التغيّرات الجيوسياسية العالمية وتأثيرها على المغرب

التغيّرات الجيوسياسية العالمية وتأثيرها على المغرب

الناس تتماهى عادة بالفطرة مع السياسة…

بقلم: إدريس الواغيش

احتضنت إحدى قاعات مدينة سلا ليلة الخميس 13 مارس 2025 محاضرة ألقاها المفكر والأكاديمي المغربي حسن أوريد في ليلة رمضانية ماطرة، كانت تحت عنوان: “التغيّرات الجيوسياسية وتأثيرها على المغرب“. سيّرها باقتدار نجيب الزروالي الواريتي، بما يحمله من ثقل وتجربة في المجالين التدبيري كوزير للتعليم العالي سابقا، والديبلوماسي بصفته سفيرا سابقا للمغرب في تونس.
اللقاء نظمه”منتدى كفاءات إقليم تاونات“، عبّر فيه الأستاذ إدريس الوالي عن شكر حسن أوريد على تلبية الدّعوة بصفته ريسا للمنتدى، مُعرّجًا في ذات الوقت على التعريف بالمُنتدى وأهدافه وسبب اختيار الموضوع، كما قدم نُبذة من سيرة المُحاضر، قبل أن يترك الكلمة للبروفسور نجيب الزروالي الواريتي لكي يدير فقرات الجلسة العلمية.
استهل حسن أوريد مُحاضرته بالتعبير عن ارتياحه لتلبية الدعوة التي أجلها لظروف خارجة عن ارادته، ووعد بلقاءات في تاونات.
قال المُحاضر أن “الناس تتماهى عادة بالفطرة مع السياسة، وتكاد تكون معها في علاقة انصهار”. مُذكرًا في ذات السياق أن “العالم الذي نعرفه قد انتهى مع سقوط جدار برلين”، ومع سقوطه “انتهت المنظومة القديمة بالتطورات التي عرفتها الحرب الروسية الأوكرانية” على المستويين الإقليمي والعالمي. وأضاف أوريد في سياق مختلف أن “العالم تخلص من الالتزامات والمعاهدات الدولية”، وأصبحنا نعيش أمام واقع جديد” لا يعترف فيه إلا بالقوي والقوة”.
وأضاف أنه في الوقت الذي كانت تعتقد أوربا أنها “حصّنت نفسها، وتعافت من داء الحروب، وجدت نفسها في الأخير تنغمس مُكرهَة في أتونها”، وأن الحرب تعنيها، عكس ما كانت تعتقد من أن “الحروب لا تهم سوى جنوب الكرة الارضية”، وظلت أوروبا تعتقد واهمة أن الوضع في يوغسلافيا السابقة “لا يعدو أن يكون نشازا ليس إلا…!!“
كما اعتبر أوريد أن “حدود الدول لم تعد مُحصنة كما كانت من قبل”، والدليل أنه في حرب الخليج الثانية “تم تأديب صدام حسين لأنه خرج عن المألوف، وتهجّم على حدود الغير بالقوة”، وهو “ما لم نلمسه مؤخرا في الحرب الرّوسية الاوكرانية” كما قال المحاضر. وأضاف أنه في هذه الحرب، ولأول مرة في التاريخ الحديث “تم التلويح والتهديد باستعمال السلاح النووي، ولو بشكل جزئي وتكتيكي”، بعدما كان هذا النوع من السلاح المدمر مُجرّد سلاح للتهديد بالرّدع في إطار توازن الرُّعب بين القطبين التقليديين. كما عرَّج المُحاضر على الحدث الأبرز الثاني، متمثلا في حرب غزة الأخيرة أو ما عُرف بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وهذه الحالة “اكتست صفة حرب في الواقع، ولكن دون مراعاة لضوابط القانون الدولي”. وأضاف أوريد أن “هذا الحدث في حدّ ذاته عبّر عن وحشية في استعمال القوة”. وكل ما سلف من أحداث، يقول المحاضر، أفرز لنا واقعا عالميا جديدا، متجاوزا بذلك “النطاق الجغرافي الشرق أوسطي، مشكلا حديقة خلفية للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أعطى لروسيا فرصة لإتمام ترتيباتها العسكرية من جديد في المنطقة”.
بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى الحديث عن الظاهرة الثالثة، متمثلة في رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واعتبر ذلك بأنه ظهور “ترامبية جديدة”، وهذه الترامبية، كما قال أوريد، تتبنى رؤى جديدة، مما يعتبر مدا للشعبوية اليمينية الأكثر تعقيدا في العصر الحالي. وأن الأمر تجاوز الاستحواذ على ما تحت الأرض من خيرات، إلى المطالبة بالأرض وما فوقها. واستحضر المحاضر في هذا الباب أحداثا بذاتها، من قبيل: «وضع اليد على جرينلاند” مرورا بمسألة “الترحيل القسري للفلسطينيين من قطاع غزّة”، وكذلك “التخلي عن الحليف الأوكراني، ومعه بعض الحلفاء الأوروبيين”، وهذه السلوكيات تبدو “تجاوزا للقانون والاعراف الدولية”. ويمكن اعتبار السياق الدولي الحالي بمثابة «تهليل لظهور قومية جديدة”، كما أوضح أوريد في محاضرته.
وتابع قائلا أن «جدية الموضوع تستدعي استحضار مفاتيح أخرى جديدة، لكي نفهم بتأني ما يجري من حولنا، معتبرا في ذات الوقت أن «الأمر ليس علما، وأنه علينا أن نحافظ على المفهوم الفرنسي- discipline”، لأن “الجيوسياسية والجيو بوليتيك تختلط عادة عند عامة الناس بالجيو- استراتيجية، علما بأن الأمران مختلفان تماما”. وتفاديا لأي لبس في المفهوم والمفاهيم، يقول أوريد أن “الجيوستراتيجية هي تأثير الجغرافية في المجال، أما الجيوبوليتيك فهي تأثير السياسة في الجغرافيا، وذلك انطلاقا من تصور يفرزه السياسي”.
وذكر حسن أوريد في محاضرته أن “الجيو- استراتيجية تهم العسكريين بالأساس، وقد ظهرت جذور هذا المصطلح في القرن التاسع عشر مع بسمارك والوحدة الألمانية”، وأضاف المحاضر أن “الإنسان كائن حيّ، ويمكنه تغيير الفضاء وإيجاد مناطق عازلة. ولذلك، ارتأت المانيا أنها في حاجة إلى فضاء خارجي، ومن حقها أن تتوسّع على أساس أن أوربا وآسيا هما قلب العالم وبؤرته ومحور العالم”. فيما رأت الولايات المتحدة الأمريكية، يضيف المحاضر “أن لها مذهبية للحد على هذا المركز المسمى أوراسيا ضد هتلر في مرحلة أولى، ثم ستالين من بعده”.
واسترسل أوريد موضحا أننا “أمام عالم قديم- جديد مع دخول الصين بصفتها فاعلا جديدا، وهي صاحبة التحدي الوجودي، كما ينظر إليه ترامب”. واستحضر جملة شهيرة تقول: “إذا كانت روسيا عاصفة، فإن الصين هي تغيير مناخي، وبالتالي هناك تغييرات حتمية قادمة، ستغيّر من ملامح خريطة العالم مستقبلا”. أما عن المملكة المغربية، قال أوريد، أنها “سايرت بكل حنكة ظروف الحرب الباردة، ونجحت. ومع سقوط برلين، أصبح المغرب أكثر انفتاحا. وبعد هجمات11سبتمبر، أصبح للمقاربة الأمنية دورا كبيرا”.
كما استحضر أوريد قضية المغرب الوجودية الأولى، متمثلة في الصحراء ووحدته الترابية، مُستحضرًا في ذات الوقت ما أفرزته حرب غزة المدعومة من إيران، وما خلفه سقوط بشار الأسد في سوريا من تداعيات في دول البلقان والشرق أوسط، وهو ما انعكس سلبا على دولة الجزائر. مؤكدا في ذات السياق أن “خيار الحرب كان واردا، ولكنه لم يكن أبدا في صالح الجزائر”، واستحضر في المحاضرة التي ألقاها أمام جمهور نوعي الهزائم التي مُنيت بها الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية، ممّا حتم عليها العمل على “إعادة انتشار دبلوماسيتها، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي بدأت في الخروج  تدريجيا عن عروبيتها، ومغازلة أكبر قوة عالمية، وهو ما عبّر عنه السفير بوقادوم عن استعداد الجزائر بيع معادنها النفيسة للولايات المتحدة الامريكية”.
بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى طرح إشكالية سياسية تهم الطريقة المثلى للتعامل اليوم مع ثلاثة فاعلين أساسيين في العالم، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، أوربا والصين. ورأى أوريد أن الحل قد يكون كما فعلت بعض الدول الآسيوية، ولكنها “وجدت نفسها في الأخير بين فكّي كمّاشة، وبالتالي لم تجد أمامها سوى أن تتعامل مع النقيضين، مثل حالة سنغافورة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ودول أخرى اختارت الملاءمة، وخلقت نوعا من التوازن”.
كما ذكر المحاضر أن “الخيار الأطلسي الذي أطلقه الملك محمد السادس هو الخيار الاستراتيجي، ويمكن للمغرب أن يستثمر فيه. وعلينا أن نبقى مستمرين في علاقتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية، وأن نكون حاضرين بقوة في الساحة العربية، وخاصة مع دول الخليج التي أصبحت طرفا مُهمّا في المُعادلة الدولية. كما يجب علينا أن نكون حاضرين بقوة مع الولايات المتحدة الامريكية”. وركّز أوريد في محاضرته على ضرورة “استعمال مفاتيح جديدة لأقفال قد تغيّرت، حتى نتمكن من فهم العالم الجديد من حولنا”.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *