
ومن تحفها المجهولة قطعة (حلم) والتي رسم فيها الزجال المقتدر عمر التلباني حلمه الإنساني بعالم يغمره الحب والسلام، ولحنها اسم لم تلتفت إليه الأقلام رغم موهبته الكبيرة وهو أحمد كورتي الذي توفق في لف القطعة في كساء نغمي متدفق ومتسارع يعكس اللهفة الشديدة لذاك الحلم:) نحلم بألف سفينة/ تبحر بالحب وبينا/تعانق النسمة تميل/ تغزل من الفرحة نهارنا / ومن الحب قمر وليل / من بسمتها نجمة / ومن همستها نسمة/ ومن شوقنا عش جميل/ )
وقد شاركت نعيمة صبري الفنان الطاهر جمي في غناء محاورة (رابحة الخمرية) والذي نجح في تلحينها وإبراز جمالية صوتها عاليا ومنخفضا، والأغنية تتناول حكاية حب بين العربي ورابحة وتدور أحداثها في فضاء القرية بقيودها وتقاليدها (راجلي حبني وحبيتو / نشوفو ونقول غدا العيد / وكلام العيد ما حبيتو / نتمنى لكم حظ سعيد /).
يتميز صوت نعيمة صبري بصفاء يذكرني بصوت المطربة التونسية نعمة، فيه أيضا بعض من دفقة الإحساس عند ماجدة عبد الوهاب، وقليل من قوة صوت سعاد محمد المغربية، إن إنتاجها الغنائي لم يتجاوز الخمسة عدديا علاوة على بعض القطع الوطنية التي لحن لها عبد الرحيم السقاط والذي كان متحمسا جدا لموهبتها، ولكنه يظل رغم ذلك رفيعا لأنها تعاملت فيه مع مدارس لحنية متنوعة مما أثرى تجربتها الغنائية القصيرة.
لم تكن نعيمة صبري المطربة الوحيدة التي أقدمت على قرار الانسحاب فأمثالها كثيرات، نستحضر فوزية صفاء صاحبة الأغنية الجميلة (ساعة لقاء) التي كتبها الشاعر الرومانسي علي محمود طه ولحنها عازف الناي عبد الحميد بن إبراهيم، ورداد الوكيلي والتي أمتعتنا بعدة أغان جميلة مثل (الشباكية ـ زينة ذيك الشجرة ـ يا نخيل الجنوب….) وعائشة العلوي والتي غنت من ألحان عبد القادر الراشدي قطعة (فين كنت أنت وفين كنت أنا) وتحفة المذكوري وكنزة الشريف وماجدة السالكي وغيرهن، والأكيد أن انسحاب أو ابتعاد مثل هذه الأسماء شكل خسارة كبيرة للأغنية المغربية العصرية
كلمات أغنية (باغية فلاح) للفنانة نعيمة صبري:
نقيل نحلم ونبات نحلم
بشاب جميل ما شي طويل ما شي قصير
يدق في بابي ياخذني
وعلى ذراعو يحملني
في كوخ صغير يسكني
خبز وزيتون إلا جعنا
يكفينا آه ويشبعنا
إلا عطشنا وديان الحب تروينا
وبالصراحة باغية فلاح
يحرث أرضو بالمحراث
يعطي للأرض الحياة
يبغي أرضو ويبغيني
وفي قلب اعماقو يخبيني
ونعيش معاه تحت جناحو
بحال العصفور كلي فرحة كلي سرور
نزوق كوخنا بالأزهار
نفرش لحبيبي الفلاح
حصير كبير عليه يرتاح
ونغني لو كل صباح