رأيت الصين تهضم كل العالم لتصنع موقعها
الكاتب الصحفي عبد الحميد جماهري ضيف ألوان
إن لم تشعر بالحزن عند زيارة الصين من أجل بلادك، فأنت لا تملك كل مشاعرك
،بقدر ما كانت الاسئلة واضحة ومحددة جاءت الردود دقيقة ، مباشرة وتلقائية . طاف الكاتب والصحفي عبد الحميد جماهري أرجاء الصين وعاين تفاصيلها بعين خبيرة، ليرسم لوحة كاملة : الصين-التاريخ والحاضر والمستقبل ..ناهيكم عن الخلاصات الثمينة المركزة، فيما يهم بلاده التي شاهدها من هناك وهي تحاول ان تستعيد بعضا من تجربتها التاريخية كما فعلت الصين . عاد الرجل من الرحلة .. لا يحمل فقط عناصر كتاب بل ايضا تصورا وخطة عمل خلاصتها ان معجزة الصين مفهومة لا اسرار فيها سوى العمل: لا سحر اوصدفة او طلاسم
تذهب الى الصين وتعود منها بمشاعر جياشة .. تكرس هذا في الكتاب :”ذهبنا الى الصين وعدنا من المستقبل”حول هذا البلد الكبير
ما قصة الكتاب . وبالذات العنوان الذي يحمل مسحة خفيفة من الاسى؟
في البداية، عندما تنوي الذهاب الى الصين، تجهز نفسك لزيارة الفضاء، أي المكان بما يحمله من بصمات ومشاعر وهندسات وبنايات ومساحات ما بين النور والدهشة. وكذلك كان الذهاب الى الصين بالنسبة لي. وقد جاء الكتاب «ذهبنا الى الصين وعدنا من المستقبل»، كتجربة في المكان والزمان، وثمرة لأربع رحلات الى هذه القارة، بل الكوكب الباهر، الذي سكن كثيرا من ابناء جيلي، لأننا كنا على جوار معه، فكريا وايديولوجيا، باعتبار التأثير الذي ما رسته الماوية وزعيمها» ماوتسي تونغ «على اجيال من الشباب المغربي
بعد الرحلات المتتالية وجدت أنني ذهبت الى المكان فوجدتني في الزمان، اي في الصين المتقدمة تكنلوجيا وعلميا والتي تعيش في المستقبل، الصين التي خطت في الزمان خطوات واسعة، وتقيم في غدٍ نحن ما زلنا ذاهبين إليه. لقد عشنا ما نعتبره حلما بالمستقبل.. ولعل السؤال القيم هو: أين وصل المستقبل الذي رأيناه منذ سنوات عديدة هناك؟ وهل ما زال المستقبل مستقبلا حقا أم تراه صار… ماضيا في بلاد كونفوشيوس والعم ماو؟
تزامن نشر الكتاب مع تظهير صورة الصين بوضوح وهي تقود التحول الحاسم في العالم من قطب مهيمن راهنا الى كوكب متعدد الاقطاب. ولأنه ليس من سمع كمن رأى …ماذا عاينت هناك؟
رأيت الصين تهضم العوالم كلها لكي تصنع موقعها، رأيت شوارع مانهاتن والاليزيه وورلد ستريت في شارع واحد في قلب شنغهاي، رأيت التفكير الجدي في هضم كل منتوجات الحضارات المادية والرمزية من طرف العقل الصيني، العقل الصيني الذي عاد الى تقاليده التجارية ليقوم بثورة محافظة بهذا المعنى قاتله الى أعلى مراتب الحداثة. ورأيت الصين تنافس الأزمنة في زمن صيني واحد بحيث تحافظ الصين على ٣ الاف سنة من ماضيها وتضيف اليه زمنا مماثلا نحو المستقبل بدون أدنى تنازع أو أزمة هوية
لقد جددت الصين فلسفتها بناء على قناعة انسانية، مفادها أن السلام عدو الوحشية الاول، وزن عليها زن تناضل من أجل تقدم يخدم الانسانية، وقدمت مقترحات للتنمية والتطور، مقتسمة الارباح بين القارات، ولعل هذا ما يجعلها نموذجا في العلاقات الدولية اليوم.. والصين عنوان صعود أسيوي ومعاندة الشرق في مواجهة هيمنة النموذج الغربي، الاحادي البعد unidimensionnel.. وهذا الوعي حاضر عند كل صناع القرار، وهناك تعبئة مجتمعية فكرية ومدنية وبشرية حول هذا الهدف
عدت من المستقبل الى الحاضر وبعض الماضي. ما هي حظوظ بلادك في خضم هذا الجيشان الصادم الذ يحتم مجابهة المستقبل دون تردد وكيفما كان الحال. والحالة هذه؟
بطبيعة الحال، ما كتبت في تقديم الكتاب، فإنك إذا لم تشعربالحزن عند زيارة الصين، من أجل بلادك فذلك معناه أنك لا تملك كل مشاعرك. لأن ما تجده هناك معجزة انسانية، لكنها في المقابل معجزة مفهومة لا سر فيها سوى العمل ،لا سحر، ولا صدفة ،ولا طلاسم، سوى العمل والتفكير الجدي، ومعرفة الاولويات ،والاخلاص للوطن
ثم تعلمك الصين كيف تكون مثلها! من خلال التركيز على التربية والتكوين، وعلى الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي ومن خلال سلم القيم المتحكمة في السلوك الفردي والجماعي. من جدية ومثابرة واستحقاق … ويملك المغرب فرصة أن يستعيد تجربته التاريخية كما فعلت الصين مع تراثها الحضاري التجاري، وهو قد شرع في ذلك، مع الملك محمد السادس باستعادة بعده الافريقي، والذي ظل تاريخيا بعدا تجاريا ودينيا، بدون الحاجة الي حداثة مكلفة مجتمعيا وذهنيا تعيشها المجتمعات مثل العنف
كما يملك عنصر الاستمرارية السياسية في النظام، وهذه النقطة مهمة في التخطيط البعيد المدى والاستراتيجي الذي شرع فيه المغرب عبر مخططات ل١٥ او ٢٠ سنة
مارست الصين عولمتها الخاصة وافلحت في كسب رهان التقنيات العالية، جعلت الغرب الجماعي يناور لعرقلة تقدمها الواكد.. الآن، هل استقلت الصين بقرارها السيادي وتمكنت من الوقوف ندا لند امام معسكر الخصوم , ام ان تمة تحفظات جيوسياسية واستراتيجية لا نشاهدها في الخلفية ؟
أعتقد بأن هناك نظاما تاريخيا جديدا أو تاريخانية جديدة
: “Régime d’historicité”
يتميز أساسا ببروز القوة الآسيوية، ونزوع العالم الاسلامي نحو المزيد من الانفصال عن الغرب، وهو ما صار موضع تأليف سياسي وتاريخي ، كأحد متغيرات اللحظة الزمنية التي نعيها. إن رؤيتها للعالم لن تكون سارية إذا هي لم تملك ادورا متقدمة في صناعة القرار الدولي، كما أن علامات الترهل في العالم الغربي (تفكك التكتلات القارية كالاتحاد الاوروبي، وشروح الناتو، والخروج الانهزامي لأمريكا من اسيا في الشرق الادنى والأسود من افغانستان ومن الشرق الاوسط) كلها عناصر تدفع باتجاه عالم متعددة الاقطاب (او apolaire لاقطبي). و الصين مستقلة بقرارها السياسي استراتيجي باعتبار أنها لا تشتغل من خارج النظام العالمي القائم حاليا ـ(من خلال الامم المتحدة ومن خلال التوازنات الجيوسياسية كما في الشرق الاوسط) وانت تلاحظين الخطاب الغربي ولا سيما الامريكي تجدينه عدوانيا وبل حربيا واعتبار الصيت تهديدا استراتيجيا على المدي البعيد، في حين تظل الصين متمسكة بخطاب التعاون والمشترك الانساني بل تحافظ علي التواصل السياسي بالرغم من العقبات التي تضعها العواصم الغربية
الصين ليست فقط بروليتاريا كونية…لكنها ايضا دبلوماسي كتوم ومهذب. ما تقييمك لمبادرة الوساطة الناجحة بين خصمين عنيدين في غرب آسيا، بيد كل منهما اوراق لعب حاسمة في منطقة تحفل بالتوترات؟
لقد كان تعليقي الأول، هو أن الصين نجحت، في التقارب السعودي الايراني فيما. فشلت فيه.. العقيدة الاسلامية نفسها، والتي تفرقهما
وقد كان الدور الصيني دليلا على القراءة الجيدة لمتغيرات عالم اليوم، بعد الكوفيد واندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، وفي خضم الادوار الجديدة التي تسعى اليها صانعة القرار الدولي في الغرب. وفي اعتقادي فإن هذه القراءة العاقلة والجيدة هي التي ستصنع للصين دورا أكثر قوة، ليس في المحيط الاسيوي الذي تتحرك فيه فقط، بل ايضا في مجموعة من الفضاءات الاقليمية والدولية، اقتصادية او جيوستراتيجية (البريكس والدول الآسيوية) اضافة الى ادوارها التنموية في القارة الافريقية والتي اصبحت فيها من المنافسين الكبار للقوى الغربية التقليدية
لم تعد الى الصين كما ذهبت. هذا واضح والا لوضعت لكتابك عنوانا عاديا.. مثلا.. في ظل التنين، او شيئا من هذا القبيل… كصحفي حصيف بم عدت؟
في كل العالم تكون الزيارات فضولا سياحيا أو إ غراء ثقافيا.. الخ، إلا في زيارة الصين فإننا كمسلمين نقوم بواجب ديني! أليس النبي عليه الصلاة والسلام هو من أمرنا أن نطلب العلم ولو من الصين؟
وعندما تعود منها بكتاب فقد نلت الثراء الذي لا يضاهى. ولا سيما عندما يكون ذلك امتدادا لوازع ديني وثقافي وسياسي واعلامي … عدت صداقة شعب عريق للغاية بنخبه وشبابه ومنظريه الشامخين