” نساء البيت الخلفي” لعبد الجليل الوزاني التهامي

نجمات أم ضحايا ؟

نساء البيت الخلفي : رواية صدرت عام 2024 لصاحبها عبد الجليل التهامي الوزاني ، عن مكتبة سلمى الثقافية ، تحاول رصد تجربة الأجواق الموسيقية
النسائية بتطوان منذ الستينيات وحتى بداية التسعينيات . وتركز بالأساس على المطربة “زهور” التي أس ربم بتطوان أول فرقة موسيقية بمعية عضوات أخريات
قد يكون بورتريه زهور هو الأكثر إثارة نظرا لوجودها في قلب كل الأحداث المأساوية ، ونظرا لكون حيوات ومصائر النساء الاخريات تتقاطع معها وهي التي احتضنتهن جميعا بالبيت الخلفي ، الواقع بالقرب من شارع الكرامة
ويبقى القاسم المشترك لعضوات الجوق هو الضياع والإحباط ، بعد مرور ربع ساعة من الشهرة . لم تحقق أي منهن الأمل المنشود ولا الاستقرار المأمول . زهور عاشت التمزق وفشلا في كل العلاقات الزوجية وغير الزوجية وذاقت دسائس المنافسة ، وبالرغم من أنها عرفت فترة زاهية فإن الأمر انتهى بها إلى حياة البؤس والمرض ثم الموت . ونفس المصير لقيته “عواطف ” النابغة في الإنشاد الديني وأمداح الحضرة والتصوف التي عادت إلى مدينة “الشاون ” تجر خيبة أمل كبيرة . وكذلك كان مصير” هبة ” عازفة العود الفاتنة التي غرر بها وفقدت قدراتها العقلية بفعل المخدرات وتبخر أمل تسجيل ألبوم ، أمام مقالب نصاب ماكر . وينطبق الأمر على كل من “ربيعة وغيثة وعزيزة وسميرة ”
قد يكون بورتريه زهور هو الأكثر إثارة نظرا لوجودها في قلب كل الأحداث المأساوية ، ونظرا لكون حيوات ومصائر النساء الاخريات تتقاطع معها وهي التي احتضنتهن جميعا بالبيت الخلفي ، الواقع بالقرب من شارع الكرامة
ويبقى القاسم المشترك لعضوات الجوق هو الضياع والإحباط ، بعد مرور ربع ساعة من الشهرة . لم تحقق أي منهن الأمل المنشود ولا الاستقرار المأمول . زهور عاشت التمزق وفشلا في كل العلاقات الزوجية وغير الزوجية وذاقت دسائس المنافسة ، وبالرغم من أنها عرفت فترة زاهية فإن الأمر انتهى بها إلى حياة البؤس والمرض ثم الموت . ونفس المصير لقيته “عواطف ” النابغة في الإنشاد الديني وأمداح الحضرة والتصوف التي عادت إلى مدينة “الشاون ” تجر خيبة أمل كبيرة . وكذلك كان مصير” هبة ” عازفة العود الفاتنة التي غرر بها وفقدت قدراتها العقلية بفعل المخدرات وتبخر أمل تسجيل ألبوم ، أمام مقالب نصاب ماكر . وينطبق الأمر على كل من “ربيعة وغيثة وعزيزة وسميرة ”
بورتريهات لنساء شكلن لفترة ما، العمود الفقري لفرقة موسيقية أحيت حفلات وأعراس كبار القوم بتطوان برئاسة المطربة زهور /عيشة لكن مصائرهن آلت جميعها إلى الانكسار، بهدم البيت الخلفي وانقراض تراث قديم شكل إحدى روافد الثقافة الأندلسية الممتدة حتى حارات تطوان العتيقة
أعترف أن الرواية بلبلتني، وقلما فعلت في رواية ما فعلته ” نساء البيت الخلفي “. فبالقدر الذي راقتني فكرة إحياء هذا التراث الموسيقي وانتشيت بها وابتهجت للتحقيق في نشأته وتطوره ، بنفس القدر لفتني خيبة أمل كبيرة من حيث أن المعالجة ركزت أكثر على الحيوات والمصائر في الشق المتعلق بمشاكل الزواج وهيمنة مجتمع ذكوري تقليدي و محافظ . وهكذا ، فإن الغلبة قد آلت لهذه التفاصيل المرتبطة بالإخفاقات العاطفية والخيانة والإحباط لسيدات كن يمثلن صيدا ثمينا لتجار الجنس والشهوة واللحم الطري ، على حساب الفن والموسيقى . مؤسف جدا أن ينتصر اليأس على الأمل ، فبدل أن يرتقي الفن بأذواقهن ويحققن ذواتهن عن طريقه ، ويصنعن الحدث ويبصمن بفنهن على فعل ما، بإعادة الاعتبار إلى الموسيقى النسوية الغارقة في الأصول الأندلسية، بدل كل هذا تجرعن مرارة السقوط في مطب علاقات مشبوهة حطمت كيانهن تحطيما .
وبالطبع، لا أتحدث هنا عن تشاؤم الرؤية أو مأساوية المشهد، فالكاتب لم يعمل إلا على لملمة شظايا الذاكرة كما هي ولا مؤاخذة عليه. أولا كشاهد على نشأة الفرقة وهو في سن الوعي، ثانيا كجماعة (بتشديد الميم) حقائق أدلى بها شهود من قبيل المعلم “سلام الخياط ” و”عشوشة الغرناطي” ذات الرباب/التحفة . ولأن نجاح الفرقة لا يتوقف بالضرورة على طبيعة الحفلات الباذخة التي أحيتها في حضرة الكبار والأعيان أو لظهورها على القناة التلفزية اليتيمة آنذاك ، وعلى التلقي الواسع من الجمهور، بل على الأثر والوقع اللذين خلفهما ذلك التراث وعلى نوعية الفن المتوارث. وبهذا الخصوص، لم تكن الشذرات التي أثث بها الكاتب فصول الرواية قادرة على ضبط قيمة هذا الفن ومدى تذوقه، ما دامت متضمنة في كتاب ل ” بشرى شقارة ” كما ورد في التنويه. غاب الفن ومضمونه وغابت معه كلمات ونصوص المقطوعات الغنائية التي كانت ستزيد للعمل قيمة إضافية، منظورا إليه من زاوية رد الاعتبار لهذا الفن
إضافة لهذا، فثمة منزلقات سقط فيها الكاتب ( سهوا على الأرجح ) وتهم الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمغرب تلك الفترة . فبعيد الإستقلال لم يعم الرخاء كما ادعى الكاتب ذلك، ولم يكن هناك تعاط للمخدرات الصلبة التي ذهبت ضحيتها “هبة” ولم نتلمس دور الأحزاب السياسية في تلك الفترة علما أن حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانا في أوج نشاطهم
أما عن الراوي، فيمكن القول إن التباسا ما يحف هويته. فتارة ينسلخ عن جلده ويعطي الانطباع على أنه شخصية مثل باقي الشخصيات الروائية (تخييل) يستقي مادته السردية من رواة آخرين متعددين” المعلم سلام ، عشوشة والأستاذ الناجي “وتارة أخرى يكشف عن نفسه ويتماهى معها
أعترف أن الرواية بلبلتني، وقلما فعلت في رواية ما فعلته ” نساء البيت الخلفي “. فبالقدر الذي راقتني فكرة إحياء هذا التراث الموسيقي وانتشيت بها وابتهجت للتحقيق في نشأته وتطوره ، بنفس القدر لفتني خيبة أمل كبيرة من حيث أن المعالجة ركزت أكثر على الحيوات والمصائر في الشق المتعلق بمشاكل الزواج وهيمنة مجتمع ذكوري تقليدي و محافظ . وهكذا ، فإن الغلبة قد آلت لهذه التفاصيل المرتبطة بالإخفاقات العاطفية والخيانة والإحباط لسيدات كن يمثلن صيدا ثمينا لتجار الجنس والشهوة واللحم الطري ، على حساب الفن والموسيقى . مؤسف جدا أن ينتصر اليأس على الأمل ، فبدل أن يرتقي الفن بأذواقهن ويحققن ذواتهن عن طريقه ، ويصنعن الحدث ويبصمن بفنهن على فعل ما، بإعادة الاعتبار إلى الموسيقى النسوية الغارقة في الأصول الأندلسية، بدل كل هذا تجرعن مرارة السقوط في مطب علاقات مشبوهة حطمت كيانهن تحطيما .
وبالطبع، لا أتحدث هنا عن تشاؤم الرؤية أو مأساوية المشهد، فالكاتب لم يعمل إلا على لملمة شظايا الذاكرة كما هي ولا مؤاخذة عليه. أولا كشاهد على نشأة الفرقة وهو في سن الوعي، ثانيا كجماعة (بتشديد الميم) حقائق أدلى بها شهود من قبيل المعلم “سلام الخياط ” و”عشوشة الغرناطي” ذات الرباب/التحفة . ولأن نجاح الفرقة لا يتوقف بالضرورة على طبيعة الحفلات الباذخة التي أحيتها في حضرة الكبار والأعيان أو لظهورها على القناة التلفزية اليتيمة آنذاك ، وعلى التلقي الواسع من الجمهور، بل على الأثر والوقع اللذين خلفهما ذلك التراث وعلى نوعية الفن المتوارث. وبهذا الخصوص، لم تكن الشذرات التي أثث بها الكاتب فصول الرواية قادرة على ضبط قيمة هذا الفن ومدى تذوقه، ما دامت متضمنة في كتاب ل ” بشرى شقارة ” كما ورد في التنويه. غاب الفن ومضمونه وغابت معه كلمات ونصوص المقطوعات الغنائية التي كانت ستزيد للعمل قيمة إضافية، منظورا إليه من زاوية رد الاعتبار لهذا الفن
إضافة لهذا، فثمة منزلقات سقط فيها الكاتب ( سهوا على الأرجح ) وتهم الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمغرب تلك الفترة . فبعيد الإستقلال لم يعم الرخاء كما ادعى الكاتب ذلك، ولم يكن هناك تعاط للمخدرات الصلبة التي ذهبت ضحيتها “هبة” ولم نتلمس دور الأحزاب السياسية في تلك الفترة علما أن حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانا في أوج نشاطهم
أما عن الراوي، فيمكن القول إن التباسا ما يحف هويته. فتارة ينسلخ عن جلده ويعطي الانطباع على أنه شخصية مثل باقي الشخصيات الروائية (تخييل) يستقي مادته السردية من رواة آخرين متعددين” المعلم سلام ، عشوشة والأستاذ الناجي “وتارة أخرى يكشف عن نفسه ويتماهى معها
( المسكن، الدراسة بكلية الآداب ) . ألم يقل له المعلم سلام إني أعرف شغفك بالكتابة أو ما معناه إنك تفكر في تأليف كتاب حول السيدة زهور ؟
وكيفما كان الحال، سواء تعلق الأمر براو بصيغة الجمع، سلمهم الكاتب مشغل الحكايات اللازمة لوضع البورتريهات المطلوبة، أم تكلف بالمهمة هو نفسه فإن هذا الاحتيال الجميل على القارئ لم يسعفه في الإيقاع به. فالتعاطف مع الضحايا شيء والانتصار للفن شيء آخر. ويشفع له مع كل ذلك أنه رغم “تفرجه” على البيت الخلفي يسوى بالأرض (البيوت تذهب برحيل أصحابها) فإنه احتفظ بالرباب القديم شاهدا على أن تراثا نسويا أندلسيا مر من تطوان وحاولت الشخصية الرئيسية زهور إحياءه ولو على حساب دمار البيوت لوحدها بل دمار كل نساء البيت الخلفي
وكيفما كان الحال، سواء تعلق الأمر براو بصيغة الجمع، سلمهم الكاتب مشغل الحكايات اللازمة لوضع البورتريهات المطلوبة، أم تكلف بالمهمة هو نفسه فإن هذا الاحتيال الجميل على القارئ لم يسعفه في الإيقاع به. فالتعاطف مع الضحايا شيء والانتصار للفن شيء آخر. ويشفع له مع كل ذلك أنه رغم “تفرجه” على البيت الخلفي يسوى بالأرض (البيوت تذهب برحيل أصحابها) فإنه احتفظ بالرباب القديم شاهدا على أن تراثا نسويا أندلسيا مر من تطوان وحاولت الشخصية الرئيسية زهور إحياءه ولو على حساب دمار البيوت لوحدها بل دمار كل نساء البيت الخلفي
العزيز الحسين
تطوان في 29 مارس 2025