ثنائية الحب والمحبة 2/2

ثنائية الحب والمحبة 2/2
الصورة عن موقع: موضوع

الحب أسمى أنواع الفنون…

نواصل متابعة ونشر الجزء الثاني من مقالةثنائية الحب والمحبة ” التي وافانا بها الاستاذ المختار عنقا الادريسي. آملين أن يجد بها القراء والمتتبعين، بعضا مما يسلط الضوء على القيمة والمكانة التي تُعْطَى للحياة، لجعلها أكثر اشراقا وسعادة، فالحب ليس مجرد مشاعر عابرة فحسب، بل هو طاقة قوية تحفز الأديب على العطاء والابداع ، وتبرز أهمية المحبة في الحياة بصفة عامة .

 ثالثا: الحب والمحبة عند بعض الأدباء 

طه حسين 1889 – 1973

 توضيب محمد المجدوبي “يابلادي”
                               yabiladi.com

  هو شخصية فذة، تميزت حياته بالعديد من الأحداث والتجارب التي أثرت في رؤيته للحياة بصفة عامة، ومن بينها الحب والمحبة، وبالتالي فالمحبة عنده ليست محددة بعاطفة فردية أو رومانسية فحسب، بل تشمل أبعادا أوسع. وفي أعماله الابداعية يقدم الحب كقوة موجهة للتغيير الشخصي والاجتماعي، وتصبح تلك العاطفة جزءا من معركة أعمق لفهم الذات والعالم. وقصته مع زوجته: “سوزان بريسو” تبقى من أشهر قصص الحب في الأدب العربي. فقد كانت هي رفيقة دربه كاتمة سره وداعمة لمسيرته الأدبية. وقد عبر عن حبه لها في العديد من كتاباته، واصفا إياها بأنها ” المرأة التي أبصرت بها ” … وقد تناول تيمة الحب في الكثير من رواياته (الحب الضائع) و (دعاء الكروان)، وكتب العديد من المقالات عن الحب، مؤكدا على أهميته في حياة الإنسان، ودوره في تحقيق السعادة والاستقرار. ومن رواية “الحب الضائع ” نقتطف [الحب ليس كلمات تقال ولا أحلاما تتخيل، إنما هو شعور عميق يسكن القلب ويدفع الإنسان إلى التضحية والعطاء]. وفي “دعاء الكروان” يرى بأن [الحب يمكن أن يكون جميلا ورائعا، ولكنه أيضا يمكن أن يكون مؤلما وقاسيا، فالحب ليس دائما ورديا، وقد يحمل معه بعض الأشواك] ومن مقالة له عن الحب والحياة نورد قوله: أن [الحب هو سر الحياة، وهو الذي يمنحها معناها وقيمتها، فالحياة بلا حب حياة فارغة لا طعم لها]. وفي كل تفاصيل ابداعاته، تبقى سوزان هي عينه التي بها يرى كل شيء، ويحدد من خلالها مواقفه من كل القيم والعادات والتقاليد وباقي قضايا المجتمع، حتى قال عنها [بدونك أشعر أني أعمى]، وللتذكير نقول إنها تزوجت به رغم معارضة أهلها، (كيف تتزوجين أجنبيا أعمى ومسلما، إنه ضرب من الجنون). وعليه فإن طه حسين، لن ينسى لها ذلك، ولاغرو إذا أحس أنه ولد مرتين، أهمهما عندما التقى زوجته التي صار يرى بها ومن خلالها كل الدنيا.  ومن رسالة كان قد كتبها لها في 1917، نسوق قوله: [أحببتك منذ اللحظة التي رأيتك فيها، ولم أحب سواك أبدا، أنت نور عيني وأنت حياتي، وأنت كل شيء بالنسبة لي]. وفي 1920 كتب لها رسالة أخرى يقول لها [أشعر أنني أعمى بدونك، ولا أستطيع أن أعيش لحظة واحدة بدونك، أنت الهواء الذي أتنفسه، وأنت الماء الذي أشربه، وأنت الشمس التي تدفئني].

وتجذر الإشارة الى أن سوزان كانت قد نشرت رسائله اليها تحت عنوان: “رسائل إلى سوزان”، وتعد هذه الرسائل كنزا أدبيا وانسانيا، يكشف عن جوانب خفية من شخصية طه حسين وعلاقته بها، وقد جمعت بين دفتي هذا الكتاب مجموعة من الرسائل التي أرسلها لها خلال فترة زواجهما

 الممتدة لأكثر من 50 عاما، وتنوعت بين الحب والشوق والحنين والأدب والفكر والثقافة والحياة اليومية والمواقف المختلفة التي مر بها الزوجان، ومنها [أنت لست زوجتي فقط، بل أنت صديقتي وأنيستي ورفيقة دربي. أنت المرأة التي أفهمها وتفهمني، والتي أثق بها وأعتمد عليها] 

والكتاب المشار اليه، يقدم لنا صورة مختلفة للأديب والمفكر طه حسين، ويكشف لنا عن جانبه الإنساني الرقيق وعواطفه الجياشة نحو حبيبته/زوجته، 

بالإضافة إلى أنه يعطينا صورة واضحة عن جمال اللغة المستعملة، المحملة بكلمات مغرقة في الرومانسية، ويكشف لنا عن العلاقات الحميمية التي تربطه بسوزان، القائمة على الحب والتفاهم والاحترام المتبادل بينهما.

2 – توفيق الحكيم 1898 – 1987

يتميز أسلوب توفيق الحكيم بالعمق الفكري والرمزية والجمالية والواقعية، غير أنه يلقب ب “عدو المرأة “، وذاك بسبب مواقفه النقدية من بعض أفكار الحركة النسائية في عصره، وسخريته من بعض مطالبهن، الأمر الذي جر عليه استياء النشاطات النسويات. وعن سبب هذا الاتهام يقول توفيق الحكيم أنه يعود الى انتقاده أسلوب “هدى شعراوي” في تشكيل عقلية المرأة، محذرا من تأثيرها على العلاقات الأسرية بصفة عامة. ورغم ذلك يرى أن الحب هو جوهر الوجود وسر الحياة الذي لا يمكن فهمه أو تعريفه بشكل كامل، وقد تناول هذا المفهوم في العديد من كتاباته، ومن الأمثلة على ذلك نسوق ما يلي: 

* راهب بين النساء: يعتبر فيها الحب [ قوة غامضة ومستقلة، قادرة على أن تدفع الإنسان الى أقصى حالات التضحية والعطاء، وأنه يمثل حالة من التكامل بين الرجل والمرأة] 

 *  عدالة وفن: وخلالها يشير إلى أن الحب هو [ أسمى أنواع الفنون، ويجمع بين الجمال والابداع والتعبير عن الذات، وأن الحب الحقيقي هو الذي يدفع الإنسان إلى التسامي والارتقاء بنفسه]

 *  زهرة العمر: يقول فيها [ أن الحب قصة لا يجب أن تنتهي … إنه مسألة رياضية لم تحل… إن جوهر الحب مثل جوهر الوجود، لابد أن يكون فيه ذلك الذي يسمونه “المجهول” أو “المطلق”… إن حمى الحب عندي هي نوع من حمى المعرفة واستكشاف المجهول والجري وراء المطلق (…) لا أستطيع تصور الحياة حينئذ … إنها ولا شك لو بقيت بعد ذلك لصارت شيئا خاليا من كل جمال وفكر وعاطفة]

*  مسرحية شهرزاد: ومن خلالها يتحدث عن الحب كقوة محورية في حياة الإنسان حيث تستخدم القصص والحكايات كوسيلة للتواصل والتعبير عن المشاعر العميقة، وفي أحد مقاطعها يؤكد على أن [ الحب لا يعرف حدودا … الحب أقوى من الموت، أقوى من الزمن، أقوى من الحياة نفسها، هو الحياة بأكملها] 

 * مسرحية زهرة العمر: ويتطرق فيها إلى فكرة الحب في السن المتقدمة، حيث يعيش المحب مشاعر خاصة يستعيد بها ومن خلالها لحظات الماضي الجميل [ الحب في أي وقت، حتى في هذا العمر المتقدم، هو الارتباط بما لا يمكن للزمن أن يطفئه … إنه شعور يعيد للإنسان ما فقده، ويبعث الأمل في قلبه، حتى لو كانت الذاكرة تآكلت والتجاعيد زحفت على الوجه].

وبعد ذلك يناقش التوترات التي قد تنشأ بين الحب والتضحية، بين العاطفة والواجب، ويوضح الامر في قوله [الحب لا يعني أن نتنكر للواقع، بل أن تجد فيه قوة تعينك على مواجهته، فالحب هو نضج العقل وإيمان الروح]. ويؤكد على أنه [ليست الفضيلة عند المرأة ألا تحب أبدا، بل الفضيلة أن تحب حبا ساميا، رجلا سامي القلب والأخلاق] .

ونلخص الآراء التي تناولها توفيق الحكيم حول الحب، في مجموعة من النقط، نرصها كالتالي:  

الحب الأول والأخير: فالحب الأول له مكانة خاصة في قلب الإنسان، وهو يترك الأثر الذي لن يمحى. أما الحب الأخير فهو الحب الذي يكتمل به الإنسان ويجد فيه سعادته الحقيقية.

الفرق بين الرجل والمرأة في الحب: يرى بأنهما يختلفان في طريقة تعبيرها عن الحب، ولكن هذا لا يعني أن أحدهما أفضل من الآخر، لأن لكل منهما طريقته الخاصة في الحب، وكلاهما يكمل الآخر

التأكيد على الحب: باعتباره ليس مجرد عاطفة، بل هو أيضا مسؤولية والتزام، فالحب الحقيقي يتطلب من الإنسان أن يكون مخلصا ومضحيا ومتحملا للمسؤولية …الحب أسمى أنواع الفنون: لأنه يجمع ما بين الجمال والإبداع والتعبير عن الذات..

 3 – عباس محمود العقاد 1889 – 1964

                      الصورة من: أبجد بلا حدود

الحب … يملك الإنسان ولا يملكه

يعتبر مفكرا وأديبا مصريا فذا، ومن أعمدة الأدب العربي في القرن العشرين، استطاع أن يعبر عن رؤاه الفلسفية والإنسانية العميقة، من خلال كتاباته عن الحرية والديمقراطية والأخلاق والمحبة، بأسلوبه الجامع بين الفكر العميق والعاطفة في طرحه، تاركا بصمة لا تمحى في المشهد الثقافي العربي عامة.   

 وقد تناول موضوع الحب من منظور فلسفي وعقلي، بعيدا عن الرومانسية التقليدية، التي ميزت كتابات غيره من الأدباء، وقدم رؤيته الخاصة حول هذه العاطفة الإنسانية الجياشة، ففي كتابه ( أنا ) خصص فصلا بعنوان : “فلسفتي في الحب” حيث بدأ بتعريف الحب من خلال النفي، مؤكدا على أنه ليس مجرد غريزة جنسية أو شهوة عابرة، بل هو أعمق من ذلك بكثير، وأنه ليس صداقة لأن الصداقة تكون بين أفراد من نفس الجنس، بينما الحب يتجلى بين جنسين مختلفين، كما أشار إلى أن [ الحب … يملك الإنسان ولا يملكه فلايمكن التحكم في زمانه أو مكانه] ثم أضاف قائلا بأن الحب ليس اختيارا  واعيا لأنك [ لا تحب حين تختار، ولا تختار حين تحب وأننا مع القضاء والقدر حين نولد وحين نحب وحين نموت ]. ونحصر ملامح الحب عند عباس محمود العقاد في المحطات التالية:

* الحب والعقل: يرى أن الحب ليس مجرد عاطفة حياتية فحسب، بل هو تجربة عاطفية تستلزم التفاهم والانسجام الفكري بين الطرفين، [ الحب الذي تحركه العاطفة وحدها قد يكون مجنونا، ولكن الحب الذي يشترك فيه العقل والقلب معا، هو الحب الحقيقي الذي يقاوم الزمن]

* الحب والحرية: لقد كان مؤمنا بحرية الحب، مقتنعا بعدم تقيده لا بالمجتمع ولا بالتقاليد التي قد تفرض وتحدد شكلا معينا للعلاقات العاطفية، [ إذا كان الحب سجنا، فأنا أرفضه، وإذا كان حرية، فأنا أعانقه، الحب الذي يقيد العقل ليس حبا، بل هو عبودية عاطفية]

 * المرأة المثالية: لم يكن العقاد ينجذب إلى الجمال الجسدي وحده، بل كان يقدر المرأة الذكية والمثقفة، معتبرا أن العلاقة الفكرية أكثر دوما وبقاء من العلاقة العاطفية البحثة [ المرأة التي تجذبني ليست الأجمل وجها، بل الأعمق فكرا، قد أفتن بجمال العيون، ولكنني لا أهوى إلا من تحاورني بفكرها قبل كلماتها]. ويرى بأنها ليست مجرد كائن عاطفي، بل هي شريك فكري، يكون له تأثيرا عميقا في تكوين الرجل ثقافيا وروحيا. واعتمادا عليه فإنه يخلص الى تعريف الحب بقوله: [إذا ميز الرجل المرأة لأنها أجمل النساء، ولا لأنها أذكى النساء، ولا لأنها أوفى النساء، ولا لأنها أولى النساء بالحب، ولكن لأنها هي هي بمحاسنها وعيوبها، فذلك هو الحب]. وعليه ننتهي إلى أن العقاد وصف الحب بأنه فلسفة خاصة، حيث يتضمن مزيجا من العواطف المتنوعة، مثل حنان الأبوة ومودة الصديق وخيال الحالم، والصدق والوهم، والإثارة والإيثار والغرور والهوان مؤكدا على أن الحب الحقيقي يتسم بالقدسية، حيث يهون من أجله الموت، وتباع من أجله الحياة. وكان قد أحب سيدة تدعى “سارة”، ولم يفصح عن الكثير من التفاصيل التي تخصها. رغم أنه ميزها على جميع النساء، ليس لأنها الأجمل أو الاذكى، بل لأنها هي هي بمحاسنها وعيبوها، وهذا هو الحب الحقيقي في نظره، لأنه حالة دائمة من التذكر والاشتياق. 

وعموما فإن كتاباته عن الحب جاءت بأسلوب بسيط وعاطفي، الأمر الذي يجعل القارئ في حالة من الإحساس العميق والتشاركية في المشاعر.   

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com