خواطر امرأة

خواطر امرأة

في الوحدة والابتعاد

ثريا الطاهري الورطاسي
    ثريا الطاهري الورطاسي

نحتاج بين الفترة والأخرى إلى أن نختفي وأن نبتعد قليلا حتي تتضح لنا الرؤى ، ونبني جدرانا من الأسمنت المسلح ، ليس لننعزل عن الناس ، بل لنحافظ على علاقتنا مع الآخرين . وأحيانا يكون الإكتفاء بالنفس مريحا والانعزال أداة للتجوال في بحر الحياة رغم تيه الخطى ، ويبقى التنزه في عقول الآخرين بمثابة استراحة محارب لذات تكون في أمس الحاجة إلى فضاء يخلو من نفاق البشر ، ترتاح فيه النفس وتنعم بالانتماء الى الاشتياق والتلذذ بالضحكات البريئة والصادقة ، وما تسترجعه من لحظات الاستمتاع والمؤانسة ، وهذه جميعها تندرج ضمن محاولات تقييم الذات وتقويمها ، وقد تكون بمثابة وقفات منفلتة من سيرورة الزمان ، الذي يطوي كل صفحات الماضي وحتى الاني ، ويحولها إلى نسي منسي ، اذا افترض الأمر ذلك . وقد تكون كذلك من اللحظات التي فرضناها على أنفسنا ، أو اخترناها طواعية ، كما قد تكون لحظة حنين واحساس دافيء بالشوق إلى إنسان عزيز ، أو إلى شعور ما وإلى حلم ما ، إلى لحظات إشراق لامتناهي الى أشياء تلاشت واختفت إلى….وإلى….. وتتعدد . لكن عطرها وعبقها مازال يملأ ذاكرتنا . أحلام نتمنى أن نعود إليها في زمان ما وتعود إلينا في محاولات لن تكون يائسة أبدا ، وذلك في لحظة اشتياق للتنوع في إطار الوحدة بزمانها ومكانها ، مكان أقل ما يقال عنه أنه لايعترف بأية احداثيات ، من طول وعرض أو ارتفاع أو حتى من الزمن نفسه ، لإعادة تلكم اللحظات الجميلة التي أدارت ظهرها لنا ورحلت بشكل زئبقي وبدون رجعة كالحلم الهادئ . في الوحدة نتذكر من رحلوا عنا ونتألم لأننا لا نملك القدرة على المواجهة أو مشاركة الآخرين كل الامنا ، نأمل و ننتظر ألا يطوح بنا التيه بعيدا .

ففي الوحدة نعيش خارج إطار الزمكان ، نعيش الذكريات ونستحضر التفاصيل الدقيقة وحتى الصعبة ، التي يعجز معها النسيان عن المحو من الذاكرة، لأنها تحولت إلى وشم منقوش بمخيلاتنا ، فنطلبها الوحدة أحيانا لتقييم بعض التجارب التي أكتوينا بنارها ، ونتذكر أناس خذلونا ، فواجهناهم بالصمت ، لأنه في مثل هذه المواقف ليس ضعفا ، أكثر مما هو ارتقاء قد لا يُدرك .

الوحدة مؤلمة ، لكنها أجمل بكثير من الذين لا يذكرونك الا في فراغهم .

الوحدة هي استراحة الإنسان لالتقاط الأنفاس وقد تكون حنينا أو ألما أو حتى ندما ، وأحيانا تكون حكايات لا تروى ، فتتوارى في الدواخل بعيدا عن أي كلام .

فاذا كانت الوحدة تدخير معين للذاكرة على ترتيب المشاهد ، فهي أحايين أخرى تبقى ملاذا واختيارا ، بسبب عدم القدرة على تحمل بعض السخافات ، كما أنها هروب من نوبات الدهر والاستفراد بالنفس بهدف استعادة ما ترسب في الذاكرة من أحداث فقدنا الأمل في نسيانها ، ووجدنا أنفسنا مجبرين على التعايش معها .

وقد نجد أن من الحسنات القليلة للوحدة ، أنها تجعلنا متحررين من كل الالتزامات المعتادة والعلاقات العامة ، أو السخافات المرتبطة بضرورات النفاق الاجتماعي ، أو الرياء الديمقراطي أو أي شيء آخر محسوب عن هذه الخصال . وأمام كل ذلك يبقى الاكتفاء بالذات شروق لاغروب له . فليس من الضروري أن تكون الوحدة مؤلمة ، لأنها قد تكون أحيانا سببا في إعادة ترتيب الأوراق وفي أحايين أخرى هي راحة وعزلة من الضغوط أو الضربات أو الأوجاع المتتالية لأننا استهلكنا طاقتنا مع البعض دون فائدة ومعها وجب الإبتعاد .

الوحدة تعين الذاكرة على ترتيب المشاهد ، فنبتعد او نتوارى لنكتشف وجودنا ونحدد مواقعنا وخانات فعلنا اليومي ، ففي الإبتعاد تتضح الصورة أكثر ، لأنه كاشف حقيقي للضمائر والحقائق غير المرئية وحتى المشوشة .

الوحدة والابتعاد ثنائية إمتحان التخرج من مدرسة الحياة اليومية ، وليس كل وحدة أو ابتعاد هي تخلي أو غدر – كما يعتقد البعض – فهناك وحدة حطمت أغصان أشجار حياتنا اليومية ومزقت صفحات سلوكاتنا اللحظية ، وهناك ابتعاد لأننا أسرفنا في حضور غير وازن ، وهناك وحدة لمراجعة الذات وخلوة للنفس ، وهناك ابتعاد لشعورنا ببرودة المشاعر، وهناك وحدة من أجل أن تعيد البعض إلى حجمهم الطبيعي – إن كان لهم أي حجم – وقد يكون هذا الابتعاد قاتلا ، لكنه أفضل بكثير من قرب هش وباهت ، وقد يكون بابا مغلقا إذا مررتم به لا تطرقوه حتى لا توقظوا أوجاعا والاما أخذت من صاحبها عمرا قبل أن تنام ومع كل ما سبق ، ها نحن نتوارى كظل نخيل في يوم ماطر ، ثم نرجع مثل غيمة محملة بالتناسي ، مشفوعة بالمحبة والصداقة والجمال ، ونسير على خطى حلمنا الجميل مواصلين المسير اللامتناهي .

ومازال للحديث بقية ….

ثريا الطاهري الورطاسي

 

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com