كتابة القصة القصيرة ليست سهلة
….لا أفكر في كتابة الرواية
و للكتابة في المهجر طعم آخر
أصدر الكاتب والقاص السعيد الحمولي مجموعتين قصصيتين، الأولى بعنوان: “الداخل والخارج”، والثانية هي” تحت ظلال شجرة القيقب”، كتابة متميزة لدى المبدع، له طابع في تناول الكتابة للقصة بطريقة خاصة ، يستعمل لغة سليمة ومنتقاة بحذر، تشدك القصص إليها وتجعلك تعانق الأحداث وكأنك جزء منها، أو هي جزء منك
قال عنه الكاتب أحمد بوزفور في تقديم للمجموعة الأولى أنه كاتب قديم، من كتاب الثمانينيات، وهو بالفعل واحد من كتاب اختاروا البقاء في الظل لعدة اعتبارات. ها هو كاتبنا يعود للظهور من خلال قصص جديدة كتبها حديثا، ونشرت بعضها على موقع “ألوان”، فوجدت صدى طيبا لدى القراء ومحبي القصة القصيرة، اخترناه كضيف لدى ألوان في حوار الأسبوع، للحديث عن الكتابة القصصية وتجربته في هذا الباب
في البدء نترك لك الكلمة
أشكرك بادئ ذي بدء على هذه الالتفاتة المباغتة ، وعلى هذه الدعوة غير المباشرة لأكون ضيفا على موقع ألوان الإلكترونية المتألقة، والتي أتتبع بشغف محتوياتها المتنوعة ، ولا سيما ما يتعلق بالفنون و الآداب، وأخص بالذكر رواية “في القنطرة جلجلة” لكاتبها المحترم السيد حسن حامي، التي أغرتني بالمتابعة منذ الصفحة الأولى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يسعني إلا أن أحيي فيك هذا الشغف الكبير بالمجال الفكري والثقافي والأدبي الذي ترعرع في المغرب، واشتد وتوطد وكبر معك في دار المهجر وكان من نتائجه هذه الباقة من الألوان المتنوعة التي لا تكشف ولا تتغير
ما الكتابة بالنسبة لك؟
كنت اعتقد في بادئ الأمر أن الكتابة، خاصة في مجال القصة القصيرة بالأمر الهين، لكن تأكدت بأنها صعبة، وخصوصا عندما وثق أستاذي ملاحظاته على القصص الأولى التي كتبت قبل الثمانينيات. هذه الملاحظات نفدت إلى قلبي وذهني، إلى منجم الكتابة لدي، أتيحت لي فرصة لكي امارس نقدا ذاتيا مكنني من الانفتاح على تجارب أخرى في الكتابة ، فاكتشفت في تلك الفترة وأنا أعيد قراءة قصصي الأولى بأنني أخطط فعلا قبل كتابتها. أي أنني أفكر أولا، ثم أرسم مسارا للقصة ، وأبدأ الكتابة وامضي ولا يهمني إلا الفكرة وأنسى الكتابة ومتعتها. ولهذا وجدتني أخوض تجربة أخرى مخالفة، وقد وجدت فيها ضالتي، وبدأت اخطو خطوة خطوة نحو المجهول، لا في قطار نحو محطة (فكرة) ، وعندما تستهويني الكتابة وتلح علي، اختار اعتباطيا كلمة او جملة او صورة وأتابع الكتابة، فتجلب الصورة الصورة، والكلمة الكلمة، والجملة الجملة، ويبدأ الشطب، والكتابة فوق الشطب، تم الشطب فوق الكتابة حتى يتسق الإيقاع وتنسجم الصورة مع أختها، مع الواقع أو مع الحالة السيكولوجية، أو مع هذه جميعا. وفي كل هذا أجد متعة وأنا أخدم “كحرايفي” أنقح وأزيل وأتصرف، وأتذوق كقارئ، وعندما ينتهي الزخم أتوقف فأنسى ما كتبته زمنا لأعود اليه، أقرأه مستمتعا ومفكرا معا وهنا تبدأ الفكرة.. ويبدأ البناء فأعيد الكتابة على ضوء مخطط، ولكنه مخطط لشيء موجود لكتابة منجزة
وهناك كتابة أخرى تتعلق بمذكراتي اليومية التي لا أغفل عن كتابتها، كانت وما تزال سندا لي في تحمل وتخفيف بعض الأعباء اليومية. تحمل هذه المذكرات في طياتها جزءا كبيرا من حياتي وحيوات أخرى بكل تفاصيلها، شغلتني وانشغلت بها مدة طويلة عن كتابة القصة القصيرة، حتى كدت أنساها على الرغْم من لقاءاتي المتقطعة مع شيخ القصة السيد أحمد بوزفور، أستاذي الذي أكن له قدرا كبيرا من المحبة والتقدير، والذي كان أول من يطلع على ما أكتب منذ أن عرفته في سنتي الجامعية الأولى كأستاذ للفنون الأدبية، وكمشرف على بحتي في موضوع النار في الأدب الجاهلي في السنة الرابعة
انشغلت عن كتابة القصة لفترة طويلة، فكيف جاءت العودة لأحضان الكتابة من جديد؟
هذه العودة لها قصة. بدأت في ديار المهجر بعد أن فترت في المغرب. وقد أشرت إلى ذلك في مقتطف من قصة «البشوش » في مجموعتي الثانية التي تحمل عنوان « تحت ظلال شجرة القيقب» قلت فيها: “للكتابة هنا طعم آخر ليس كالذي للكتابة هناك ، الأحداث هنا أخرى ، والأشخاص آخرون مختلفون ، الجو العام غيره ، والحياة تشعر بأنها تلك التي تتوق إليها رغم غربتها، فسحة كبيرة من الراحة والهدوء ، والأمل وقلم باليد وعودة أخرى كما أراد”
وفي مقطع آخر، كتبت: “وضعت كعادتي أول كلمة وانطلقت لا كقطار نحو محطة، كما كان يقول، ولكن كخطوة نحو المجهول ، وجدت نفسي وجها لوجه معها، قصة ولدت في هذا الفضاء الرحب الجميل، كندية شقراء لكل من المجموعتين القصصيتين «تحت ظلال شجرة القيقب» و «الداخل والخارج» ميزة، كيف تقيم كل تجربة ا؟
السيدة زهرة، أعتقد أنك ساهمت من قريب أو بعيد في نشر قصة قصيرة لي، أواسط الثمانينيات في جريدة السياسة التي كنت تشتغلين بها آنذاك. هذه البذرة التي عنونتها “بالداخل والخارج ” والتي شاء لها القدر أن تحمل إسم المجموعة القصصية الأولى والتي كان الكاتب المحترم السيد محمد صوف مشجعا ومشرفا في نفس الوقت على نشر معظمها بملحق البيان الثقافي. “الداخل والخارج” لها نكهة خاصة تذكرني بفترة الشباب وبداية الخطو، وبذلك الإحساس الغامض والزئبقي المتقلب في محاولاتي الأولى، والذي حاولت بجهد ومشقة أن أتجاوزه، أي أن أنظر إلى ذاتي بحياد وموضوعية تستجيب لطبيعة القصة وبنائها، وقد عبرت هذه المجموعة على هذا التحول في الكتابة
المجموعة الثانية جاءت مباشرة بعد نشر المجموعة الأولى، التي تأخر نشرها مدة طويلة، فكان من اللازم ألا تبقى وحيدة، فكان لها ما أرادت. اذ قدر لها أن تنمو تدريجيا ” تحت ظلال هذه الشجرة الوارفة الظلال. كان عقلي في تلك الفترة، فترة «كورونا» موزعا بين الهنا والهناك، وبعد أن تعذر على الذهاب إلى المغرب وجدت وقتا كافيا للكتابة والتمتع بقراءة ما أكتب إلى أن تجمعت عندي مجموعة من النصوص باستثناء نص «تأتأة» الذي كتبته بالمغرب وأرفقته بالمجموعة
لاحظت في قراءتي للمجموعتين أن هناك اختلافا في المواضيع ، وفي طريقة التعبير والسرد بين المجموعتين، وحتى في الجانب الفني هناك فرق واضح ما بين المجموعة الأولى التي تعبر عن فترة البداية والمجموعة الثانية الاكثر نضجا، لعلها التجربة أو فضاء الغربة او كلاهما معا؟
لست أدري، قد يتضح هذا لدى القارئ
حدثنا عن تجربتك الحياتية في كندا؟
تجربتي الحياتية بكندا قد تختلف كثيرا أو قليلا عن تجارب الآخرين، فلكل مغترب تجربته الخاصة سواء في كندا أو في غيرها. قد تكون سهلة وبدون مشاكل وقد تصعب حسب الشخص، وعلاقاته، ونظرته، وتصوراته. بالنسبة لي كانت فرصة كدت أضيعها لأنني لم أكن متحمسا للهجرة في البداية. كنت متخوفا، ولكن إلحاح زوجتي المحترمة وتأكيدها على الجوانب الإيجابية كجودة التعليم وآفاق الشغل المتاحة للشباب، رجح كفة السفر الى هذا البلد الجميل، ناهيك على نجاح وتوفق الاولاد في الدراسة و الحمد لله
أعرف أنك تكتب الشعر، وقد قرأت مجموعة من قصائدك الشعرية والزجلية، أتفكر في نشر ديوان يجمع قصائدك؟
كتاباتي في هذا الفن الادبي الجميل احتفظ بها لنفسي، واقرؤها لأصدقائي المقربين، ولا أدعي أبدا أنني شاعر. كتاباتي الشعرية وإن كانت تتوفر على المقومات الشعرية من الأوزان والتفعيلات والقوافي والصور فهي لا ترقى إلى مستوى الشعر الذي أطمح اليه
هل تتصور أنك ستكتب الرواية مستقبلا؟
حاليا لا أفكر في ذلك وغدا الله اعلم
ما الجديد في الأفق؟
أعتقد بإذن الله أن مجموعة ثالثة سترى الوجود قريبا