عقول هالكة وبطون مستهلكة
عقول هالكة وبطون مستهلكة
بقلم: عدنان رمال
كثيرون هم أهل العلم والادب والصحفيون الذين حطوا رحالهم وعاشوا رَدَحاً من الزمن في مدينة باريس، مدينة ” العلوم والانوار الساحرة
الفرد من أولئك الأدباء والمثقفين تغنى وفتن بجمال المدينة، فحرر وكتب مما شاهد وعايش، مثل “جامعة السوربون، واللوفر، والبانثيون، وقوس النصر، وبرج ايفل، والاوبرا.. وغيرها.
لا أريد اعادة أو نقل ما كتب ووصف ونشر، انما رغبت في الكتابة عن ظاهرة غير صحية تسللت الى دروب المدينة، وضربت أهم المواقع بها، وأردت أن أشير الى التغيير الذي طرأ على البنيان والفنون، وعلى مزايا المدينة، مثل ” مدينة العلوم الحديثة”، “الاوبرا الجديدة” في ساحة الباستيل، ومتحف ” الانسان”،
و ” وارسيه” و “بروني” و ” المتحف الوثائقي للمهاجرين”، وإعادة ترميم ” النوتردام” و “جسر الفنون والحب”، و ” المكتبة الشرقية”، وانشاء “المكتبة الوطنية الرقمية.”
لا بد من الاعتراف بأن باريس كانت منذ عصر الانوار حاضرة، تنمو بازدياد ملحوظ في مجال العلوم،
والفنون والمعرفة، فقد كانت حقا العاصمة ” الكوزموبليتية ” العالمية بامتياز.
منذ عقدين من الزمن، تشهد باريس ظاهرة سلبية، تتمثل بإقفال نحو المئة ونيف مكتبة خاصة في عرض وبيع الكتب، والدوريات، والمجلات، والصحف العربية، وأهم ما يتطلبه الباحثون والطلبة العرب والمسلمون من الكتب والمراجع لإتمام دراساتهم وأبحاثهم الأكاديمية والعلمية..
اضافة الى كون هذه المكتبات تساهم الى حد كبير في استجلاب الخدمات الثقافية والإعلامية عن العالم العربي للجاليات العربية، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من منشورات.
الظاهرة السلبية الأخيرة التي ابتدأت تجتاح باريس، يُخاف حقا ان تكون بداية لضياع الدور الحقيقي، والوجه الثقافي الذي اكتسبته هده المدينة طوال عقود، وتميزت به عن بقية المدن والعواصم العالمية، وعلى حساب الطبق الفرنسي الدي كانت رائحته تشهي من خلال الشوارع التي تتصاف فيها المطاعم الفرنسية والتي كانت ريقا للمباهاة والافتخار لدى الفرنسيين.
في عملية استبيان احصائية، تبين أن تلك المكتبات الخاصة بيعت لصالح المطاعم التي تقدم أطعمة الوجبات السريعة مثل ” البيتزا” ” المكدونالد” ” الشيش كباب”، ” الشاورما” و ” السوشي” وكا ڤ سي” ” أو لبيع الحلويات، أو المواد الغذائية الشرقية، أو المشروبات الكحولية، أو المقاهي المتخصصة في الشيشة” و النارجيلة و ما الى دلك.
أكثر تلك المكتبات التي تم بيعها، كانت متواجدة في منطقة الحي اللاتيني ” سان ميشال”، و “اللكسمبرغ” حيث تتواجد جامعة السوربون وتوابعها، جامعة ” جوسيو” بمحاذاة معهد العالم العربي او الدوائر الباريسية الأخرى
من بين تلك المكتبات التي بيعت، ندكر ” مكتبة ابن سينا”، و ” مكتبة ابن رشد”، و” مكتبة الرازي”
و “المكتبة العربية” و “مكتبة الفصول الأربعة” وغيرها من المكتبات الفرنسية والاجنبية التي كانت تعرف رواجا كبيرا
ان العاصمة الباريسية منذ بداية عصر الأنوار حتى نهاية الألفية الميلادية الثاني، كانت تعرف على الدوام التجدد والتجديد في العديد من المجالات، ويستعر فيها الفكر “الماديني”، ولم يَغْفُ عنها الابداع والغواية، والجذب العلمي، والفن، والأدب على الاطلاق.
ان سألت أصحاب المكتبات الذين باعوا مكتباتهم، لتتحول الى مطاعم، عن السبب في البيع، يجمعون على أن القراء لم يعودوا يهتمون بقراءة الكتاب، وعالم الصحافة المكتوبة، والكل يلجأ الى الكتابة الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي السريع الاستهلاك دون وعي بما يجلبه هذا السلوك على مستقبل لا يرتكز على أسس سليمة الركائز فكريا بالأساس على جيل بأكمله.
عموما، علينا أن نأخذ الحذر للمستقبل في الحفاظ على هوية شبابنا العربي وهوية باريس، هده العاصمة الثقافية والعلمية المنيرة، والا سينطبق على ما يحصل لها و بها المثل العربي المشهور و المأثور
(عند البطون تضيع العقول)