قصة قصيرة جديدة للكاتب : محمد ياسين خليل القطعاني

زهرة … ليست زهرة!

وَحْيُ أتاني، هَمْسٌ لطيفٌ في أذني، لمسةٌ حانية على كتفي، ريحٌ ناعمةٌ أحاطتني، هذه المرةُ هي خاتمةُ رحلاتك المُضْنيةِ لإنجازِ معاملتكَ المُتعسرة، فَحملتُ أوراقي وهَرولتُ.
يَمّمْتُ وجهي نحوَ هذا المبنى العتيق، هذا البناءُ الذي تحتلُ الرطوبةُ جدرانَه منذُ زَمنٍ، رطوبةٌ مُزركشةٌ من السّواد والخضرة وبعض اِلخطوط ِالمُتعرجة والطّحالب.
أخبرني مَنْ هو عالمٌ ببواطنِ الأمورِ وظواهرِها أنّ مديرةً جديدةً اضطلعتْ بإدارة هذا القسم، بعدما تناثرتْ شكاوى المُترددين عليه من ْعَنتِ موظفاتِه، وسوءِ ما يستقبلنْ به من يقصِدهن، وأضافَ مُقْسِماً بأغلظِ الأيمانِ جازماً:
ـ إنها قاسية … حازمة.
كثيراً ما ترددتُ على هذه المكاتبِ التي كانت ْفي سالفِ الزمانِ بُنيَّة اللون، بمرورِ الأيام ِتبدلَ حالُها، منها ما يُعْتقَدُ أنّهُ مُزين بورودٍ، تلكَ الورودُ خاصمتها ألوانُها حتى صارت بلون واحدٍ، فتخالُها تلتمسُ مِمَنْ يقعُ بصرُه عليها أنْ يرحمَها، أو يرأفَ بها ويحملَها إلى صندوق ِالقمامة، فقد تعبتْ من نظرةِ ازدراءِ المراجعين الذين يلوكون شفاهَهم كلّما وقعتْ نظراتُهم عليها.
مكاتبٌ متراصةٌ كحباتِ عنقودِ الكروم في صالةِ المُراجعين الفسيحةِ، من هذهِ المكاتبِ التراثية مكتبٌ غادرتْ إحدى سِيقانِه مكانَها ولم تعدْ حتّى الآنَ، بحثوا عنها طويلاً، فلم يهتدوا إليها، ِأثبتوا هروبها في سجلِ الأحوالِ، لا يزالُ يتأرجحُ على الثلاثِ الباقياتِ ذاتَ اليمين وذاتَ الشّمال.
مَن ْتجلس خلفَه راضيةً به، فكلٌ منهما ألِفَ الآخر، لا تأبه برقصاتِه العشوائيةِ المترنحة، ولا بأصواتِ أزيزِه التي تَصك الآذان، لا تخشى ميلَه عليها فجأةً، فيصيبها بمكروهٍ، فقدمُها أسفلَه عِوَضاً عن قدمِه المفقودة.
مكتبٌ آخرَ بجوارهِ ينوءُ بحملِ ملفاتٍ لأقوامٍ ودعوا الحياةَ الدنيا، ولايزالُ أولادُهم يترددون على الموظفاتِ لاستكمالِ الأوراقِ الناقصةِ التي لا تكتملُ أبداً.
أوراقٌ تتوسدُ بعضَها في سكينةٍ فوقَ سَطحِ أحدِ المكاتب تظنُها غَفَتْ، ونسيتْ أنّها غَفتْ، ولا رغبةَ لها في البعثِ مرةً أخرى.
في أقصى الصالةِ مكتبٌ يزهو بنفسِه حديثُ العهدِ بينَ أقرانِه، فلا هذه المكاتبُ بلونِه، ولا هو مِثلُهم، صاحبتُه مِنْ ذوي الشّأن، ابتاعته لحسابِها تفاخراً بينَ زميلاتها.
في كُلّ صباحٍ تنثرُ عليه زخاتٍ من عطورٍ تجعلُ بقيةَ المكاتبِ تستنهضُ رمقَ ما تبقى فيها من حياةٍ، ثم تُملسه بمِنشفةٍ حريريةٍ صفراء فتحسده بقيةُ المكاتبِ، وتودُّ لو كُنَّ مكانَه.
حَفِظَ وجوهَ الموظفاتِ، وتفاصيلَ أجسامِهنّ مِنْ كثرةِ ترددهِ عليهنَّ، هذه نحيفةٌ طويلة كطولِ ليلِ المديون لجيرانه، وتلكَ بدينةٌ رَجراجة تفترش ُعجيزتُها المَقعد كله، وتفيض بما لديها من نِعمٍ حولَه، وتزهو بسمنتِها كونها دليلَ عِزّ.
وأخرى ضامرةُ الوجهِ عابسة، جعلتْ من مكتبِها خُوانا؛ لَعلّها تنالُ بعضَ ما عند الرَجراجة من خيراتِ تزيدُ عن حاجتِها خاصةً ما سَفُلَ منها تحتَ الخصرِ إلى الركبتين.
أمّا الثالثةُ فهي التي تستقبلني بابتسامةٍ، فأشعرُ بالاطمئنانِ، تحملقُ في أوراقي، تنظرُ إليّ مَلياً، ثم تعودُ تتفحصُ أوراقي، فيكفهرُ وجهُها، تصمتْ صَمْتَ المقابر التي دَرَسَتْ، ثم تصرخُ في وجهي بصوتٍ عالٍ على حين غفلةٍ مني :
ـ اذهبْ إلى الغرفةِ الخامسة. ِ.
في كل مرة لا أعلم لماذا تبتسمُ؟ فأطمئن، ثم تحملق، ثم تكفهر، ثم تصمتْ؟ ولماذا تصرخ في النهاية؟
أسرعُ مُهرولاً إلى مكتبِ مَنْ أمرتني بعدَ أنْ لمْلمتُ أوراقي، واصلاً الغرفةَ الخامسة حيثُ تجلسُ ضالتي، أعرفُها جيّداً فهي مَنْ ألصقتْ مساحيقَ التجميل كلها على وجهِها حتى غابتْ خِلقة الله، لكنْ لا فائدة، المساحيقُ لم تُغير شيئاً، يبدو أنَّ العيبَ في المساحيق.
تناولتْ مني الأوراقَ بأطرافِ كفٍ ظننتُه من خَشَبْ، حدّقتْ فيه حتى أيقنتُ أنّه كفٌ بشريٌّ، أخذتْ تنظر إليّ طويلاً من أعلاي إلى أسفلي حتى خِلْتُ أنني مَطلوبٌ لقضايا ما، باغتتني بصوتٍ ناعم، وفي رقةٍ مُريبة قائلة:
ـ انتظر المديرة الجديدة الأستاذة (زهرة)، هي قادمة بعد قليل، هي الآن في المصعد.
في أقصى يسار غرفة الموظفات تجلس أخرى مُتصابية خلفَ كومةٍ من ملفات ِالمراجعين تَلْبس من الملابس أضيقَها، ومن الألوان أزهاها، ومن العلامات التجارية أغلاها، طول الوقتِ رأسهُا مُنكَفئةٌ على هاتفها، أصابعُها تداعب مفاتيحَه، فجأة تنطلقُ ضحكاتُها التي يُعاقب عليها قانونُ الأصواتِ من خلفِ كومة الملفات، فتفطنُ إلى وجودِها ووجودِ تلك الملفاتِ التي انتفختْ كأنها في أسابيعِ حملِها الأخيرة.
من رُكْنِها الركين تنطلقُ آهاتٌ وتأوهات، وأحياناً حديثٌ بصوتٍ غاضب يدلُ على أنّها تتشاجرُ مع شخصٍ ما، ومراتٌ تناجي شخصاً بهمسٍ مصحوبٍ بتسبيل العينين والعبثِ بخصلةِ شعرٍ لم يتبقّ فيها الا شعيرات قليلات، هي وحدها تسمعه، كلُ زميلاتها المتواجداتِ معها مُتأكداتٌ مِنْ عدمِ وجودِه، لكنْ تأثيرُه على ملامحِها ظاهرٌ بيّنٌ.
صوتٌ من داخلي يسأل:
ـ أتكدّسُ هذه الكومة من الملفات على مكتبها بسببِ من يُحادثها؟
رَمَقْتُ مَقعداً خالياً في نهاية غرفة الاستقبال مقابلَ المصعدِ، جلستُ متأهباً لقدومِ المديرةِ الجديدة، بعد لحظات انفتح بابُ المَصعد، خرجتْ منه امرأة في نهايةِ العقد الثالثِ من عمرها ترتدي عباءةً سوداء، تضع نظارةً أشدّ سواداً على عينيها، تلفعُ وجهها الأبيضَ بمِلْفع يحجب الجبهة والأذنين وبعضَ الذقن، خلفها مُساعدتان، سَمعتُ إحداهما تشيرُ إليَّ وتقول:
– هذا هو صاحبُ المعاملةِ.
أشارتْ إليّ المرّأة ذات النظارة السوداء بِإصبعها السبابة أنْ أتْبعني، واستمرتْ في سيرها، أطعتها داعياً أنْ يكون َالفرج على يديها، وأنْ يكونَ ما سمعته عنها عينَ الحقيقة.
في طريقها إلى مكتبِها تمشي مِشيةً عسكرية مُنتصبةَ القامة بخطواتٍ مُتباعدة، تُشعرُك أنها ستواجه الأعداءَ بعد قليل، لا ينقصُ هيئتُها سوى عدةِ نياشين تُزين جانبَ صدرِها الأيسر.
قُبيل توجهي إلى مكتبها أخذَ لساني يَلْهجُ ببعضِ أدعية قضاء ِالحاجة التي أحفظُها جيّداً بسبب ترددي على هذه المكاتب منذ آمادٍ طوالٍ، منْ قلقي بعدَ رؤيتي الأستاذة (زهرة) نسيتُ أغلبها، خلطتُ بعضَ الأدعية ببعض، فرددتُ بعضَ أدعية تثبيت الميت عند سؤال القبر بدل أدعية قضاء الحاجة وتيسيرِ العسير.
أمامَ بابِ مكتبها وقفتُ مُظْهراً أدباً لمطابقة مقتضى الحال، أشارتْ إليَّ بالدخول بإصبعها السّبابة، كدتُ أتعثرُ في طرف ِالسجادةِ الفخمةِ، تناولتْ أوراقي مني بأناملها، لاحظتُ أنّ أصابعَها طويلة ورقيقة وممتلئة، قطعَ لحظات الصمتَ صوتُها الجهوري مُناديةً ًإحدى مرؤوساتها.
سَرْعان ما لبّت الدعاءَ من ذكرتْ اسمَها، ولعجبي فهي البدينة الرَجراجة، فكيف طارتْ من مَقعدها إلى هنا بهذه السرعة؟!
نالها من التوبيخ ما قُدرَ لها أن تنالَه وهي واقفةٌ مذعورةٌ، أمرتْها أن تُخبرَ زميلاتها بإنهاءِ هذه المعاملةِ الآن، وكررتْ كلمة… الآن.
هنيُهات من الزمنِ تحولت الموظفاتُ إلى نَحْلاتٍ، كُل واحدةٍ منهن تُوقع على المعاملةِ، وتسلمُها للأخرى، وطَرقَ أذني صوت ُالخاتم الحكومي الرسمي وهو يتهاوى على الأوراقِ يُقَبِلُها كأنه صوتُ بلبلٍ يناغي وليفتَه على غُصنِ شجرة ٍفي فصلِ الربيعِ.
ها هي التي كانتْ تصرخُ في وجهي تَحْملُ أوراقي بعدَ أنْ رًضخَتْ للأمر، شعرتُ براحةِ بالٍ وانسجامٍ لمّا رأيتُها تقفُ مُنحنيةً ًأمامَ المديرة (زهرة) هامسةً بصوتٍ خفيض قائلة:
ـ الزميلة في الأرشيف غائبة اليوم، وسوف تعود غداً، وأعدُكَ أنْ نستكملَ التوقيعات والأختام.
رمقتْها المديرة (زهرة) بنظرةٍ فهمتُ منها أنّ موظفة الأرشيف تتمارض، ومن خلالِ نظرةِ المديرة وحركةِ يدها اليمنى صانعةً بإصبعِها السبابة دوائرَ في الهواءِ كأنها يدُ خبازٍ يقبض على كوبِ طحينٍ مثقوب، ففهمتُ أنها سوف تُحاسبها حسابَ ناكرٍ ونكير، ثم تُتْبعه بعقابٍ كمصيرِ فريسةٍ وقعتْ في مَخالب صقرٍ ضرير.
مازلتُ واقفاً أشاهدُ ما يجري واستمتعُ، حادثتني المديرةُ السيدة (زهرة) بلطفٍ مُعتذرةً طالبةً أنْ أراجعَها غداً الخميس لاستلامِ المعاملة، شكرتُها وأنا أقفُ مُستقيماً مُنكسَ الرأس مُسقطاً المنكبين إلى الأمام، وكادتْ يدي ترتفعُ لتأديةِ التحيةِ العسكرية.
انصرفتُ وأنا مأخوذٌ ممّا رأيتُ، يا لها من امرأةٍ قادرةٍ حازمة! قد أنجزتْ في لحظاتٍ ما عَجْزتُ عنه في سنواتٍ، كيف حركتْ هذه المياهَ الراكدة، وجعلتها شلالات تتدفقُ؟
وَلّيتُ وجهي شطرَ البابِ خارجاً وأنا أشعرُ بحبورٍ وشماتةٍ أيضاً، وإذ بي أسمعُ إحدى الموظفات تهمسُ لأخرى:
– والله إنِّ الرجالَ يخافون منها ؛ ولذلك لم تتزوجْ حتى الآنَ.
قلت لنفسي: لأعودنَّ بدايةَ الأسبوع المقبل إلى الموظفات مخافةَ َأن تغيب موظفة الأرشيف غداً، قد صبرتُ طويلا، ولا ضيرً من تحملِ يومٍ، أو يومين، فما دامتْ السيدة (زهرة) موجودة فالمعاملة مُنْجزة وبخيرٍ.
في يومِ الجمعةِ اصطحبتُ أحدَ الكتب، وقصدتُ الحديقة العامة القريبةَ من منزلي، لم تكن ْقدْ ازدحمتْ بعد، تخيرتُ مَقعداً خشبياً بجوارِ ملاعب ِالأطفال، وبدأتُ المطالعة، لحظات مرتْ، وبدأتُ أسمعُ أصواتَ الأطفال خلفي، عمَّ المكانَ الهرجُ واللهو والمرح والضحكات العالية، التقطتْ أذني صوتَ ضحكةٍ أنثويةٍ، وأحدُ الأطفال يقول:
– ارمي الكرة يا خالتي (زهرة).
انتقلتُ من المَقعد الذي أجلس عليه إلى مَقعدٍ آخر قبالةَ الأطفال حتى أسعدَ برؤيتهم وهم يمرحون، الأطفال يتقاذفون الكرة مع خالتهم الشابة ذات الملابسِ الرياضيةِ الضيقةِ، وخالتُهم تردها إليهم، أحدهم يركضُ وهي تتبعه، وتسقطُ على الأرض وسط ضحكاتهم، ثم تعودُ لتعدوَ خلفهم؛ وتلحق بهم، وهم يضحكون، وهي تضحك في لَطافةٍ وخفةٍ.
هذه (زهرة) وتلك (زهرة) هكذا قلتُ لنفسي، هذه (زهرة) يوم (الجمعة) المرحة سَميّةُ (زهرة) يوم (الأربعاء) الجافة، لكنْ شتان ما بين (الزهرتين)، فكم من اسمٍ واحدٍ يُطلق على العديد من الورى لكنَّ الطباع متفاوتة والأهواء شتّى!
(زهرة) يوم الأربعاء انغمستْ وسط الأوراق واللوائح والقوانين والثوابِ والعقاب فأصبحتْ القاسية الحازمةَ الجادة، بسبب ما ألقي على عاتقها من مهامٍ لا بد َّمن إنجازها.
أما (زهرة) يوم الجمعة فهي المرحة المبتهجة الشابة المُقبلة على الحياة، ترتدي ملابس رياضية تحدد مفاتنها، تركض خلفَ الأطفال وأمامهم، وحولهم.
يزداد نشاط الأطفال، فيزداد نشاط (زهرة)، تعلو ضحكات الأطفال، فتعلو ضحكات (زهرة)، تزداد توهجاً لحظة بعد أخرى، إنها أنثى ناضجة، أنثى وهي مقبلة، أنثى وهي مُدبرة، أنثى وهي تلاعبهم، أنثى وهي تمازحهم، وجهُها صار يضوي من كثرةِ اللعبِ ومجاراة الأطفال، حين تضحك تلمحُ أسنانَها في ثغرِها تبرقُ، إنها وسطَ الأطفالِ إحدى الحوريات الكاعبات التي يسري في محياها ماءُ النضارةِ.
تراها تركضُ خلفَ الأطفالِ تخالُها غصنَ بانٍ ترك جذوره، وأقبل يلهو ويزهو بنفسه بين الطيور المغردة والخضرة.
ها هي تطاردُ الأطفال، ويطاردونها، يتطايرُ شعرُها الأسودُ الفاحمُ خلفها، فيبدو جيدُها طويلاً ناعماً مرسوماً، جسدُها البضّ يدعوك إلى تأملِه، ولا يدعك تُفلته منْ عينيك.
تركضُ خلفَ الكرة، تصعدُ أشياء وتهبط في جسدها أثناء لهوها في تراتبٍ وتناعمٍ، يلهو الهواءُ بشعرِها المرة بعد الأخرى، يُغطي منها العينين المَكحولتين، تضحك بصوتٍ أغنّ، تلمسُ خُصلات شعرِها بأناملِها عائدةً به إلى الخلف.
اقتربَ موعدُ رحيل ِقرصِ الشمس إلى مغربِ الكونِ، الشفقُ يبدو في الأفق يُؤذنُ بانهزامِ يومٍ آخرَ، يومٌ ذهبَ لكنّه ليس ككلِ الأيام، لا أعلم لماذا حزنتُ عندما رأيتُ الشمسَ تلملمُ خيوطها وترحل، الأطفال وخالتُهم يحزمون أمتعتَهم إيذاناً بالرحيل كذلكَ.
أحدُ الأطفال رَكَلَ الكرة، استقرتْ عند قدميّ، أقبلتْ خالتهم؛ لتأخذَها، جاءتْ تتهادى وتهتز أشياؤها البضةُ، نظرتْ أليَّ متفرسةً، طالَ تفرسُها، وقفتْ أمامي تتأملني، شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ أنّ مثلَ هذا الجمالِ يجدُ فيّ شيئاً يجذب انتباهه، حدثتني نفسي: أنتَ ستجدُ يوماً منْ يقدرُكَ.
لا تزال تُطيل النظر إليًّ، تزداد سعادتي بإعجابها بي، أخذتُ أعدلُ من ياقة قميصي، وأتصنعُ ابتسامةً ًعلى شفتي، كمْ أتحرق شوقاً لأنثى تراني مَرغوباً، هذه النظراتُ خاصمتني منذُ سنواتٍ طوالٍ.
بإصبعها السبابة أشارتْ إليّ، وقالتْ بصوت مُختلفٍ عمّا سمعتُه منها منذ قليلٍ وهي تمرحُ مع الأطفالِ:
– انتظرتُك أمسِ.
لماذا لم تأتِ لتأخذَ أوراقَكَ؟
وقفتْ بي قدماي مُنتصباً … مَذهولاً، أدققُ النظرَ في وجهِها، أدققُ النظرَ، إنها هيَ…
قالتْ ما قالتْه، ورمقتني بنظرةِ غضبٍ، ورحلتْ.
محمد ياسين خليل القطعاني : الكويت / مصر