تفكيك ادعاء “اختراع” الرواية القصيرة جداً

تفكيك ادعاء “اختراع” الرواية القصيرة جداً

الأدب لا يحتاج إلى أبٍ مؤسس

ان الأنواع والأجناس الادبية لا يخترعها شخص. كونها نتاج لحركة ابداعية ونقدية ولا يلغي اي جنس او نوع غيره، الرواية القصيرة جدا او الميكرو نوفيلا Short Nouvella -Vert short nouvel لها اسماء كثيرة متعددة تدل على التكثيف والقصر وذات وجود عميق منذ عقود طويلة ومع ما نشهد من تطورات في التلقي تنشط جميع الأنواع المكثفة والقصيرة والقصيرة جدا ، ويتواصل الابداع …والتجارب السردية المثيرة.
في هذا الإطار ، وصلتنا من الأستاذ “حميد عقبي” مشكورا ، ورقة عمل عن الرواية القصيرة جدا تستحق التأمل والدراسة المتأنية .

الوان

دفاع عن الوعي الأدبي والتاريخي

            حميد عقبي

تتعدد الأجناس الأدبية تبعًا لتحولات الوعي الإنساني وتغير أدوات التعبير، ولكن من الخطأ اختزال هذه التحولات بادعاء اختراع أجناس أو نوع جديد وكأنها قفزت من العدم. في السنوات الأخيرة، راجت مزاعم حول “اختراع” الرواية القصيرة جداً في العالم العربي، وتحديدًا من بعض الكتّاب الذين يخلطون بين الاجتهاد المشروع والادعاء المفرط، مما يستدعي وقفة نقدية تضع الأمور في سياقها الصحيح.

الرواية القصيرة جداً: أصل لا اختراع

الرواية القصيرة جداً ليست اختراعاً، بل تطوّر طبيعي داخل جنس الرواية، ارتبط بتحولات جمالية ومعرفية منذ منتصف القرن التاسع عشر. كتب أنطون تشيخوف نصوصًا يمكن تصنيفها ضمن هذا الشكل، كما أنتج كافكا وهمنغواي وستاينبك نصوصًا تتسم بالتكثيف السردي والاقتصاد في اللغة، وهو ما يُعد من صلب شروط هذا الجنس.

الرواية القصيرة جداً، بما تحمله من بنية درامية مضغوطة، شخصيات محددة، تحولات زمنية، ودلالات كثيفة، هي جزء من تطور طبيعي للأدب السردي، وليس قفزة مفاجئة. ومن ثَمّ، فإن نسبتها إلى شخص واحد أو ثقافة واحدة هو تقزيم لهذا التاريخ وتزييف معرفي.

من أين جاءت التسمية؟

مصطلح “very short novel” أو “micro-novella” معروف في النقد الأدبي الغربي منذ عقود، ولا يحتاج من يكتب في هذا المجال إلى”اختراعه” من جديد. بل إن هذه المصطلحات حين تُترجم إلى العربية بصيغة “الرواية القصيرة جداً”، فهي ترجمة طبيعية ودقيقة للسمات العامة لهذا الجنس، ولا تعني أن من يستخدمها من الباحثين أو الذكاء الاصطناعي متخلف أو جاهل.

إن الترجمة لا تصنع اختراعاً، كما أن الذكاء الاصطناعي حين يستخدم المصطلح لا يزعم الريادة. ولا يمكننا أن نطالب النقاد حول العالم بأن يرفقوا المصطلح الأجنبي بترجمته العربية لاعتراف ما أو شرعنة زائفة.

الادعاء بأن أحد الكتّاب العرب هو أول من طبع كتاباً بعنوان “رواية قصيرة جداً” لا يعني أنه أول من كتب هذا النوع، لا يمنح مؤلفه صك الريادة المطلقة، بل يدخل ضمن سلسلة من المحاولات العالمية والعربية السابقة.

الإبداع لا يحتاج لتبرير استهلاكي:

من المؤسف أن بعض مناصري هذا الشكل يبررونه بأنه يساير زمن السرعة و”الذائقة الحديثة”، فيضعونه في خانة الوجبات السريعة لا الفن العميق. الأدب ليس تطبيقًا رقميًا ولا خدمة توصيل، بل شكل من أشكال المقاومة الجمالية للسطحي والعابر.

الرواية القصيرة جداً في الأدب العربي: مساهمة لا ريادة فردية

        نجيب محفوظ
احسان عبدالقدوس
يوسف إدريس

نعم، ثمة كتاب عرب كتبوا في هذا النوع، ومنهم من أبدع فيه، لكن لا أحد يمكنه أن يدّعي ريادة مطلقة أو اختراعاً. يوسف إدريس، احسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وغيرهم ، كلهم كتبوا نصوصًا مكثفة يمكن تصنيفها ضمن هذا الإطار.

لا صكوك اختراع في الأدب:

الرواية القصيرة جداً جنس أدبي قائم وله خصوصيته، لكنه ليس اختراعًا عربيًا ولا إبداعًا فرديًا. من حق أي كاتب أن يبدع فيه، ومن واجبنا كقرّاء ونقاد أن نقرأه بعين فاحصة لا تصفق للألقاب بقدر ما تمتحن النصوص.

فالأدب لا يحتاج إلى أبٍ مؤسس، بل إلى مبدعين حقيقيين.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *