حوار حصري مع السيد عزيز الرباح لموقع “ألوان” 3/1

حوار حصري مع السيد عزيز الرباح لموقع “ألوان” 3/1

أنا ابن العالم القروي وسليل عائلة مناضلة

أجرى المقابلة : لحسن وريغ                  

مقدمة:

حوار صحفي مع الإنسان والوزير والبرلماني والقيادي الحزبي.. عزيز الرباح . السياسي المغربي البارز، والمهندس المتخصص في المعلوميات، المحلل الاقتصادي والقيادي داخل “حزب العدالة والتنمية”. من مواليد سنة 1962 متزوج وأب لبنتين.. قضى سنوات دراسته الابتدائية والثانوية والجامعية بالمؤسسة التعليمية العمومية قبل أن يهاجر إلى كندا من أجل الحصول على شهادة الماستر في تخصص المعلوميات.
سبق لعزيز الرباح أن عين بمناصب حكومية مهمة إبان الحكومة التي قادها حزبه خلال ولايتين متتاليتين (ولاية عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني)، منها منصب وزير التجهيز والنقل (2012 – 2017)، ووزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة (2017 – 2021)، كما مارس مهامه النيابية عن دائرة مدينة القنيطرة، خلال عدة ولايات تشريعية وشغل منصب عمدة المدينة ذاتها.
وخلال ممارسته للمهام الوزارية، أشرف عزيز الرباح على تطوير قطاع الطاقة، موليا عناية خاصة لتعزيز استخدام الطاقات المتجددة، وكان له دور فعال في وضع وتنمية استراتيجيات التنمية المستدامة بالمغرب، كما أنه اليوم يخوض تجربة أخرى من خلال تأسيسه لجمعية مدنية تحت اسم “المبادرة الوطن أولا ودائما”.
بمدينة القنيطرة، التقى موقع “ألوان” الإلكتروني الوزير السابق عزيز الرباح وأجرى معه حوارا مطولا، كشف فيه عن بعض المحطات الأساسية من حياته الشخصية، كما تحدث عن مساره الدراسي والتحاقه بالسياسة من خلال حزب العدالة والتنمية، ثم أجاب بصدر رحب عن أسئلة خاصة بما بعد مرحلة الاستوزار وتأسيس جمعية “المبادرة”…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 * من كانت بدايته محرقة، ستكون نهايته مشرقة*

في بداية هذا اللقاء الصحفي، نريد أن نتوقف مع سيادتكم عند أهم المحطات التي صاغت شخصيتكم سواء على المستوى الخاص أو العام؟

–  لابد لي من توجيه الشكر الجزيل إلى منبركم الإعلامي الإلكتروني “ألوان” الذي تفضل باختياري لهذا اللقاء الصحفي حتى أفصح عما علمني الله. ولا أخفيك، أني مؤمن بأن الشخصية “العمومية” التي تحملت مسؤوليات متعددة، لا يمكنها أن تتقاعد حتى تلقى الله (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. الحجر: الآية 99).

لذلك، أحاول دائما في لقاءاتي وأحاديثي مع الأصدقاء (المقربون وغير المقربين) أن أدعوهم إلى أن يبقوا نشطين وفاعلين في المجتمع والوطن، وينقلون له ما راكموه من تجربة في تدبير وتسيير الشأن العمومي هذا من جهة أولى،

                        الصورة عن: ثقة تيفي

أما بشأن الجواب عن سؤالك الذي تفضلت بطرحه… فيمكن القول بأن البدايات دائما يكون لها تأثير على الشخصية.. فمن كانت بدايته محرقة، ستكون نهايته مشرقة… (كما يقال).
عزيز الرباح: هذا المواطن الذي أمامك، ابن العالم القروي [ابن جماعة دار العسلوجي ـ دوار التغاري ـ فخذة العواوجة] وسليل عائلة مناضلة.. نشأت وترعرعت في وسط مغربي أصيل.. كان والدي، شفاه الله، عضوا نشيطا داخل خلايا المقاومة الوطنية ضد الاستعمار، حيث ظل يحمل لقب “الموتشو“(الكلمة تعني الشاب) لسنوات طويلة. وطالما ساهم هذا الرجل بمد عناصر المقاومة الوطنية بأخبار عن الاستعماريين… ومع مرور الوقت، انخرط والدي أو “الموتشو” في العمل الحزبي، حيث كان أحد المؤسسين البارزين لحزب التقدم والاشتراكية بالبادية المغربية، كما أنه لم يتخل عن مسؤولياته داخل الحياة الأسرية والمجتمعية والعامة المغربية.
أما والدتي رحمها الله، فكانت امرأة من نتاج التربة المغربية؛ تحملت عبء البيت وتربية الأبناء والبنات (خمسة أولاد وبنتان) حتى تضمن لهم كل ظروف العيش الآمن.. كانت تعتمد على تربية الدواجن وبعض الأنشطة الموازية للحصول على ما يسمح لها بمساعدة الوالد على الحياة. أول من يستيقظ صباحا وآخر من ينام ليلا…
لابد من التذكير هنا إلى أننا نتحدث عن وضعية كانت فيها البادية تئن من قلة الإمكانيات التي تسمح للإنسان بالحياة. ففي أوائل الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عشنا ظروفا صعبة للغاية (إنارة تقليدية، صعوبة التزود بالماء، وسائل نقل بدائية، بعد المدارس التعليمية، قلة المستوصفات الصحية، أسواق أسبوعية، ظروف مناخية قاسية…).
عندما قررت أسرتي أن تلحقني بالتعليم الابتدائي، كنت مرغما على قطع حوالي ست كيلومترات للوصول إلى ما يشبه المدرسة الكائنة بدوار موسى.. أُكْلَتنا تقتصر على الخبز والشاي أو القهوة وبعض قطرات من زيت الزيتون نحملها معنا من مشرق الشمس حتى العودة إلى المنزل مساء.
ورغم المعاناة اليومية والشهرية والسنوية، استطعت أن أتابع دراستي حتى نلت الشهادة الابتدائية بمدينة مشرع بلقصيري.
وهنا لابد لنا أن نتوجه بكل عبارات التقدير والامتنان إلى العائلة الصغيرة التي لعبت دورا أساسيا في تجاوز الكثير من هذه المحن والصعوبات وتخطي الأشواك، علما أن عائلتي كانت ذات وضع اجتماعي نستطيع أن نصفه بأقل من المتوسط،  كان الوالد تاجرا رغم أن همه الأول هو النضال السياسي وصاحب مواقف تجاه العديد القضايا والأفكار.
وعلى غرار أبناء جيلي وباديتي، كنت أقضي العطل الدراسية الصغيرة والكبيرة في الحقول الزراعية من أجل الحصول على قليل من الدراهم لتحقيق متطلبات حياة الطفولة والمراهقة.. وأتذكر بكل التفاصيل تلك الأيام التي اشتغلت فيها داخل حقول الشمندر، حيث ما زالت آثار المنجل بادية على أصابع يدي. وفي مناسبات أخرى، تجدني متنقلا بين “شوارع” الأسواق الأسبوعية التي كانت تعج بالحركة التجارية التقليدية.
وبما أن مسقط رأسي لم تكن به مؤسسات للتعليم الإعدادي والثانوي، كان لابد لي من الهجرة إلى أقرب مدينة لمتابعة الدراسة التي بدأت تستهويني وتأخذني إليها أكثر من “الفلاحة” أو “التجارة”..
توجهت إلى مدينة القنيطرة للالتحاق بإحدى مدارسها التي سأقضي بها سنوات حتى حصولي على شهادة البكالوريا.. وهذه السنوات الأولى التي قضيتها بالمدينة كانت بمثابة الجحيم.. لا بيت يأويني ولا أحد يساعدني على تحقيق ما جئت من أجله، الشيء الذي جعلني تلميذا “متجولا” بين هذا البيت وذاك.
مع حصولي على شهادة نهاية السلك الإعدادي أو ما كان يسمى آنذاك بـ “البروفي” بمعدل ممتاز ومتميز، بدأت بروز أولى التحولات في شخصيتي حيث انخرطت في المجال الدعوي. كما أن نيلي شهادة البكالوريا بمعدل عال، فتحت أمامي أبوابا شاسعة لمواصلة الدراسة العليا خاصة وأني اخترت التخصص في العلوم الرياضية.. وما أدراك ما العلوم الرياضية.
إذن، فالأسرة والبادية والمدرسة والنضال السياسي…إلخ، كلها عناصر ساهمت في بناء شخصيتي ومكنتني من تشكيل وعي خاص برغباتي وحاجياتي ورسمت لي طريق الاستمرارية وتحدي الصعاب. فعلاقتي بوالدي، مثلا، كانت دائما علاقة مبنية على الاحترام والتقدير، كنت أختلف معه في أمور عديدة لكنه كان بالنسبة لي مدرسة تعلمت منها أساسا مسؤولية تدبير حياة الأسرة، بكل صدق أبوح لك، وبكل فخر واعتزاز، أني تعلمت من هذا الأب معنى خدمة الوطن، خدمة المجتمع، خدمة العائلة، الصبر والنضال…إلخ.
في نفس هذا المنحى، لا يجب أن أنسى تأثير (مدينة القنيطرة) وما ألحقته من تغيرات في تصرفاتي وأفكاري، وبالتالي لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر إليها وإلى كل العائلات التي احتضنتني وإلى الأصدقاء والأخوة الذي كانوا لي سندا في زمن المحنة والشدة.

*تعلمت من الأب معنى خدمة الوطن…*

– كيف ساعدتكم هذه الخلفية الأسرية والبيئية على مواصلة تعليمكم الجامعي؟
– اخترت وفضلت أن أبقى وفيا للقنيطرة فالتحقت بجامعتها قبل انصرام العقد السابع من القرن الماضي.. كانت لي مناسبة لتعميق معرفتي ونشاطي بالمجال الدعوي حيث وجدت نفسي عضوا بارزا في الحركة الإسلامية التي بدأت في الانتشار والتوسع محليا ووطنيا. إذ كنت من الأوائل الذين انخرطوا في الشبيبة إلى أن انسحبت منها سنة 1983 بسبب الأحداث التي وقعت جراء مقتل عمر بن جلون ثم بسبب الصراعات داخل الشبيبة نفسها. هذا المكون الفكري سمح لي بممارسة العمل الثوري والسري معا والعمل على مواجهة النظام الحاكم والتأُثر بفكر الإخوان المسلمين وخاصة فكر المحنة وليس فكر البناء.. وشاءت الظروف أن يكون اسمي ضمن قائمة مؤسسي حركة الشبيبة الإسلامية بالقنيطرة برعاية من أحد الإخوان.
تجاه هذه الوضعية الصعبة والمشحونة بالصراعات الإيديولوجية والسياسية، اخترت ألا أواصل دراستي الجامعية والتوجه مباشرة إلى معهد الإحصاء سنة 1985. وأعتقد أن هذه السنوات التي قضيتها داخل بناية المعهد صاغت شخصيتي وأعطتها معنى جديدا، ومنحتني القدرة على إعادة النظر في العديد من المفاهيم والأفكار، خاصة وأن ذلك تزامن مع ظهور بوادر التحول داخل الشبيبة الإسلامية بقيادة عدد من الإخوان على رأسهم: محمد يتيم، عبد الإله بن كيران… ويمكن أن أصف هذه المرحلة التي تميزت بدخولي إلى الجامعة وخروجي من الشبيبة الإسلامية، بمرحلة الانتقال من حركة سرية ثورية إلى جمعية الجماعة الإسلامية معترف بها حسب القانون المنظم لتأسيس الجمعيات بالمغرب (قانون 1958). وتم الاتفاق على أن تنطلق هذه الجماعة الإسلامية من إيمانها بإمارة المؤمنين والاشتغال في العلن مع كل الذين يشتغلون في نفس الحقل. وساهمت الجماعة في تأسيس العمل الطلابي بمشاركة عدد من الأصدقاء من بينهم: المقرئ الإدريسي، مصطفى الحيا، عبد القادر عمارة، سليمان العمراني…إلخ.

ارتباطا بهذا السياق، هل كنتم ترون أن الجامعة المغربية هي فضاء للمعرفة وليست فضاء للصراعات السياسية والإيديولوجية؟
– صحيح.. لا زلت أتذكر أن تلك الصراعات التي كانت تشهدها مختلف ساحات ومدرجات الجامعات الوطنية جعلتني أطرح نفس هذا السؤال:
هل هذا هو مسار الجامعة المغربية؟
شخصيا، تعتبر الجامعة فضاء لإنتاج المعرفة وليس للتقنيين، وألاحظ اليوم أن خطابا تتداوله العديد من الألسن جعل الجامعة مؤسسة لتفريخ الأطر التقنية ليس إلا. لا يمكن بأي حال من الأحول أن تنحصر وظيفة الجامعة في إنتاج التقنيين، وإنما هي بنية لإنتاج نخبة متعددة التخصصات، بل هي شبيهة بمشتل لتزويد سوق الشغل بالكفاءات ذات المستوى العالي والراقي في تحصيل مختلف المعارف والعلوم، والمساهمة في تكوين الأطر والمواهب على حد سواء. وقد سبق لي أن كتبت مذكرة في هذا الموضوع سنة 1983 بعنوان: “من أجل حوار بين المكونات الثلاثة: المكون الإداري والمكون التربوي والمكون الطلابي”. وجاء في هذه المذكرة أننا سنضيع على المغرب فرصا عديدة إذا لم ننتبه إلى أننا نحتاج إلى إنتاج معرفة تستجيب للظرفية التي كانت بلادنا تمر منها. كما نبهت إلى ضرورة تأسيس ثقافة للحوار بين مختلف الفرقاء ونبذ العنف والصراع الذي لا معنى له.

يتبع

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *