قصة من إبداع: فاطمة البسريني

قصة من إبداع:  فاطمة البسريني

الآتــــــــــون

           فاطمة البسريني

سندمر يوما ما، جدران سجننا !
سنتكلم إلى من سيجيبنا !
على يدنا سينتهي عهد الأحياء الأموات،
لن تكون لهم أسرار بيننا.
يوما ما سنستقل سفنا فضائية تقلع !.
ــ هل من الممكن أن نعرف ما يحدث؟
ــ نعم نحن أحياء لا تعرفونهم أنتم، إننا آتون من حيث لا أحد يعلم، ومجيئنا لا ريب فيه !.
إنه أخذ ورد، ذهاب وإياب إلى متاهات لا حدود لها، في أسفار وحيدة، من خرج منها، كان يبحث عن الآخرين، دون أن يلتقي بهم، فقط نور النهار، جمع قطيعهم المشتت، كانوا يحاولون أن يولدوا من جديد بعمليات قيصرية مشوهة، أو ببقر بطونهم في محاولات يائسة للانبعاث منها، بصعوبة وآلام حقيقية عنيفة وصرخات مدوية وممزقة, لكنهم يرجعون مرة أخرى، ويعودون في محاولة ولادة أخرى وعمليات غير محدودة لا تنتهي!
الليل مسح آثار خطواتهم، تنافرهم وتوهانهم كان معديا، دون أن يتمكنوا أبدا من الاتصال مع بعضهم البعض، كما قرود مسلوخة جلودهم، جاحظة عيونهم، فارغة، ومليئة بسواد حالك، تائهون في أدغال شيطانية صقيعية، رطبة، لا متناهية. إننا سنأتي، حتما سنأتي، لإبادة هؤلاء الأحياء الأموات، فانتظرونا.
ستتعلمون كيف تبنون طرقكم اليوم، لأن أرض الغد غير آمنة، ولأن المستقبل لا يفي بعهوده،
ستعرفون أن الشمس قد تحرق، 
ستتعلمون أن السكين النظيف اللامع قد يترك جرحا عفنا،
ستتعلمون أنه مهما انكسرت قلوبكم, فالعالم لن يتوقف عن الدوران.
ونحن آتون، إننا آتون..
كان الأحياء الأموات يحسون في الأحيان التي يكونون فيها أحياء بلفحات أنفاس تلمسهم، وهمس كلمات موجهة لهم، وبنظرات باردة تخترق ظهورهم، وبأن هناك من يمر بمحاذاتهم دون أن يروه.
لكنهم مستمرون في غيهم ولغطهم وتباعدهم، لا يبالون ولا يهتمون.
كان من بينهم الآليون، ومنهم الشياطين المردة، ومنهم الجثث التي تمشي،
يعرفون أنهم يموتون العديد من المرات،  رغم أنهم ما زالوا أحياء يرزقون.
وكان السفلة المسلوخين يتحدثون باشمئزاز وتقزز وغضب عن مجيء الدين سيأتون والشرار الناري الأحمر والبنفسجي يتطاير من عيونهم المفقوءة.
الأيام تمر والليالي الحالكة تبقى وهم يتساءلون:
ـــ من هم؟ ــ من هم؟؟
ـــ هل هم من الجن؟ أم من الملائكة؟ ــ أم من الآليين؟ أم هم بشر كاملون؟
كان الخوف والرعب يتآكلهم وهم ينظرون إلى بعضهم شزرا..
وكما لهيب المفرقعات الذي ينطفئ بسرعة لا يتركون وراءهم سوى الظلام والصقيع البارد المجرم.
من بين تلك البقاع المليئة بقذارتهم ودمائهم المتخثرة كأنها الرمال المتحركة، انبعث فيهم نذير شؤم:
ـــ سوف ينتهي عهد الأرض، سوف يأتون وليكن في علمكم أنهم من الجان! من الجان!
ــ سوف يلبسونكم، لا سبيل لكم، لا سبيل لكم…
وكانوا يسألون وقد تدلت أعضاؤهم المتقرحة، وشرر خافت يضيء ويظلم في عيونهم الباهتة كلما تناقلوا الخبر بينهم,
هم متأكدون أن من سيأتون هم بينهم منذ زمن لكنهم لا يرونهم أبدا وأنهم سيلقون حتفهم على أيديهم لا محالة،
وكانوا يسيرون فرادى ليرموا بأنفسهم في تلك الهوة السحيقة التي لا قرار لها، فتطحن جثتهم،  وتتناثر أشلاؤهم في كل مكان مخلفة صدى صرخات مفزعة لا نهائية وروائح كريهة، ودخانا كثيفا أسود متصاعد يغطي الكون كله.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com