المَقاماتُ القًطْعانيّةُ

المَقاماتُ القًطْعانيّةُ

مَقامةُ الأديباتِ الفاتناتِ

( حِكاياتُ مُحَمّد بن ياسين عَبْرَ الأيامِ والسنين )  كاتِبُها وناسِجُها مُحَمّد ياسين خليل القطعاني

اعلمْ ـ رعاكَ اللهُ ـ أنّ ابنَ حمدين أحدُ النقادِ المعروفين، وله صديقٌ حَميم من الأدباءِ المشهورين، وهو أحَدُ الكبار، وله صِيتٌ واعتبار، ذو منزلةٍ عالية، ومكانةٍ سامية، في الشعرِ له علامةٌ، وفي السرد له رَزانةٌ، إذا تحدّثَ أفادَ وأسْمعَ، وإذا نَقدَ أصابَ وأوْجَع .

واعلمْ ـ حفِظكَ الرحمن ـ أنّ الرّجلَ كارهٌ للنساءِ ، كُرهَ النارِ للماءِ، ويَسِبُّهنَّ صَباحَ مساءَ ، لِنُصْرةِ الرجالِ نَجْمٌ ساطِع ، وعلى رِقابِ النساء سَيْفٌ قاطع، إذا أحبًّ تَحدّثَ وأفصحَ ، وإذا كَرِهَ تكلّمَ وأقبح .

اعلمْ ـ حًفِظَكَ الحافِظ ـ أنّهُ يُحدثُكَ عن كَيدِهُنّ، ويَضْربُ لك الأمثالَ عن غَمْزِهُن، ويَسْرِدُ لك الحكاياتِ عن لَمْزِهُن، ولا يُطيق ذِكرَهُن، ولا يَودُّ رؤيَتَهُن، حتّى أنّه مَسَحَ مِن قاموسِه الضّميرَ: هُنَّ .

واعلمْ ـ سلّمَكَ الله ـ أنّ الرجلَ يقولُ، في كُلِّ مَجالٍ يَجول :

ـ إنّهُن الشّر كالزّعازعِ، يُشْعِلنَ النارَ بلا مُنازع ، وليسَ لَديهُنَّ وازِع ، ما عِندَهنّ شيءٌ نافع، وما يُرْضِيهُن شافِع ، لَيْتَهُنَّ كالرّجالِ فيهم الخيرُ كالصّوامع، هُم مَنْ يُعَمِّرونَ البَلاقع ، ويَرْفعُ سبابتَه إلى أعلى  ويُقسم :

ـ النّساء هُنّ الفتنةُ النائِمة، وأُسُّ الفُرقةِ الدّائمة ، يَدّعينَ الظُّلمَ والمَظْلمة، ويَصْرُخْنَ طالباتِ الرّحمةَ والمَرْحمة ، أخْرَجْنَ آدمَ مِن الجِنان ، حتى أصابَه الخُسران، ويَبْكينَ بدِموعٍ سيّالة، ويَخدعنَ الفُرسانَ الخيّالة ، يُكرّرنَ أنّهنّ مِن الضّعفاء، ليس لَهُن ّنُصَراء، وهُنّ وَراءَ كُلِ بَلاء، مِنْ خُبْثِهن تَرْتَجُّ الأرضُ والسّماء ، تَشْهد بِذلكَ الوِدْيانُ والبَيْداء .

اعلمْ ـ أبقاكً الله ـ أنّ الرّجلَ على النّساءِ ناِقم، ولِكُلِ جِنْسِهنّ شاتِم ، يَتّهِمُهُنّ بِكُلِ باطِل، ويَصِفُهُنّ بكلِ عاطِل، وعنهُنَّ يقول :

ـ  إنّهُنّ حَبائِلُ الشّيطان، وفِتْنة ُالشُّيّابِ والشُبان، شِعرُهن ضَعيفٌ مَرْذول، وسَرْدهن رَتيبٌ  مَهْزول، كَلامُهن كَثير، دَمْعُهُنَّ غزير، ويَكْفُرْنَ العَشير، يَطْلبن الثّناءَ والمَدْح، ويُحْبِبْنَ النّميمَةَ والقَدْح.

اعلمْ ـ نضّرَ اللهُ وجهَكَ ـ أنّ الرّجُلَ يُرَدِّدُ ذلكَ في مُنتدياتِ الرِّجالِ، فيحظى بالتّرْحِيبِ والإقبال ِ، ويتجنبُ أمسياتِ رَباتِ الحِجال، حتّى صارَ علماً في هذا المَجال .

واعلمْ ـ أنارَ اللهُ بصيرَتَك ـ أنّ ابنَ حمدين تحايلَ على الرجلِ الضّليل؛ ليُغيرَ فِكْرَهُ ، ويُصلحَ عقيدتَه، فاحتالَ عليه لِيُعيدَه إلى فِطرتِه، ودعاه إلى نَدوةٍ للأديباتِ، والمُبدعاتِ من الشّاعرات، والكاتباتِ السّاردات، ومَعَهُنَّ الناقداتُ الحَصيفات، فتَرَدَّدَ، وتفكَّرَ، وارتابَ، وخافَ مِنْ لَوْمِهُنَّ لهُ والعِتاب، فهو عِنْدَهُنّ من شَرِ الكُتاب، وعَلامةٍ على قَسْوةِ الخِطاب، فطَمْأنَهُ ابنُ حمدين أنّهُ سيكونُ له ضامنٌ، وعلى سَلامتِه آمن .

واعلمْ ـ أطالَ الله عمرَك ـ أنّ ابنَ حمدين صَحِبه حيثُ النّدوة، وقلبُ الرجلِ صارَ مِثلَ العَجْوة، فَهو مُقبلٌ على امتحان، وفيه يُكرم المرءُ أو يُهان، فَلو إحْداهُنّ استعادتْ ما قالَه مِنْ إساءة، وذَكرَتْ ما أشاعَهُ مِن بَذاءة، لَنالتْهُ الأظافرُ والأسنان، وقَطَعْنَ منه الأيديَ والأرجلَ واللِّسان .

واعلمْ ـ أعَزّكَ اللهُ  ـ أنّ ابنَ حمدين  لمّا رآه في وَجَل، وتَغَيّر َلونُه من الخَجل، وجاءتِ السّكرة، وغابتِ الفكرة  طَمْأنَه :

ـ إنّ الأديباتِ بهِ مُرحبات، وسامَحْنَه عمّا فات، وعليهِ بالنّظرِ فيما هو آت، فَجَلسَ على المَنصةِ في وَقار، واستَمعَ لِما نَظَمَتْه الشّواعرُ من أشْعار، وما كَتَبَتْه السّارداتُ مِن أسْفار، فرَضِيَ عمّا سَمِع واستَرْضَى، وامتَدَحَ الناقداتِ، وشَكَرَ، وأثْنَى .

واعلمْ ـ حَفِظكَ الرّحمن ـ أنّ مديرةَ النّدوةِ طلبْتْ إليه أنْ يُلقيَ الكلمة، فلمّا شاهَدَها كالقَمَرِ في استدارتِهِ، وكالشّمس في أشعتِهِ ،انتصبَ خطيباُ، وقالَ :

 ـ وَرَبِّ الكعبة، إنكنّ الشّاعرات الفَاتنات، نِعْمَ الكلماتُ والإحساسات، إنّكُنّ القِيمُ والقامات، والذي نَفْسي بيدِه مَنْ يدَّعي غَيْرَ ما أقول، فَذاكَ ظالِمٌ جَهول، ولا يُعدُّ من العُدول.

ـ  إنّكُنّ الحِسان، ورُمانَةُ المِيزان، وطلاقةُ اللسان، وفَصيحُ البيان، وكارِهُكُنَّ في السّعيرِ والنّيران، والضمير: (هُنَّ ) نَجْمةُ النّحو والصّرفِ والبيان.

وظَلّ يُقَرِظٌهُنَّ بكلامٍ مَددَ، وأقسمَ بَعْدَ ما عرَقُهُ فَصَد:

ـ  وَحقِّ مَنْ رَفعَ السّماءَ بلا عَمَدٍ، وخَلَقَ الإنسانَ في كَبَدٍ، إنّكُنّ الباهراتُ المُبْهرات، الفَصيحاتُ البليغات، ومَنْ يُنكرْ فَما لهُ مِن عَقل، إنّما هو الضّعيفُ الخَطْل، أنتنَّ رَباتُ الحِجالِ، ومَواطِنُ الجَمال، لا عَليكُنَّ مِن دَعاوى الدّهماء، فهُم مِن العامةِ والغوغاء.

واعلمْ ـ رَعاكَ الله ـ أنّ ابنَ حمدين مِن كَلامِ الرّجُلِ في عَجَب، فقد غيَّرَ كلامَه، ويُريدُ مَعْرِفَةَ السّببِ، فقال الرّجُلُ  لهُ وهو مُنشرحُ الفؤاد، طويلُ العماد:

ـ اعلمْ يا ـ بنَ حمدين ـ أنني لمّا جَلسْتُ وَسَطَ النّساء، أجَلْتُ النّظرَ، وزالَ عَنيَّ الخَفَر، فقلتُ لنفسي تَطّلعْ، ولا ضَررَ، فكأني ـ  واللهِ ـ في جَناتِ، فالأديباتُ الحاضِراتُ مُتَخَصّراتٌ أنْيقات، مِنهُن المُتَبرِجاتُ كالحورِياتِ ، والكاسياتُ الأنيقاتُ كالفَراشاتِ ، فَواحِدَةٌ عيونُها دَعْجاء، وثانيةٌ طَويلةٌ هيَفاء، وثالثةٌ بَضّةُ سَمراء، ورابِعةٌ رَشيقةٌ بَيضاء.

  ـ واللهِ يا ـ بنَ حَمدين ـ يفوحٌ مِنهنّ المِسْكُ والطَّيب، الذي يَجْعلُ المَريضَ َيشْفى ويَطيب، فَهذه خَدُّها أسيل، وأخْرى ضِحْكتُها صَليل، ثُمَّ تنَفّسَ منْ خياشيمِهِ، وأكملَ:

ـ اعلمْ أنّهنّ مَنْبعُ الجَمال، ومَصْدرُ الخَيال، إنّهُنّ إلْهامُ الشّعراء، وقَريحَةُ الخُطَباء، إنّهنّ فاتِناتٌ حِسان كأنّهنَّ اللؤلؤ والمَرْجان.

ـ واللهِ يا ـ بنَ حمدين ـ  إنّهنَّ ظِباءُ وغُزلان، وغَيرُهُنَّ حَيّاتٌ وغِرْبان، فلمّا رأيتُ ذلكَ أدْرَكْتُ أنّني أخْطأتُ فيما سَلف، وأقْسمْتُ أنْ أُصْلِحَ التّلف، وَنَدِمتُ عَلى ما فعلت، واللهُ يتقبلُ تَوْبتي، ويَغْفرُ حَوْبتي .

اعلمْ ـ رَعاكَ اللهُ ـ أنّني قابلتُ الرّجُلَ بعدَ سَنوات، وحولَهُ سَبْعُ بنَات، كأنّهُنّ الوَرْدَات، فنَظَرَ إليَّ في استعلاء، وقالَ في خُيلاء:

ـ لقد تزوجْتُ إحدى الشّاعرات، وهؤلاءِ بناتي، وأمُهُنّ مُديرَةُ اللقاء ،الذي سَعَيْتُ إليهِ بقَدمَيَّ، وذلكَ هو الجَزاء .

وإلى هُنا أتوقفُ عن الكَلام، وألقاكُم في القادمِ من الأيام، وعليكُم السّلام . 

( محمد ياسين خليل القطعاني ) : مصر/ الكويت  

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *