حوار حصري مع السيد عزيز الرباح لموقع “ألوان” 3/2

ساهمت كندا في بناء شخصيتي وعلمتني معنى المنهجية في الحياة.
نواصل نشر الجزء الثاني من الحوار الحصري مع السيد عزيز الرباح الذي نتناول فيه العديد من المحاور السياسية والمجتمعية لتجاربه العديدة في مجالات نترك للقارئ فرصة متابعتها كما يلي:
أجرى المقابلة : لحسن وريغ
– قبل أن تكونوا رجل سياسة، تحملون صفة المهندس المعلوماتي تكوينا وممارسة، نريد أن نعرف بعض ملامح هذه الشخصية التي تكاد تنتفي مع صفة الشخصية السياسية والحزبية؟
– كما سبق أن تحدثت عن ذلك من قبل، أنا رجل الأنظمة المعلوماتية، وقد طورت رصيدي المعرفي بالمجال من خلال مراحل التكوين المختلفة، ثم عبر محطات العمل في أكثر من وظيفة عمومية ما بين سنة 1998 و2007. وإذا اطلعت على سيرتي المهنية ستجد أني: مهندس في المعلوميات، حامل لماستر في البرمجيات، خبير المنظمة العربية للفنون الصناعية، عضو اللجنة الإفريقية التابعة للأمم المتحدة، عضو في لجنة البحر الأبيض المتوسط لأنظمة المعلومات، منسق اللجنة الوطنية لتكنولوجيا المعلوميات، إصدار الاستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلوميات “إيماروك”(الحكومة الإلكترونية، الصحة الإلكترونية، التعليم الإلكتروني…)
وبما أنك سألتني هذا السؤال النابع من عمق التخصص والاختصاص، فيمكن لي البوح بأن المغرب، والحمد لله، كان سباقا في مجال صناعة وابتكار أنظمة المعلومات. وهذا البلد العزيز بشهادة الجميع لا تنقصه الكفاءات والأفكار والاستراتيجيات، وإنما مشكلته تكمن في جدية تنزيل هذه البرامج.
هل يتذكر المغاربة أنه في عهد الراحل جلالة الملك الحسن الثاني كنا على بعد أمتار قليلة من صناعة حاسوب تحت اسم “أطلس”…؟ لكن بسبب غياب الجدية اللازمة، فشل المشروع منذ بدايته…
عندما سافرت إلى كندا من أجل متابعة دراستي، تمكنت من اكتساب خبرة جديدة بعالم أنظمة المعلومات وأصبحت قادرا على تجاوز الممكن والمستحيل، حتى لم يكن يخطر ببالي أنه في يوم من الأيام سأكون برلمانيا ووزيرا ومنتخبا على مدينة القنيطرة…
– لنفتح معكم صفحة جديدة من تاريخكم الحزبي خاصة وأنكم عضو بارز في الأمانة العامة لـ “حزب العدالة والتنمية”، غير أنكم قررتم إحداث قطيعة مع هذا المسار الحزبي.. كيف يمكن أن تعللوا هذا الموقف الذي أثار الكثير من الأسئلة داخل وخارج أجهزة الحزب؟
– أنت تعرف مثل كثير من الناس أننا حزب جاء ليساهم في بناء الوطن وليس لاحتلال الصف الأول في المشهد الساسي، و”العدالة والتنمية” يدافع بالدرجة الأولى عن هدفين أساسيين، هما: الهوية وتأمين الدعوة. ويظهر أننا انحرفنا شيئا ما عن هذا المشروع بسبب طغيان الجوانب التدبيرية والتسييرية في هذه المهمة التي لم تكن هينة.

– هل تعتقدون أن انضمامكم إلى معهد الإحصاء كان قرارا صائبا؟
– خلال السنوات التي قضيتها بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، تعرفت على أساتذة أجلاء وتعلمت أشياء في غاية من الأهمية بمكان. وكلما رجعت بي الذاكرة إلى تلك المرحلة، أستحضر صور العديد من هؤلاء الأستاذة (منهم من على قيد الحياة ومنهم من توفاهم الله)، أناروا لي طريق المعرفة بالمجال. ولا أخجل إذا قلت لك إني أنحني إليهم إجلالا وأقبل رؤوسهم احتراما وإجلالا، وأشكرهم جزيل الشكر لأنهم زرعوا في، وفي غيري، غريزة منهج الحوار والتحاور. لقد سمح لي التعليم في المعهد أعلاه بالإيمان بأن المغاربة سواسية، وأنهم أبناء الوطن الواحد.. قد نختلف إيديولوجيا وفكريا، ولكننا نشترك في الانتماء إلى الجامعة وتقويتها وجعلها مكانا للمعرفة. لذلك، ناديت منذ فترة الثمانينيات بضرورة الفصل بين الانتماء الإيديولوجي والانتماء للوطن، وأن الإيمان بهذا الفكر أو ذاك لا يجب أن يلغي الإيمان بالوطنية، الوطن يجمعنا.. المعرفة تجمعنا.. نحن نختلف في الرأي ونتفق في الحياة.. للأسف الشديد، حالفنا الحظ في تحقيق بعض الأمور لكننا فشلنا في أمور أخرى..
– بعد المرحلة التعليمية بمستوياتها الأربع (الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي)، انتقلتم لعالم الشغل وأنتم تحملون رصيدا من المعرفة والممارسة السياسية…حدثنا عن هذه المرحلة؟
– شاءت الأقدار أن أشتغل لفترة قصيرة بوزارة المالية ثم بعد ذلك بوزارة التجارة الخارجية التي سمحت لي بالاقتراب من بعض الشخصيات الوطنية ذات الكفاءة العالية، وأخص بالذكر هنا السيد حسن أبو أيوب الرجل الوطني المخلص والسيد رشاد بوهلال الكاتب العام للوزارة. شخصيتان كان لهما الفضل الكبير على هذا العبد الضعيف، لأنهما لَقّنَاني كيفية الاشتغال في الوظيفة العمومية، بل إنهما سيتحولان بالنسبة لي إلى مرجعيتين أساسيتين في التكوين الذي حصلت عليه وأنا تحت إشرافهما الإداري والمهني..
– (مقاطعا) هل كان السيد عزيز الرباح يتخذ القرارات بنفسه أم أنه يضطر للجوء إلى استشارة من هم أقرب إليه عائليا أو مهنيا أو سياسيا؟
– سأعود بك إلى الوراء بعض الشيء.. عندما اخترت أن أتوجه إلى شعبة العلوم الرياضية خلال دراساتي الثانوية كان ذلك بمحض الصدفة. والعلة في ذلك أني كنت تلميذا متفوقا في المواد العلمية الأساسية (الرياضيات، الفيزياء والكيمياء، العلوم الطبيعية). ولم يكن للموجه التربوي أي دور في هذا الاختيار، ونفس الشيء بالنسبة لعائلتي الصغيرة… كما أن التحاقي بالجامعة لم تساهم فيه أي جهة سوى الصدفة…
– هل كان دخولكم المعهد الوطني للإحصاء صدفة؟
– نعم.. إن تذكرت ما قلته لك سابقا، فقد سئمت من الوضعية التي كانت تعيشها الجامعة المغربية آنذاك، وغادرتها في سنتي الأولى، حيث تزامن ذلك مع الإعلان عن مباراة الالتحاق بهذا المعهد (تخصص المعلوميات) ونفس الشيء ينطبق على مسار حياتي المهنية نفسها.
أكيد، كنت أستشير (فيما جاءني بغثة) الأقارب والأصدقاء والأستاذة في بعض القرارات والأمور التي تهم حياتي الشخصية والمهنية، وبالتالي كنت مسؤولا عن حياتي بنسبة كبيرة … لكن الصدفة والقدر لهما نسبة ما في هذا الموضوع.
– هل كان سفركم إلى كندا صدفة كذلك؟
– ربما يكون الأمر صحيحا.. سأحكي لك ماذا حدث لي بخصوص ما تسأل عنه.
ذات يوم اتصل بي شخص من كندا وسألني إن كنت أرغب في متابعة دراستي بهذا البلد وتعميق معرفتي وثقافتي بعلم المعلوميات. وبعد مشاورات مع نفسي ووسطي العائلي والمهني والإداري، تقدمت إلى الوزارة بطلب السفر إلى كندا من أجل الدراسة لفترة تسمح لي بالحصول على شهادة الماستر في مجال التخصص/علم المعلوميات.
كان جواب الإدارة إيجابيا فحصلت على الموافقة المبدئية مع منحة سنوية لا يتجاوز قدرها 4500 دولار كندي (حوالي 7دراهم للدولار الواحد آنذاك).
سافرت إلى كندا حيث قضيت بها سنتين ونصف السنة، وأعتبر هذه الرحلة من المراحل التي ساهمت هي الأخرى، بشكل كبير، في بناء شخصيتي. تعلمت هناك أشياء غزيرة في الحياة والعلم، وانخرطت في العمل الجمعوي بشكل فعال: تأسيس العمل الطلابي، تأسيس المركز الإسلامي، تأسيس جمعية للطلبة الأفارقة والمغاربيين، وتعلمت من الدولة الكندية معنى المنهجية في الحياة.
للغرب أشياء ليست للشرق، وكندا درس في العلم والحياة.. دولة لا تتحدث كثيرا لكنها تشتغل أكثر.. وأملي أن ينتبه المغرب إلى هذا البلد والانفتاح عليه والاستفادة مما يزخر به من طاقات في العمل والإبداع. وإلى غاية اليوم ما زلت على اتصال بكندا وبمشاريعها التنموية التي تعد نموذجا في تدبير شؤون الدولة واحترام القانون.
– أنتقل معكم الآن إلى مرحلة أخرى ظهر فيها اسمك بارزا خاصة وأنك أصبحت شخصية عمومية تتحمل العديد من المسؤوليات. ما هي خصوصيات هذه المرحلة؟
– أثناء عودتي من كندا، قرر السيد أبو أيوب وبوهلال أن يُحَملاني مسؤولية رئيس قسم أنظمة المعلومات بوزارة التجارة والصناعة منذ سنة 1993. وخلال السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي، ساهمت بشكل كبير في الحياة الحزبية والسياسية داخل حركة الإصلاح والتجديد ثم حزب العدالة والتنمية: انتخبت برلمانيا، كنت أكتب مقالات أسبوعية في صحف عديدة مثل “الراية” و”التجديد”، رئيس الفرع الجهوي للرباط وسلا عن حركة الإصلاح والتجديد… واصلت العمل وتحمل المسؤوليات داخل ثالوث الوزارة والإعلام والحزب حتى سنة 1996. وهي السنة التي اتخذ فيها الإخوان قرار الانخراط في العمل السياسي انطلاقا من حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب بعد أن منعت السلطات الترخيص لحزبي” التجديد الوطني” و”الوحدة والتنمية”. وأوصانا الراحل الخطيب بثلاثة أشياء لا محيد عنها: إمارة المؤمنين، الوحدة الوطنية واللاعنف.
ومنذ تأسيس حزب العدالة والتنمية سنة 1996 كحركة دستورية ديموقراطية حتى سنة 2001، وأنا عضو بالأمانة العامة للحزب.
ومرة أخرى، لا بد من التركيز على أن كل هذه المحطات المتعددة والمختلفة ساهمت في صياغة شخصيتي وإنارة طريقي لمواصلة الرحلة بكل تأن وثبات وثقة.. وشاءت الصدف أن أشتغل مع العديد من الوزراء آنذاك وأنا رئيس قسم أنظمة المعلومات بالوزارة، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: أبو أيوب، مصطفى المنصوري، المصدق…..، وإدريس جطو خلال تحمله حقيبتين وزارتين مختلفتين.