لا إكراه في المسرح ولا رهبانية في المسرح

لا إكراه في المسرح ولا رهبانية في المسرح

الاحتفال انتقال وترحال

                               عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام:  

 يقول الاحتفالي في كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي):

(ان هذه الاحتفالية هي بالأساس وعي ضدي، وضديتها لا تنفي إلا النفي، ولا تغيب إلا الغياب، ولا تحارب إلا الحرب، والجوهري في هذا الوعي المركب دائما، هو فعل الانتقال، اي الانتقال من الخاطئ إلى الصائب، والانتقال من المعلومات إلى العلم، وذلك إلى جانب البحث في هذا العلم عن المعرفة، يقول النفري (والعلم لسان الظاهر والمعرفة لسان الباطن) ولأن الاحتفال انتقال وترحال، في الذات اولا، وفي الفضاء الزمكاني ثانيا، فإن هذه الاحتفالية تسعى إلى الانتقال من الظاهر المحسوس إلى الباطن الخفي، وبهذا الانتقال تحقق الانفلات من المعروف ومن المألوف ومن اليومي، وتدخل فضاء المجهول والغريب والسوريالي والأسطوري والحلمي) وهذا الاحتفالي كان دائما ضد المعروف الذي لا يحتاج الى تعريف، وكان ضد الواضح الذي لا يحتاج توضيح، وكان ضد السطحي الذي ليس له عمق, وكان بهذا مع فعل البناء الذي يؤسس الجديد، ويوجد اللاموجود، ويعيد تركيب وترتيب صورة الناس وثورة الأشياء في فضاءات مسرح العالم وفي عالم المسرح وهذا الاحتفالي لا يحب الحدود، سواء في الفكر أو في الفن أو في العلم أو في الفكر، وهو المناضل الوجودي الذي يتحدى كل الحدود، سواء أكانت مادية أو رمزية وهو في عيشه اليومي لا يمكن ان يستريح في الفضاء المغلق، وهءا ما جعله دائم البحث عن الفضاءات المفتوحة على السماء والأرض، وعلى الناس والأشياء، وعلى كل الأفكار والمعانب وهو ضد كل شيء يمكن ان يكون مقولبا في القوالب الجامدة ومعلبا في العلب الخادعة والمضللة وهذا الاحتفالي لا يحب ان يكون في الصفوف الخلفية، وان يكون بذلك متخلفا عن ركب السائرين في الطريق، كما انه لا يرضى لنفسه ان يكون صوتا في اية جوقة.. ومع انه واحد من الناس، فهو لا يؤمن ان يرتدي كل الناس زيا واحدا، او ان يرددوا كلاما واحدا، وان يسيروا كلهم في صف واحد، وان يرددوا شعارا واحدا، قد يكون له معنى وقد لا يكون رجل المسرح اكبر من الحذاء الصيني ولأن هذا الاحتفالي قد كان دائما، وسوف يبقى، ضد الثبات وضد الجمود وضد القيود، فقد كان ضروريا ان يكون ضد الحذاء الصيني الضيق، وان كان ضد المقاس الواحد، وأن يكون ضد الاتجاه الواحد، وان يكون ضد الحكم الواحد، وان يكون ضد الفكر الواحد، وأن يكون ضد الرأي الواحد، وان يكون ضد الطريق الواحد وضد الطريقة الواحدة، وضد المسرح الواحد، وأن يكون ضد الحزب الواحد في الدولة الوحدة وبخلاف ما كان يدعو إليه توفيق الحكيم، في بحثه عن (قالب مسرحي عربي واحد) وبخلاف كل المسرحيين العرب أيضا، والذين ظلوا يبحثون عن صيغة مسرحية واحدة موحدة، فإن المسرحي الاحتفالي قد أكد دائما على أن المسرحية، هي أكبر وأخطر وأرحب من أن توضع كلها في قالب جامد واحد، أو ان تختزل كلها، بأفكارها وحالاتها ومقاماتها وسياقاتها واختياراتها وأساليبها وحساسياتها، في صيغة مسرحية واحدة، صيغة يطبقها مدرسيا كل المسرحيين العرب، تطبيقا واحدا موحدا، لأن الأصل في المسرحية، اية مسرحية كانت، هو أنها حياة وحيوية، وأنها حالات ومقامات متدفقة، وأنها حرية وتحرر قبل كل شيء، وأنها بذلك إبداع على غير نموذج أو موديل أو قالب جاهز، ومن الممكن جدا أن نلتقي كلنا عند نقطة معينة، وذلك في لحظة معينة، أو أن نتفق أيضا حول فكرة ما، وذلك بخصوص موضوع ما، ولكنه لا أبدا يمكن أن لا يكون ذلك شيكا على بياض، لأن الأمر يتعلق بالإنسان الحر والعاقل والراشد والحي والخلاق، وليس بالأشياء الجامدة، والتي يمكن تعلب في الصناديق وفي العلب الجاهزة، ولقد انطلقت الاحتفالية من قناعتها بان هذا الذي نسميه المسرح العالمي هو اساسا مسارح متعددة ومتنوعة، بعضها غربي وبعضها الآخر شرقي، وفيه نماذج أسيوية واخرى اوروبية وفيها حالات اخرى افريقية هذا الاحتفالي الإنساني والكوني، و( المتموقع) دائما خارج كل المواقع، هو الذي قال في حواره مع جريدة ( المساء) والذي استمر شعورا طويلة ما يلي:

(أنا كائن احتفالي حر، أعتبر كل الكتاب في العالم إخوتي ورفاقي وأهلي، بل وأعتبر كل الناس في كل العالم كذلك، وفي هذه الكتابة وحدها يوجد بيتي، ويوجد عنواني، وهي أسرتي الروحية والفكرية التي أنتمي إليها وأعتز بها، وفي المقابل، فأنا لا أؤمن بالتنظيمات وبالتكتلات التي تعسكر الثقافة والفن والعلم، وتخندقها في خنادق، وأنا في هذا لست ضد أشخاص معينين، ولا أحقد على أي أحد، وأعتبر أن الأمر يتعلق بمواقف وبمواقف أخرى مختلفة ومخالفة، وأنا في عالم الكتابة أبدع بكل حرية، وأحرص على التعبير عن مواقفي خارج كل الطوابير والصفوف، وإذا عدت إلى مجلتين لوزارة الثقافة، فلن تجد فيهما على امتداد عشرين سنة اسم عبد الكريم برشيد، وذلك عقابا له لأنه يؤمن بالاقتسام ولا يؤمن بالاحتكار، ويؤمن بالإنصاف ولا يؤمن بالتصفية، ويؤمن بالموت الطبيعي ولا يؤمن ( بالقتل) ويؤمن بالمواطن في وطنه، ولا يؤمن بالمواطن المغترب والمنفي في بلده وبين أهله) ومع ان هذا الاحتفالي يجيد السباحة، سواء في الماء او الهواء، فإنه لا يسبح، فكريا واخلاقيا وجماليا، إلا ضد التيار، وهو المشاكس والمشاغب في الفكر والفن والفكر دائما، وقبل ذلك، فإن هذا الشغب الفكرب البرئ، موجود ايضا في سلوكه وفي مواقفه وفي علاقاته الإنسانية المفتوحة على كل الناس البيت المسرحي بين من لا بيت له ولقد قامت الاحتفالية على أساس مبدأ أساسي هو ( تحرير المسرح والتحرر بالمسرح) وهل يعقل أن يحرر هذا المسرح من كان تابعا ومقلدا ومقيدا، وكان تلميذا ومتحزبا ومتمذهبا، ومن كان محكوما بغريزة القطيع المذهبي أو الحزبي أو العشائري أو العقائدي أو الفئوي الضيق والمنغلق على ذاته؟ ومنذ بداياتها التأسيسية الأولى، رفعت هذه الاحتفالية شعار ( التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر) ولقد اختار الاحتفالي فيها أن يكون خارج كل الخنادق وخارج كل المظلات، وألا يستظل إلا بظل أفكاره وبظل مبادئه وبظل اختياراته وبظل قناعاته وبظل ذوقه، وقبل هذا وذاك، ان يستظل بظل الله، وألا بطرق بابا غير باب الله، وفي هذا المعنى نجده يقول : ( هم بلا شك يقصدون أن اختار خندقا ضيقا أتخندق فيه، او أختار قالبا أتقولب فيه، أو اختار تابوتا أدفن فيه، ولكنني لم أختر إلا حياتي وحيويتي، ولقد اختارني المسرح، وفي هذا المسرح لم أجد إلا الإنسان، ولو وجدته غير هذا لما ارتبطت به بهذا الرباط المقدس، لقد وجدته بيتا بحجم الدنيا، ورددت دائما في كل كتاباتي الكلمة التالية ( المسرح بيت من لا بيت له) هكذا قال الاحتفالي في كتاب ( عبد الكريم برشيد وخطاب البوح) والذي هو حوار مطول بحجم كتاب هو بيت واحد إذن، ونحن كلنا فيه أسرة واحدة، وعند الاحتفاليين، فإن أخوة المسرح الروحية والفكرية والوجدانية لا تقل خطورة عن أخوة الدم وبحكم هذه الغيرة على إنسانية الإنسان، وعلى حيوية الحياة، وعلى شرف المبدع الفنان، فقد استبعد الاحتفالي أن نذهب كلنا ـ فكريا وجماليا وسياسيا ـ في نفس المذهب ومن (طبيعة) هذا المناضل الاحتفالي (أنه) لا يؤمن بالمذهبية الإيديولوجية، وهو يعتبرها مصادرة لحيوية الحياة، وهي عنده وثنية وصنمية، وهي تقوم على أساس إهدار كرامة الإنسان، لأنها تحتفي بالغيب وبالغيبية، وتحتفي بالأسطورة وبالفكر الأسطوري، وتحتفي بالأشباح والشبحية، وبالتجريد والتجريدية، وذلك على حساب الحضور المجسد والمشخص والحي والعاقل للإنسان والإنسانية) هكذا تحدث الاحتفالي في كتاب (مرافعات الحكواتي الجديد) والذي صدر عن منشورات ديهيا بمدينة ابركان ولأن أهم ما لدى هذا الاحتفالي هو وعيه النقدي، وهو حسه النقدي، وهو موقفه النقدي، فقد كان ضروريا أن يفعل هذا الحس النقدي، سواء في الفكر أو في الأدب أوفي الإبداع الجمالي أو في الحياة الاجتماعية والسياسية، وأن يكون طالب حق دائما، وطالب حقيقة، وطالب جمال، قبل أن يكون طالب أي شيء آخر، و(بدون هذا الوعي الضدي، فإنه لا يمكن أن نؤسس فكرا جديدا، ولا يمكن أن نوجد إبداعا جديدا، ولا يمكن أن نضيف أية إضافة جديدة في سجل الخلق والابتكار، وفي سجل الكشف والاكتشاف ) ورد هذا الكلام في كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) والذي صدر ضمن منشورات توبقال بمدينة الدار البيضاء وابتداء من بيانها الأول، أكدت الاحتفالية على أن فعل الحياة له مرادف لغوي خفي يسمى المقاومة، أو يسمى الصمود أو بسمى التصدي، أي أنه بدون هذه المقاومة الصامدة، في جانبها البيولوجي والفسيولوجي والفكري والاجتماعي والسياسي والجمالي والأخلاقي، فإنه لا يمكن أن تتحقق الحياة الحقيقية، وبهذا فإن المناضل الاحتفالي ( هو معارض بالضرورة، معارض أبدي وكوني شامل، وذلك لأنه ضمير الإنسان والإنسانية، في جوهرهما الصادق، ولأنه وجدان الحياة والحيوية، في دفقهما وانسيابهما، ولأنه لسان المدينة والمدنية، في تطورهما وتجددهما، ولأنه ـ في حقيقته هذه ـ ضمير حي ويقظ، فإن مهمته هي أن يعارض دائما، وبغير هذا فإنه لا يمكن أن يكون لوجوده أي معنى، إن مهمته هي أن يحاسب وأن يؤنب، وأن يفضح، وأن يعري، وأن يراجع، وأن يحاكم، وأن ينظم، وأن يقيم، وأن يقوم..) وهذا ما و د في نفس كتاب (مرافعات الحكواتي الجديد ) الاحتفالي كائن سياسي غير متحزب وما يميز هذا الاحتفالي، سواء في المسرح المسرحي أو في مسرح الوجود، هو أنه فعلا يعيش السياسة ويحياها، وأنه يتنفس هواء هذه السياسة، وأنه يتفاعل مع أسئلتها ومع كل قضاياها، ولكنه أبدا لا يحترفها، لأن شرط العشق المتبادل والمقتسم غير موجود بينه وبينها، وهذه السياسة، في بعدها الاحترافي، تظل بالنسبة إليه، مجرد تمثيل في تمثيل، اي مجرد تمثيل سيء في لعبة سيئة، وهي بهذا تمثيل بدرجة تدجيل، ويرى الاحتفالي أن مكتوب هذه اللعبة السياسية وكل منطوقها، ما هو إلا شعارات ومزايدات ظرفية طائرة، أكثر منها مبادئ وقيم ثابتة وقارة وخالدة، وذلك بخلاف التمثيلية المسرحية، والتي هي التمثل وليس التمثيل، أي تمثل القيم الإنسانية أولا وأخيرا، والمجسدنة أساسا في أجساد والمشخصنة في شخصيات، والمقدمة في إطار لعبة لها معناها ومغزاها، ولها ما لها ولها ما عليها، ولها ما قبلها وبعدها، ولها ما فوقها وما تحتها، وفي هذا المعنى تقول الاحتفالية عن هذا الاحتفالي في علاقته بالسياسة: (هو كائن سياسي بلا شك، ولكن سياسته ليست متمذهبة ولا متحزبة، وهي أكبر من أن تكون فعلا مرحليا عابرا، أو أن تكون رهانا على رهان محدد، أو أن تكون استهدافا لهدف قريب، أو أن تكون وسيلة نحو غاية من الغايات، وباسم هذا السياسي الاحتفالي يقول ابن رشد: ( وإنني أرى السياسة بعين سياسية، وفي هذه السياسة أرى بعض الأشياء، وتغيب عن عيني وفهمي معظم الأشياء، وهذا شيء يزيدني خوفا وقلقا) من نفس المرجع السابق ولأن هذا الاحتفالي، وكما رأيناه في كثير من الشخصيات المسرحية الاحتفالية، هو دائما كائن مشاء، فقد كان ضروريا أن نتساءل: هو في حياته يمشي باتجاه ماذا؟ باتجاه الوجود أم باتجاه العدم؟ باتجاه الممكن أم باتجاه المحال؟ باتجاه الامتلاء أم اتجاء الخواء؟ باتجاه المنفعة المادية أم بتجاه المتعة الفكرية والوجدانية والروحية؟ إن أجمل وأكمل وأنبل كل الاتجاهات، بالنسبة للاحتفالي، هو الاتجاه المعاكس والمشاكس، هكذا يقول الاحتفالي (إنني أمشي في الاتجاه المشاكس دائما، وهذا الاتجاه المشاكس ليس يمينيا وليس يساريا، وليس وسطيا، ولكنه اتجاه أمامي.. والخير أمام كما يقول الناس في بلدي، ولأنني رأيت أن هذا الواقع يمشي إلى الخلف، فقد التحقت بالحقيقة التي تمشي إلى الأمام، وآمنت بروح الأيام والليالي وبروح التاريخ) هكذا تحدث ذلك الاحتفالي الذي راى ما راى، وسجل بعض ما رآه في كتاب ( انا الذي رايت) والذي صدر عن منشورات ايديسوفت بمدينة الدار البيضاء إن الأصل في الإنسان الحي، هو أنه جسد وروح وطاقة حيةه، وأنه عقل ووجدان، وأنه ذات حرة وفاعلة ومتفاعلة ومستقلة ومسؤولة، وهو بهذا ليس ظلا من الظلال الشبحية، والمرسومة على الأرض أو على الجدران، سواء بفعل ضوء الشمس أو بفعل ضوء الشموع والقناديل، زهذه الدعوة إلى الاستقلالية، في الفكر الاحتفالي، هي التي جعلت رشيد عفيف، في ركنه الصحفي ( كرسي الاعتراف) بجريدو ( المساء) يسأل السؤال التالي (أنت تدعو إلى الاستقلال الثقافي، فأين تتجلى مظاهر هذه الاستقلالية المغربية، وما هي حدودها في نظرك؟)

وجوابا على هذا السؤال يقول الاحتفالي: (أنا أدعو إلى الاستقلال الوجودي قبل كل شيء، إيمانا مني بأنه لا أحد في الوجود يحمل بصمة مكررة وغير حقيقية، وأعتقد أن الأرواح الكبيرة، في الفن والفكر وفي السياسة وفي النضال وفي الإبداع الجمالي، هي أكبر من أن تهيمن عليها أية جهة، أو أن تقهرها أية قوة؟ فهل هزمت بريطانيا العظمى رجلا عاريا، إلا من عظمة روحه وعظمة إيمانه؟ رجل اسمه غاندي.. وهل هزمت الجيوش الإيطالية، بكل دباباتها وطائراتها، شيخا فقيها اسمه عمر المختار؟ وهل هزمت الجيوش الفرنسية والإسبانية مناضلا شرسا اسمه بن عبد الكريم الخطابي؟)

عن الاحتفالي الذي يرى .. يقول الاحتفالي: (لقد اقتنعت بأن أجمل الأشياء هي الموجودة في العيون الجميلة، وليس في الصور المجملة، واقتنعت أيضا، بأن أصدق كل المعاني هي الموجودة في الصدور الصادقة والعاشقة، وليس في السطور البراقة) ( انا الذي رايت) إن الأصل في هذه الحياة هو أنها مسرح كبير، والأصل في هذا الإنسان المواطن هو أنه ممثل في هذا المسرح، ولعل أهم ما يميز هذا الممثل هو أنه موجود دائما أمام حزمة كبيرة من الأدوار المختلفة، بعض هذه الأدوار من اختياره، وأكثرها مفروض عليه فرضا، والإنسان الاحتفالي هو من يختار دوره، عن قناعة فكرية، وهو من يختار زيه، ويجعله جلده الثاني، وهو من يختار فكره، ويتماهى فيه، وهو من يختار مواقفه، وهو من يختار طبيعة علاقاته، وهو من يختار حواره، ولا يقول ولا يكتب إلا ما يحسه وما يقتنع به، وهو من يختار طريقه ويمشي فيه، وهو من يختار رفيقه، ويسير إلى جانبه، والأصل في هذا الممثل الوجودي هو أنه مناضل بالضرورة، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي:

(ونحن اليوم نناضل، تماما كما ناضلنا بالأمس، من أجل أن نحيا الحياة الحقيقية، ومن أجل أن نبشر بالفرح وبالحق في الفرح، ومن أجل أن نفهم الذين لا يفهمون بأن المستقبل في العلم وفي الفكر وفي الفن وفي التلاقي الاحتفالي وفي الحوار الديمقراطي وفي التعايش الإنساني وفي التسامح الوجودي، وأعتقد أن هذه المعركة لن تكون سهلة أبدا، لأننا سنواجه فيها عقولا مضربة عن التفكير العقلاني، وسنواجه فيها مؤسسات تخاف التغيير وتحاربه، ومن مصلحتها أن يبقى الحال على ما هو عليه، من الآن حتى تقوم الساعة، وسنواجه مدرسين يعلمون مسرحا موجودا في الكتب المدرسية، ولا وجود له في حياة الناس اليومية، ولا في احتفالاتهم وأعيادهم أو في طقوسهم الاجتماعية والدينية، ولهذا فإن مستقبل الاحتفالية كامن في روح التحدي، وهل هذه الحياة، في معناها الشامل، إلا التحدي، أو روح التحدي؟ وبهذا التحدي نوجد ونكون، اليوم وغدا وبعد غد، وبدونه لا يمكن أن نكون أبدا.. و ما الذي تحقق في هذا المسرح الاحتفالي، وما الذي لم يتحقق بعد، وما الذي ترى بأنه لا يمكن أن يتحق، إما لأسباب ذاتية أو موضوعية؟) من حوار (كرسي الاعتراف ) ومن طبيعة هذا الممثل الاحتفالي أنه كائن مبصر، وأنه صاحب بصيرة، وأنه كائن يرى الكائنات، في حجمها الطبيعي، وأنه يتمثل ويتوقع الوقائع الغائبة والمغيبة قبل وفوعها، وهو إنسان بحجم الإنسان الحقيقي، فلا هو عملاق ولا هو قزم، ولا هو ما قبل الإنسان ولا هو ما بعد الإنسان، وهو بهذا أكبر وأخطر من أن يمر في دروب وحارات الدنيا من غير أن يراه الآخرون، أو أن يتجاهلوا وجوده، أو أن ينكروا هذا الوجود، وهو يرى الناس والأشياء بأكثر من عين واحدة، ويتحسس الأشياء بأكثر من حاسة واحدة، وهو يستعين بالحس الصوفي لإدراك بعض الأشياء الغريبة والعجيبة والغامضة، ويستعين بالذوق ليعرف مذاقات الأشياء والكلمات والعبارات، وذلك إلى جانب إدراك أشكالها وألوانها وأحجامها البرانية، وهو يقرأ كتاب الوجود، ويقرأ كتاب الحياة، إلى جانب قراءته للكتب الورقية والكتب الرقمية، وهو يتخيل الأشياء الخفية، ويتوقع وجود الأشياء الغائبة، وهو يتنبأ أيضا، بحس الشاعر وفراسة المؤمن، وهو يحلم دائما، بأعين مفتوحة عن آخرها، وهو يسافر في البر والبحر وفي الأرض وفي السماء، وهو لا يسافر ليغيب، ولكن ليحضر، او ليكون اكثر حضورا، وهو لا يسافر سفره الحقيقي إلا في عوالم ذاته، وذلك بحثا عن ذاته، وعن وجوده، وعن معنى وجوده، وهو يقترح الاقتراحات أيضا، ولكنه لا يفرضها على أحد، ولا على أية جهة، وهو المختلف الذي يختلف، ويخالف، ولكن في الحدود التي تسمح بها آداب وأخلاق الاختلاف، وهو يفكك الأشياء، ثم يعيد تركيبها من جديد، وبغير هذا، فهل كان ممكنا أن يكون جديدا ومتجددا بشكل دائم، وأن يكون كائنا مجددا فيها؟

وفي أحد الكتب الاحتفالية يرد الإهداء التالي: (إلى كل من يرى شيئا مما رأيت أنا وإلى كل من يشاهد ما شاهد العراف ترزياس وإلى كل من يبصر كما أبصرت زرقاء اليمامة وإلى كل من تسعفه الحروف، وتنقاد له الكلمات والعبارات في أن يترجم بصدق ما يرى ويسمع وما يحيا إلى كل الرائين من أسرة الرؤية والرؤيا والرواية أهدي كتابي هذا والذي اختار أن يكون اسمه ( انا الذي رأيت) ويؤكد هذا الاحتفالي على انه لا إكراه في الدين ولا إكراه في الأب وفي الفكر وفب في الفنون وفي العلوم م ولا إكراه في المسرح طبعا

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *