قصة قصيرة للكاتبة المغربية فاطمة البسريني

قصة قصيرة للكاتبة المغربية فاطمة البسريني
Source: Pixabay

ماريا

       فاطمة البسريني

وكانت هنا،(ماريا).
ماريا، تجعل حياتي تنكسر إلى أجزاء وطريقي التي رسمتها إلى شذرات.
حولت طريقي نهائيا لدرجة أنني لم أجده مرة أخرى.
لقد خربت عالمي، وجعلته يعج بالاضطراب لدرجة أنني لم أعد موجودا به.
لما صادفتها في ذلك المحل التجاري، أدهشتني وفاجأتني تصرفاتها على الفور وكأنها تناديني أن أترك كل ما أؤمن به، وكل مبادئي، كما لو كانت تأمرني أن أترك طريقي بصورة نهائية.
مر وقت علينا بعد تعارفنا وأحببتها، لكنها تخلت عني، خوفا من أن تعيش مثلي.
قالت غير مبالية :
ـ لا تتبعني، فأنت تخاف الفراغ.
إنني أعيش في نظرها بطريقة منظمة مسبقا ومدروسة، لكنها لم تكن تعرف أنها غرست في رغبة في الثورة على المألوف والسائد، قد أصبحت أعيش دون نظام أو تنظيم أو تخطيط لشيء.
كان ذلك صعبا جدا علي في البداية، لكن سهلا أيضا في التنصل من المسؤوليات والتحلي باللامبالاة، والتجاهل وعدم الاهتمام.
علمتني ( ماريا) بعفويتها التي أظن أنها خلقت بها، أن أسمع دون أن أدون شيئا في دماغي، أن ألاحظ دون تعليق، أو تعقيب على أي شيء .
علمتني أن أرى دون أن أرى، وعلمتني ألا أنصت أو أتأمل.
لقد نظرت إليها كثيرا لدرجة أنني يمكن أن أقوم برسمها، حفظتها ويمكن أن أستظهر تصرفاتها وحركاتها وسكناتها عن ظهر قلب كما درس في اللغة.
نظرت إليها طويلا، لأحتفظ بصورتها في ذهني مهما حصل لي.
لم تكن تقوم بنصحي أو إعطائي دروسا في حياتي الجديدة، بل كانت دائما ما لا تهتم لي ولتصرفاتي وتتركني أتصرف بكل حرية وكأن ذلك لا يمسها في شيء.
لم أكن أعرف إن كانت راضية على أي فعل أقوم به أو لم تكن راضية، هل منتبهة أو لا.
كان ذلك منها، يكاد يقتلني، لكن كان ذلك في بداية الأمر، من بعد، تعودت على عدم اهتمامها لأنني فهمت أنها لا تهتم لشيء أبدا ولم أكن مقصودا بلامبالاتها تلك، بل كانت توجهها إلى كل الحياة.
إن (ماريا لم تكن الحلم ولم تكن اليقظة ،لم تكن الغيب ولم تكن الواقع، لم تكن الصحيح ولا الخطأ.
إنها ليست كذبة، وليست حقيقة، لا يمكن وصفها، كانت لا تكسر، كانت متفردة.
كانت (ماريا) عبارة عن حقائق لا تعد ولا تحصى، كانت العديد من الأشخاص في جسد واحد.
كانت معادلة لا حل لها ،كانت نظرية يمكن لعالم ما أن يشتغل عليها طول عمره.
لو خيرتها مثلا أن نذهب إلى هذا المطعم بدل الآخر فكانت تكتفي بهز كتفيها، وكأن الآمر لا يعنيها، وكانت ترد ووجهها خال من أي تعبير:
ــ كما تشاء.
ولو مثلا أردت أن أثير غريزتها الأنثوية:
ـ إنك جميلة جدا، اللون الزهري يليق بك .
كانت تكتفي بالرد:
ــ ربما.
(ماريا) هي الرقة والعنف، هي الحب والكراهية، هي التعاطف واللامبالاة .
لم أكن لألومها أبدا على ما هي عليه، لأنني سأظل أراها عبر الطرقات التي أمشي عليها والتي صنعتها قدماي، وفي السماء التي تتلقفني وتلمسني كلما رأيتها.
سأرى صورتها مرسومة على جدران البنايات وفي كل مكان.
شغفي بها أفسد حياتي، أصبح في الحقيقة كما السم يسري في عروقي أو عاهة مستديمة لا يمكنني التخلص منها.
عندما افترقنا قالت بهدوء دون أي تفسير:
ــ سأذهب .
وذهبت وأنا أنظر إليها وقد تجمدت مكاني، لا استطيع اللحاق بها.
إنها من علمني ذلك، لا انفعال ولا حركة ولا تأثر.
قلبي الآن مليء بالحزن واليأس فهو لم يعد يستطيع أن يمنح ولو القليل من الحب، إنه يصبح قاسيا يوما بعد يوم، يتيما في صمته الذي يغمره ويتآكله.
منعت الطفل الذي في داخلي أن يبكي أو يصرخ.
صعب جدا أن تكون دائما في حالة انتظار، واللانتظار في نفس الوقت .
لم أعد أخجل، لأصرح أنني لا أعرف إلى أين وصلت، طريقي تشعب إلى عدة طرق.
مهما حاولت أن أخفي ذلك، فنظراتي تفر مني لتبحث عنها في كل الاتجاهات.
ولا أنكر أنني أصبحت ذلك الفتى الذي تملؤه أحاسيس متضاربة، والذي يعتريه رعب أعمى أن تلفظه هذه الحياة.
ورأيتها اليوم،
أنا لم أكن أحلم، تسمرت في مكاني وأنا أتابع خطواتها ( إنها هي، هي هناك، إنها تسير أمامي).
لم أتمكن من إطالة النظر إليها خوفا من أن تتفشى رغبتي في احتضانها ولا أقوى على ضبطها.
عندما رفعت رأسي لأنظر إليها مرة أخرى، كانت قد غادرت، ذابت وسط جموع الناس بالسرعة التي ظهرت بها.
(إنها لغز بالنسبة إلي .
كيف فعلت ذلك؟ كيف تنمحي في لحظة من أمام ناظري؟ رغم أنني على يقين تام أن رؤيتي لها هناك كانت محض صدفة وهي أيضا لم تتعمد أن تظهر لي لتلك البرهة بسرعة الضوء.
تذمرت، وأخذت أتساءل عما يحدث لي، ولماذا لا أتجاهل الأمر فقط كما علمتني.
طاف بذهني خاطر اقشعر له بدني : ( هل أصبحت مجنونا بها).

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *