الأديب شوقي عبد الأمير: مدير معهد العالم العربي في حديث حصري لألوان
الشعر هو جنين اللغة وأمها في نفس الوقت
يسعدنا ويشرفنا في جريدة ألوان الإلكترونية أن نستضيف الأديب – الشاعر شوقي عبد الأمير في هذه الجلسة القيمة التي نوردها كما جاءت في الحوار القصير المجرى معه ، آملين أن تتلوها مقابلات قادمة لتناول محاور أخرى في عالم الأدب والثقافة .
موجز من السيرة الذاتية للشاعر شوقي عبد الأمير:
شاعر ودبلوماسي عراقي، شغل مناصب دبلوماسية عديدة، أبرزها: مندوب دولة العراق الدائم لدى منظمة اليونسكو، ومستشارا ثقافيا وناشطا في مجال العلاقات الدولية لمنظمة اليونسكو ، ومن خبراء العلاقات الثقافية الدولية ، يشغل حاليا منصب مدير معهد العالم العربي في باريس.
شكلت تجربته الشعرية علامة فارقة في خارطة الشعر العربي المعاصر، وتمتد على أربعة عقود ونيًف من الكتابة الشعرية والترجمة وتشكيل حلقات وصل بين الثقافة العربية المعاصرة والمشهد الفرنسي . سبق له أن ترأس تحرير العديد من الصحف العربية والمجلات ..
تعددت تجربته الشعرية بين الموزون والتفعيلة وقصيدة النثر. وأصدر عناوين فاقت المجلدات الثلاث على مدى أربعين عاما. وترجمت مختارات من قصائده وبعض دواوينه إلى الفرنسية والإنجليزية ، وهو الحائز على جائزة ماكس جاكوب للشعر المترجم في فرنسا.
سؤال: سيدي الأديب /الشاعر/ الكاتب والدبلوماسي أحمد شوقي عبد الأمير الحمداني، سليل الأسرة المثقفة، لنتحدث بداية عن اسمكم المميز وعن تأثير الأسرة في حياتكم …
جواب: والدي كان من الأسرة التعليمية، عمل مديرا لمدرسة ابتدائية في جنوب العراق، في سوق الشيوخ، وتنقل بين المناطق في أهوار العراق، كما عمل أيضا مديرا لمدارس تأسست هناك. في بيتنا أسس والدي عبد الأمير الحمداني رفقة العم يعقوب الحمداني مكتبة في دارنا أطلقا عليها اسم المكتبة الأخوية، تضم عددا من كتب الأدب والشعر والتراث. كان لوالدي ولعمي تأثير كبير في حياتي الثقافية لأني بدأت بالقراءة في مكتبة البيت وأنا طفل في السابعة أو الثامنة.
أما الإسم أحمد شوقي عبد الأمير الحمداني فاسمي الصغير ” أحمد شوقي ” مركب مثل محمد مصطفى، وهو اختيار غريب في الحقيقة، ومن أسرار حياتي أن الوالد لا يعرف لماذا اختار هذا الاسم! لقد كان يحب شعر أحمد شوقي، “ديوان الشوقيات” كان موجودا عندنا بالمكتبة، وكان من أول الكتب التي قرأت الا أنه لا يدري، إذ قال: (كيف سأعرف أنك ستصبح شاعرا) .
عندما نالت قصيدتي الجائزة الأولى في مهرجان الآداب سنة 1967 وكانت مكتوبة بالشعر العمودي عن فلسطين، إذ نشرتها أول مرة باسم أحمد شوقي، اسمي الشخصي واسم الأب عبد الأمير واللقب الحمداني، هذا امر غير طبيعي، فأحسست منذ ذلك الوقت أن اسمي ينبغي ألا يكون له علاقة بأحمد شوقي ولا بأبي فراس الحمداني، فحذفت أحمد وحذفت الحمداني، وبقي شوقي عبد الأمير اسمي الأدبي، لكن أحمد شوقي الحمداني ظل هو الإسم الرسمي في الأوراق الرسمية.
سؤال: بعد حصولكم على شهادة البكالوريوس في 1967، انتقلتم للاشتغال مدرسا بالجزائر ومنها إلى الالتحاق بفرنسا للتسجيل بالسوربون في 1973 حيث حصلتم على الماجستير، فهلا حدثتمونا عن هذه الحقبة من حياتكم؟
جواب: تركت العراق بعد أن عملت شهرا واحدا مدرسا بين منطقة الأهوار، حينما نلت شهادة البكالوريوس، وبعدها لم أستطع البقاء… فذهبت إلى الناصرية حيث بقيت شهرا في ثانوية الناصرية مدرسا، وحدث أن اغتنمت فرصة وجود بعثات للتعليم بالجزائر فقدمت لها طلبا، واستطعت أن أحصل على القبول لأعمل مدرسا للغة العربية بالجزائر، وكان ذلك في أكتوبر “تشرين الأول ” من عام 1970. غادرت العراق وتوجهت إلى الجزائر، كانت هذه التجربة عظيمة في حياتي، واعتبرها ولادة جديدة لأني خرجت من البيت بعد أن كنت في عائلة كبيرة ، كل شيء مرتب في بيتي، وحياتي مطمئنة ومسؤولياتي اليومية والعائلية والاجتماعية كلها كانت مضمونة في البيت ، وبعدها أصبحت المسؤول عن كل شي في حياتي، أعيش في غرفة ، في بلد لا أعرفه فكانت بالنسبة لي مغامرة وولادة ثانية في الجزائر، هذا البلد العظيم جمالا وسعة وأهلا وشعبا ، الجزائريون ناس طيبون وحقيقيون وصادقون…، استفدت كثيرا من حياتي بهذا البلد ، حيث قضيت ثلاث سنوات أتنقل بين مدن الجزائر، قسنطينة وجيجل … حياتي كانت حافلة بالتجارب الإنسانية والثقافية الحقيقية، وأعتبر وجودي في الجزائر وجود بناء لشخصيتي الحقيقية ، ولولا الجزائر لما كنت أنا على ما أنا عليه الآن . بعد الجزائر جئت إلى السوربون لأواصل الدراسة والحصول على الدكتوراه، وبقيت سنة بالمدينة، وبعدها سافرت إلى العراق سنة 1973، حينها كانت الحرب بين مصر وإسرائيل وعبور القنال ، وأثناء زيارتي لبغداد ثم تجنيدي، فانتقلت إلى معسكر الرشيد، حيث قضيت سنة كاملة. وبعد انتهاء السنة عدت إلى باريس عام 1974 لأواصل دراستي في السوربون إلى أن حصلت على الماجستير، فتوقفت عند هذا الحد لأني لم أجد ضرورة ولا فائدة في الدراسة للحصول على الدكتوراه في السوربون ولا في مكان آخر ..
سؤال: سيدي تجيد العديد من اللغات، لكنك تكتب الشعر باللغة العربية، نتساءل أي اللغتين أقرب إليكم في الإبداع ؟.
جواب : بالطبع ، الأفضل والأقرب والأساس في الكتابة لدي هي اللغة العربية ، فأنا لم أكتب شعرا باللغة الفرنسية، لكنني أستطيع أن ألقي محاضرات وأترجم… لكن عالم الشعر عندما ألجه وأبدأ في الكتابة ، فلا تأتيني القصيدة إلا باللغة العربية، وهذا يعني أن الأمر مرتبط بينبوع الشعر الحقيقي في مرحلة مبكرة جدا من الوجود وهي السنوات الأولى للإنسان / الطفل الذي يسجل علاقته بالعالم، علاقته بالعواطف ، علاقته بالمعارف ، علاقته بالوجود، علاقته بالخوف، علاقته بالجمال… قاموس الحياة الأول… الأبجدية الأولى في حياة الإنسان تكون هي الأساس، هي الينبوع، هي حبر القصيدة . ولهذا عندما أكتب باللغة العربية بدون تردد، لقد كتبت باللغة الفرنسية أشياء مختلفة عن النص العربي، لها علاقة بالمعرفة غير الشعر ولا علاقة لها بالإلهام..
سؤال: كنت مستشارا باليونسكو، وظل اسمكم يرتبط بمشروع ” كتاب في جريدة ” الذي تكلفتم به منذ 1997، كلمنا رجاء عن هذه التجربة المتفردة والرائدة؟
“كتاب في جريدة”: مشروع أعتبره ثورة ثقافية حقيقية… وقريبا سيعود المشروع من جديد
جواب : عملت مستشارا لليونسكو بالمنطقة العربية، وبقيت أعمل طيلة 17 عاما في اليونسكو، وكان هذا المشروع الثقافي من أهم إنجازات حياتي الثقافية لأنني أنشأته وسهرت عليه ،وأعتبره أهم مشروع ثقافي عرفته المنطقة العربية ، إنه كتاب في جريدة هذا المشروع كان ثورة ثقافية حقيقية باعتراف الجميع، فالدول العربية كلها تشترك عبر صحفها اليومية بتوزيع كتاب مصور مجاني، يقدم رواية أو ديوان شعر أو كتابا تراثيا مع تخطيطات وصور لفنان معاصر، ويوزع بين مليونين إلى ثلاثة ملايين نسخة في كل المنطقة العربية بدون استثناء ،كل عاصمة عربية كان يصدر فيها الكتاب بنفس الوقت وبنفس الشكل ولايختلف في الأمر سوى إسم الجريدة وشعارها، هذه التجربة هي إنجاز حضاري دامت طيلة 17عاما تم خلالها توزيع 200 إلى 300 مليون نسخة من الأدب ، فهل يمكن تصور هذا ؟ عندما نفكر أن أهم وأشهر الكتاب لا يوزع إلا ألفا أو ألفي نسخة من كتابه، فكيف بتوزيع ملايين النسخ التي قدمت؟!
لقد كان هذا الإنجاز جبارا وعظيما في حياتي وأقول بفخر أنه الأعظم في العلاقات الثقافية، إذ منحتني اليونسكو جائزة نشر المعرفة بهذه المناسبة.
سؤال: ولماذا توقف هذا المشروع بعد كل هذه السنوات والمجهودات؟
جواب: توقف هذا المشروع لأن راعيه معالي الشيخ محمد بن عيسى الجابر، هو الذي أعطى هذا المشروع أعظم ما يمكن أن يقدم للثقافة العربية طيلة عشر سنوات، فهو الذي كان يموله خارج ميزانية اليونسكو لكن ولأسباب قاهرة توقف المشروع.
واليوم أستطيع عبركم أن أبشر الجمهور من قراء العرب الذين يطالبون بعودة المشروع، أنه سيعود وأن مؤسسة الشيخ محد بن عيسى الجابر، على استعداد لإطلاق المشروع من جديد وأنا سعيد بهذا، وآمل قريبا أن نحدد موعد المؤتمر لإعلان الانطلاقة الجديدة لكتاب في جريدة لحاجة المنطقة العربية وللطلبات المتزايدة على عودة المشروع.
المكان صفحة القصيدة … والصفحة الحقيقية هي المكان..
سؤال: في إحدى حواراتكم السابقة سيدي الشاعر أحمد شوقي قلتم بأن ” المكان هو الملهم ” فكيف سيلهمكم معهد العالم العربي/ المكان…على هذه المسؤولية الجديدة؟
جواب: طبعا المكان أنا، ودائما أتحدث عن المكان في شعري، المكان بالنسبة لي هو صفحة القصيدة، والصفحة الحقيقية هي المكان، فالمكان يكون مليئا بالتاريخ بالرموز بالجمال بالإيحاءات بالذكرى بالمفاجآت بالكوارث، المكان قاموس حقيقي فعلينا أن نعرف كيف نفك مفردات هذا القاموس وأسراره ، وكيف ننقلها إلى اللغة و إلى اللغة الشعرية طبعا، وهذه مسألة اعتبرها مسألة إبداع شعري.
في ختام هذه المقابلة، ارتأينا أن نسوق لقراء جريدة ألوان بعضا مما له علاقة بأديبنا الكبير ، وفي البدء نستند إلى جريدة السفير في عددها رقم 7951 عن يوم 20 مارس 1998 ، حيث كتب ” شمس الدين محمد علي” : بلغة سردية كهنوتية يكتب شوقي عبد الأمير ديوان المكان وهو بمثابة مرات متتالية لأماكن وحضارات وقع عليها الشاعر في عيشه ، وثقافته وللغة الضاد التي ينتمي إليها ، ويكتب بها وتتوزع النصوص على وجوه وأقنعة ومعالم قديمة وحديثة يحفر فيها الشاعر حفريات الشعر، تمتد من طيبة ومصر الفرعونية إلى القاهرة، ومن مأرب في اليمن القديم إلى صنعاء فعدن، ومن سومر فالسواد العراقي إلى بغداد فالبصرة، ومن أبابيل إلى الحجر… تخترقها رقائم شعرية في اللغة (الضاد) والشرق الأخير …وهنا وهناك متنقلا [ كتب فتعلم البقاء . قرأ فتعلم الموت. نظر إلى الطين فقال : لن ينساني ومضى ، ذهب إلى المرآة ليسألها فلم تجبه ، وسألته ..أمسكت به يوما وأنسته كل شيء إلا جسدها ، عاد إليها لا لكي يراها بل ليرى جسده ، فكر أن يبني المدينة فأقام أول حجارة في المقبرة ، رفع لها شواهد وصرخ يشهدها فأجابت شيد الاسور عندما كانت المدن جنينا ولكنها لم تكبر من بعد، رسم خارطة بلاده وكان القمر يحدها من الشمال والمقبرة من الجنوب ، قال سأقسم الأرض ولم يدر مع من ، فأعطى ولم يأخذ في العاصفة، احتمى باللجوء إلى المأوى، وعندما انطلقت الرياح منه… هدمه ، أراد أن يؤاخي ألما وراء قبل الموت ، فابتكر الجنون ، اختار المجد قبرا يلقي فيه ما شاء من حياته ليذهب خاليا وحيدا إلى قبره ]
من ديوان المكان – دارالفرابي 1997
نورد قصيدة للشاعر “شوقي عبد الأمير” هدية للقراء والمتابعين لألوان:
يقظة مأسورة..
في تقاطيع وجهها يقظة مأسورة،
طريقٌ مقطوعةٌ
ونهرٌ يجري
خلف سَحّابِ فستانٍ للسهرةٍ..
العوسج البريَّ يتهجى اسمَها
وظلالَ الزيزفون في الممرات الخلفيّة
قميصها الليلي..
نهاري
عجلةٌ معطوبةٌ في يدِ طفلٍ يبكي
الرخام الموشّى بالأسماء والشارات والتواريخ
يمسكُ بي يستجوبني..
ليست الاغصان العارية خريفي
انما المفردات والساعات
التي تسّاقطُ كالورق الميت فيّ .
الأبواب دروس مجانية
لا نتعلم منها..
الشهقات شرفات ليلٍ قديم
والعشب المبلول
يغط في نوم عميق..
زقزقةُ العصافير في الفجر خضراء
عنقُ البجعةِ المعلمَ الثاني
ومبراةُ القلم رياضةً روحية،
لا الغيومُ
ولا حتى اسماءُ الله الحسنى كلُّها
تكفي لِتسْتُرَ عورةَ هذه البلاد..
نبذة عن معهد العالم العربي، نافذة على الثقافة العربية في قلب باريس.
معهد العالم العربي يعتبر كما يعرف رسميا مؤسسة ثقافية فريدة من نوعها تقع في قلب العاصمة الفرنسية بباريس، إنه جسر التواصل المهم بين العالمين العربي والغربي، وقد تأسس في 1980 بفضل تعاون مشترك بين فرنسا وجميع الدول العربية، ويعتبر منصة هامة للبحث والحوار بين الثقافات. تم افتتاحه في عهد الرئيس الاسبق الفرنسي فرانسوا ميتران رسميا للجمهور في 19 ديسمبر 1987 ومنذ ذلك الحين أصبح يكتسي أهمية خاصة في تعزيز الثقافة العربية، وقد انتقل الى مقره الجديد الواقع بالحي اللاتيني سنة 1991، مع الإشارة الى ان قام بتصميمه هو المهندس المعماري جان نوفيل ..