“الحوار الخاص مع الاعلامي و الشاعر عبد اللطيف بنيحيى “
ولجت الكتابة من العامية وليس الفصيح
اشارات الياقوت كتبت بلغة تعتمد الاشارات .. كتابة تختزل الرؤيا
و تعتمد الحلم واختزال الكلام
نتابع هذا الاسبوع نشر الحوار الخاص مع الاعلامي
الشاعر عبد اللطيف بنيحيى
:عن الكتبة بالعامية (الدارجة) و الكتبة باللغة العربية الفصحى يقول
المجهود الذي يتطلبه مني النص المكتوب بالعامية أكبر بكثير من النص الذي أكتبه بالفصحى. مررت بتجربة قاسية جدا بالكتابة بالفصحى. (أعاصير الحزن والفرح) : أول ديوان نشرته بمطبعة امبريجيما بالدار البيضاء، ومدخولاته تبرعت بها لمنظمة طلاب المغرب، كانت قصائد جريئة وصادمة تمثل التجربة الأولى
بعد ذلك وربما لأكثر من عشر سنوات ، وفي سنة أربع وثمانين أصدرت ديوان شعري صوتي بعنوان : (الأسوار) و يعتبر أول تجربة في المغرب آنذاك ،سجل في استوديوهات إذاعة طنجة بمرافقة نمط موسيقى جميل أنجزه يومها المرحوم الرايسي . وهذه القصائد تؤرخ للوضع الذي كان عليه المغرب حينها و كان فيها نوع من الجرأة والتحدي
طوال هذه السنوات منذ ١٩٨٤ وحتى ٢٠٢٠ أصدرت ديوانًا شعريا بعنوان: (إشارات الياقوت) تختلف لغة الكتابة فيه عن التجارب السابقة في الديوان الأول (أعاصير الحزن والفرح)، أو ديوان (أصوات) ، إنها لغة تعتمد على الإشارات ، عن الحلم والرؤيا ، تعتمد على الخفي، واختزال الكلام . لا يمكن توضيف الإشارة الا إذا كان المبدع يمتلك القدرة على اختزال الرؤيا
!لست أدري كيف ستكون التجربة القادمة على مستوى الفصيح ، ربما ستكون امتدادا لهذه التجربة ذات المنحى
أنا لا أدخل غمار الكتابة من باب الفصيح لأنني ولجت الكتابة بالعامية قبل الفصحى والأمر يرتبط بالحالة النفسيه التي تهيؤني للكتابة بالفصيح أو النص العامي ، و ما أكتبه الآن بالعامية يتوازى مع ما أكتبه باللغة الفصحى بذلك البعد الصوفي
هل يمكن أن نقر بأن الشعر لا زال له قراء كما كان عليه الأمر من قبل؟
أتصور أن نفس التساؤل ربما طرح في الزمن الماضي و في مختلف الأزمنة على كل حال، حينما يحس الإنسان أن الشعر لم تعد له ضرورة أمام الصراعات التي يعرفها المجتمع. لنأخذ كمثال المجتمع العربي أمام هذه الصراعات وأمام هذا التكالب من أجل السيطرة على الحكم، وأمام هذا الاقتتال و هذه المجازر الخ… قد يكون هذا التساؤل مشروعًا حتى بالنسبة لتلك المرحلة التاريخية القديمة أمام كل هذا
هل يمكن أن نقول أن الشعر مازال صالحا؟ وهل يمكن أن أعتبر الشعر ضروريا أمام ما يحدث في المجتمع؟ انه تساؤل مشروع أكثر بالنسبة لزماننا الحالي
،العصر الحالي الذي أصبحت فيه المشاكل أكثر تعقيدًا في إطار البعد العولمي الذي حول العالم إلى قرية صغيرة أمام التقدم التكنولوجي وأمام التحول الرقمي و الثورة الرقمية الخ
ومع ذلك سيبقى الشعر ضروريا مادام الإنسان حاملا لما يمكن أن نسميه الحلم. قد نتعامل مع الواقع ومع هذه المستجدات التي يعرفها هذا الواقع. قد نتعامل معه بالنثر العادي أو على المستوى الكتابة القصصية أو الروائية، لكن لا يمكن أن نعبر عن الحلم الذي يسكننا و نتجاوز به القبيح إلى الجميل ، والجميل إلى الأجمل ، وننتقل به من الشر إلى الخير ومن التشاؤم إلى الأمل. كل هذه الشحنات من الحلم الذي يحملها الإنسان لا يمكن أن نتعامل معها إلا من خلال الشعر
هناك العديد من التجارب الشعرية في عصرنا الحالي التي استطاعت أن تؤكد حضورها سواءً بالنسبة للشعر العربي المعاصر أو الكوني. هذا التساؤل يتبادر إلى الذهن حينما نجد هذه التقلبات التي يعرفها العالم وهذا القتال والحروب ، وهذه النزعة الدموية والحروب التي تدمر مدنا بكاملها وتقتل أطفالا وأبرياء
لو طلبنا منك وضع أربعة عنواين لفصول سيرتك الذاتية؟
سؤال جميل، بالفعل أنا بصدد كتابة سيرتي الذاتية والعناوين التي أفكر بها بخصوص الفصول الأربعة هي كالتالي
الفصل الأول : من فنزويلا إلى الزنقة الطويلة
أروي في هذا الجزء عن نزوح عائلتي من هذا الفضاء الجميل بمنطقة الجبل الكبير الذي يوجد في مرتفع جميل بمدينة طنجة وهو حافل بالأشجار المثمرة كأشجار السفرجل والاجاص، إلى جانب غابات الصنوبر المطلة على البحر . وهذه الحومة تعتبر ضلعا من أضلاع حي المصلى الشاسع والذي كانت تجاوره الزاوية الكتانية ، وما زلت أسترجع في ذاكرتي تلك المدائح التي كانت تلتهب داخل هذه الزاوية وأنا طفل صغير ولم يكن سني يتجاوز الثانية، أمتلك ذاكرة قوية جدا أسترجع من خلالها تفاصيل هذه المرحلة ، لعلمك، بحيث كلما كنت أحكي لوالدتي بعض التفاصيل من تلك الفترة كانت تنظر إلي بدهشة لا تكاد تصدق ، لقد عاشت والدتي أكثر من مائة عام وفي هذا الحي ولدت، وبعد حوالي سنتين ، انتقلت عائلتي مرة أخرى إلى حي القصبة بالمدينة العتيقة في المكان المسمى بالزنقة الطويلة الذي يشبه الكهف وامتداده يؤدي إلى باب البحر، وكان منزلنا يتكئ على السور البرتغالي المطل على الواجهة الخلفية أي الحاجز الخلفي لميناء مدينة طنجة
هذا الحي يعتبر من المحطات الأساسية في حياتي . في هذا الحي سأخضع لعملية الإعذار وبهذا الحي كنت أنبهر بمشاهدة الجيش الدولي إذ كانت مدينة طنجة حينذاك تخضع للنظام الدولي فكان الجيش الدولي يصطف يمينًا وشمالًا كل يوم جمعة لتنزل تلك العربة المزركشة التي تحمل المنذوب السلطاني السيد التازي الذي كان يومها منذوا للمدينة، و كان يتوجه إلى مسجد القصبة لأداء صلاة الجمعة في موكب فخم وجميل
٧٣-٧٤-٨٥ في هذه الفترة: كان والدي يعمل في الجمعية الخيرية الإسلامية ، وهي جمعية كانت تقدم العديد من المساعدات للفقراء والمحتاجين ولها إسهامات عديدة في المجال الصحي والتعليمي ، وكنت أشاهد هذه الأفواج من الفقراء الذين يلبسون أسمالا بالية وينتعلون أحدية ممزقة ويأتون من أجل أن يأخذوا حصتهم من الحساء والخبز وقطعة من الجبن وحتى الشوكولاطة، تلك الصور والمناظر ما زالت أمام ناضري لأن هذه الجمعية كانت بمحاذاة بيتنا
الفصل الثاني: سيحمل اسم (السيدة)
وسأخصصه لوالدتي، لأنها ناضلت من أجل تعليمي، إذ كان يومها والدي عاطلا ، وكانت أمي هي المعيلة للاسرة وهو لم يكن يهتم رحمة الله عليه، بحيث في الأسرة لم يتعلم سواي وإن كنّا عشر إخوة وأخوات. والدتي أدخلتني إلى الكتاب، وبعد ذلك إلى مدرسة حرة ( النهضة الحرة) بالحي الذي كنّا نقطن فيه بحي مرشان وبالضبط في منطقة سليلة جمعة، وقد توسطت لها سيدة فاضلة من ال بنغبريط لكي أدرس في هذه المدرسة بالمجان على اعتبار أننا كنا أسرة فقيرة ، وهكذا درست منذ القسم الأول الابتدائي حتى السنة الخامسة ابتدائي بالمجان، إذن هذا الفصل له أهمية كبرى أخصصه للوالدة رحمها الله وهي ابنة الشيخ الصوفي العربي بن العربي بوعياد الطنجي صديق ومريد ومؤسس الزاوية الدرقاوية والصديقين بمدينة طنجة الشيخ محمد بن الصديق. وكان جدي هذا هو الذي درس أبناء من العلماء الكبار مثل أحمد بن الصديق و أبراهيم بن الصديق و محمد الزمزمي الخ ، فهذه الكوكبة من العلماء درسوا على يد جدي العربي بلعربي بوعياد، الذي ترك مؤلفا ضخمًا في حوالي ثمانمائة صفحة أو أكثر عن الحركة الصوفية في الشمال ، وقد توفي جدي رحمة الله عليه عام ألف وتسعمائة واثنان وخمسون
لقد تكبدت الوالدة الكثير من المشاق من أجلنا. وقد عاشت أكثر من المائة عام ، وكانت لها ذاكرة جد قوية ، والغريب في الأمر أنها طلبت من شقيقتي أن تنتقل إلى بيتها في منطقة مرشان، ولما زرتها إحدى الأمسيات ، طلبت مني أن أحضر لها كأس ماء ولما ذهبت للمطبخ لأحضر الماء عدت لأجدها قد رحلت إلى دار البقاء في ثوان معدودات وقد أوصتني بدفنها بمقبرة سيدي عمار تحت ظل شجرة. كانت تريد قبرها في مكان ظليل ، وقد وجدت مكانا به شجرة صفصاف وشجرة ميموزا ، شجرتان متعانقتان تحتهما ترقد الوالدة الكريمة الآن
Related