الشاعر الراحل محمد الطوبي: يشعر الشاعر بالندم ليس لكونه شاعرا، ولكن لكونه في زمان خطأ وفي مكان خطأ

الشاعر الراحل محمد الطوبي: يشعر الشاعر بالندم ليس لكونه شاعرا، ولكن لكونه في زمان خطأ وفي مكان خطأ
علاء الدين الخياطي

حكايات مع الشاعر الراحل محمد الطوبي

بقلم: علاء الدين الخياطي

يشعر الشاعر بالندم ليس لكونه شاعرا، ولكن لكونه في زمان خطأ وفي مكان خطأ

سأروي للقراء عن علاقتي مع السي محمد الأخ والصديق، الشاعر والإنسان قبل كل شيء

كان والدي رحمه الله مدمن مطالعة، إنسان مثقف بما تحمله الكلمة من معنى، وقد غرس في حب القراءة. اذ منذ نعومة أظافري وأنا أتهجى أبجديات القراءة والكتابة، كان والدي يقتني كل يوم الجرائد الوطنية كالمحرر، العلم، رسالة الأمة، البيان، الميثاق  وجرائد أخرى الى جانب عدة مجلات، عربية الأسبوعية منها والشهرية، ودائما كان همي البحث عن الأقلام المغربية خاصة في مجال الأدب القصة و الشعر الذي كان يستهويني كثيرا، ومن بين الأقلام المبدعة التي تعرفت عليها من خلال القراءات، كان  الشاعر محمد الطوبي الذي راقني ما كان يكتب وهو يعزف على وتر العشق الممزوج بين أحلام الذات وأحلام الوطن وأحلام الصعلكة المزج بين السريالي والاحتفالي،  بين حب المرأة وحب الوطن  وحب النبيذ ، خلطة سحرية خاصة من الصدق والوفاء. والصعلكة الجميلة البريئة في عالم متصدع

كان هذا أول لقاء لي به، ثم جاء اللقاء الثاني من خلال فضاء مقهى كنا نرتاده بداية التسعينات، تعرفت على محمد الطوبى شخصيا، كان ومجموعة من أصدقائه كل مساء بشارع محمد الديوري يجلسون بمقهى ” النادي المنزلي”. مرارا يجلس بجانبي، لا أكلمه ولا يكلمني إلا من التحية الأولى المفروضة علينا كمسلمين عندما ندخل مجمعا ما. ” هيهه” وهو جاري بالمقهى. كنت  أشاركهم جلساتهم عبر اختلاس السمع  لحديثهم ، وأشاركهم الضحك على بعض النكت العابرة، فجأة اختفى محمد الطوبي عن الأنظار. سألت و تساءلت، فجاءني الجواب صادما حين مدني احد الاصدقاء بمقال بإحدى الجرائد، تحتوي على  مقال موقع  من طرف مجموعة من الكتاب والشعراء يطالبون بطرد الشاعر محمد الطوبي من اتحاد كتاب المغرب، تساءلت وعرفت حينها ان السي محمد الطوبي كتب قصيدة يهجو فيها الرئيس العراقي صدام حسين عنونها ب ” حجاج بغداد الأخير” جلبت عليه ويلات أشباه المثقفين،  وبما أني كنت كسائر المغاربة متابعا لأحداث الخليج حينها، تساءلت لماذا لم يتحاملوا على الروائي الطاهر بن جلون؟  رغم اختلافي مع أصدقائي حينها، فالطوبى برأيي لم يخطأ، بل قال الحقيقة رغم أن لا أحد كان يتمنى تلك النهاية المأساوية لقائد عربي.

الشاعر محمد الطوبي موظف بمكتب الضبط

جاءت مرحلة لقاء الإنسان لأتقرب أكثر من الرجل الإنسان المشبع بالإنسانية في أقدس تجلياتها، كنت يوما بمكتبي بجماعة الساكنية سنة 1992. فاذا بي أسمع قرعا خفيفا بالباب المفتوح أصلا، رفعت رأسي، سبقتني ابتسامة ترحيب بشخص أعرفه ولا يعرفني، أجاب بابتسامة أعرض منها وأجمل. طلبت منه أن يتقدم، فبادرني بالسؤال:( واش الكاتب العام هنا؟). أنا موظف جديد، وأطلق ضحكة. فقلت مرحبا بك تفضل اجلس. باردته بالقول السي محمد الطوبي.

قال أتعرفني؟، قلت:( الله اودي)، ومن لا يعرف السي الطوبي الشاعر المغربي الكبير؟

ناولني مذكرة إدارية تحمل تعيينه بمكتب الضبط.  لا أخفيكم، كم كانت فرحتي عارمة

رحبت به، طلبت منه أن يرافقني لأقدمه لزميلاته في المكتب الجديد. واللواتي هللن وكبرن فرحا بأن الشاعر الطوبي سيكون زميلا لهن في العمل لسمعته الطيبة داخل البلدية أي المعمورة قبل التقسيم

بعد قليل جاء الشاوش العربي الذي أخبرني أن السيد الكاتب العام قدم، ويطلب مقابلة السي محمد الطوبي، توجهت إلى مكتبي، بينما دخل الطوبي عند الكاتب العام

وأنا ألج المكتب، وجدت عضوا جماعيا يؤنب موظفة لسبب تافه، فطردته من المكتب اد لا أطيق التسلط وإهانة الموظف من أي شخص كان، فأزبد العضو وأرغد، فخرج الكاتب العام لتهدئة الوضع ومعه الطوبي كمراقب للأمم المتحدة “هيهه” الذي استحسن موقفي دفاعا عن الموظفة وبقي واقفا يراقب مع ابتسامة ماكرة على محياه. لما هدأ الوضع بادرني بالقول ” عجبتني فيه، الله يعطيك الصحة”.

قبل المغادرة مع السادسة والنصف اتجه صوبي وطلب مني أن نحتسي فنجان قهوة سويا. استحسنت الفكرة وأنا جد مسرور. وأخيرا سأجالس الشاعر الذي طالما قرأت له وعنه، وكانت تلك بداية علاقة استمرت لعقد من الزمن كان فيها السي الطوبي نعم الأخ والصديق قبل الزميل. كانت الوجهة أوتيل معمورة بفضائه الجميل الذي كان ملاذنا لسنوات عديدة

 من هنا بدأت حكاية أخوة رفيعة ونبيلة على كل المستويات، وتوالت الأيام والشهور والسنوات بطيئة كئيبة وحزينة عندما نكون خاويي الوفاض لا درهم لدينا، والشهر لا زال في منتصفه فيبادرني بجملته المعهودة ” إلى أين نذهب نحن اليتامى والإفلاس يجمعنا”؟! ومرات أخرى تكون الدنيا الجميلة بموسيقاه الحالمة والصاخبة والجيوب مليئة حتى حين! اليوم الطايح كثر من الواقف والواقف عيان البارود موجود ” هيهه. بين لابيطا والمدنية العليا

محمد الطوبي الاب والزوج والشاعر

تزوج محمد الطوبي من الحي الشعبي الدي كان يقطنه وأنجب ابنيه نزار وغسان، ببيت متواضع متكون من غرفة وصالة وبهو ومطبخ وسطح، جهة تطل على فضاء واسع به سوق صغير، أي سويقة طارق بن زياد حيث العذاب اليومي مع تجار الخضر والفواكه والسمك والأواني المنزلية.  ففي السادسة صباحا تبدأ المعاناة، نهيق الحمير والبغال وأصوات المطارق، وهي تدك وتدق الأوتاد الحديدية لإقامة الخيام، انه صباح لابيطا بامتياز، صيفا: غبار لا يطاق بحكم عدم ترصيف الأزقة، شتاء: أزقة مغمورة بمياه الأمطار، مستنقعات هنا وهناك تنقصها الأسماك أو طيور البط حسب وصفه الشيء الذي كان يكرهه سي محمد إلى أقصى حد، وكم مرة أخبرني أنه سبيع هذا المنزل اللعين، كما يسميه ويشتري ساروت بالفيلاج ليستطيع أخيرا أن ينام بسلام

كان يغادر المنزل صباحا غالبا في الساعة التاسعة صباحا ولا يعود له إلا بعد منتصف الليل حسب الحالة المادية، كان يحب أن يطبخ الأكل بيده، لا يحب السندويتشات الجاهزة كان يحب طاجين الخضر باللحم، طاجين السمك، وشوايات السردين الصباحية، رغم كل هذا كان قليل الأكل كثير الشرب والتدخين

خاصية كانت تحيرني في السي محمد وتميزه، كان يفضل شراء مجلة على شراء عشاء ليلته أو ما يسد به رمقه. القليل القليل من سكان لابيطا كان يعرف القيمة الحقيقية لسي محمد الطوبي كشاعر له وزنه على الصعيد العربي والمغربي. السي محمد كان أنيقًا جدا، يحرص على اقتناء لباسه بعناية فائقة، يختار الألوان الزاهية، وبدلات بربطات عنق أخر موضة، وهذا كان حاله باستمرار حتى في أيام عطلته. كان يحب الحياة ويحب الناس، كل من عرفه يحبه. إنسان بسيط متواضع كريم بشوش متخلق، كان محبوبا عند الجمي ويساعد الجميع. ويحب أن يصل كرمه للجميع عندما يكون ممتلئ الجيب كرم حاتمي إن صح القول، كانت علاقته بالأخر / المستضعف علاقة استثنائية أذكر مثلا البائعات المتجولات اللواتي يشتري منهن أقصى ما يستطيع ولو أن لا حاجة له بالكثير مما اقتناه منهن وعندما أسأله عن السبب يقول لي بكل بساطة إنهن عفيفات شريفات فضلن العمل والكدح على بيع الجسد

العائلة: نقطة ضعف سي محمد! لقد عانى من اليتم وهو صغير، بحيث فقد أمه التي كان يعشقها حد الجنون فانعكس ذلك العشق على حياته وعلى شعره ذلك من خلال علاقة سي محمد بأمهات أصدقائه وصديقاته كانت كل أمهاتهم بمثابة أم له، الشيء الذي لاحظته في تعامله مع أمي التي غدت تعامله كابن لها وتسأل عنه متى أطال الغياب، وعندما تهم بطهي شهيوات تعرف ان السي محمد يحبها كانت تطلب مني إحضاره معي في الغد اذ تحضر اما اللحم بالجلبانة والقوق، أو اللحم بالحمص واللفت أو الهركمة التي كانت من أفضل الأكلات التي يحب من يد الوالدة

علاقته بأبيه لم تكن على ما يرام، بل وصلت إلى درجة القطيعة، لم أعرف أن للطوبي أب لا زال على قيد الحياة، إلا ذات صباح في العمل إذ جاءه نعي أبيه من أحد الجيران، وتردد كثيرا في الذهاب إلى مراسيم الجنازة، ولكن بشيء من إصراري وإلحاحي عليه لكي يقوم بالواجب.  أسر لي أن لا زوجة أبيه ولا أخيه يكنان له المودة والمحبة. وبالفعل كان استقبالا باردا من طرف أخيه الوحيد الذي يعتبر بقية عائلته بعد رحيل أمه وأبيه. غادرنا دار العزاء وحكى لي أن المشكل الذي ترتب عنه كل هذا الجفاء هو مشكل الإرث فيما خلفته والدة السي محمد ولم يتلق منه هو ولا سنتيم. فساءت علاقته بأخيه الوحيد الى درجة انه لم يأت لزيارته إبان مرضه رغم الاتصالات المتكررة به كما لم يحضر جنازته

 كان رحمه الله يحب ابنيه غسان ونزار حد الجنون، كان مهووسا بهما، بحكم انه كان مطلقا، عندما يشده الحنين إليهما يبكي كطفل صغير. لم أكن بداية الأمر أعرف سبب بكاءه ولما سألته ذات مرة صرخ في وجهي ” اتوحشت أولادي” هذه العلاقة تظهر بجلاء في ديوانه ” قمر الأندلسي الأخير”.

تجميع الكتابات الشعرية للراحل

بدأت الفكرة ليلة وفاته بمنزله بلابيطا وهو مسجى بجانبنا جثة هامدة، وكأنه في قيلولة، كنا خمسة أصدقاء محمد لطيف، الدوش العربي، بلمدني رشيد. الجمايلي ادريس وعبد ربه، حكيت لهم كيف أن السي محمد كان يستشعر قرب رحيله الحتمي، وكيف تكلم معي يومها بحسرة كبيرة حول ضياع كل ما أفنى عمره وهو يدبج ويبدع دواوين وأشعار خاصة الدواوين التي لم تجد حظها لدور النشر بعد، اتفقنا يومها على إنشاء جمعية تحمل اسمه هدفها العمل على صيانة الموروث الأدبي والوثائقي للراحل وكذا العمل على اصدار الدواوين المخطوطة ثم الأعمال الكاملة

أطلقنا على الجمعية اسم ” جمعية أصدقاء الشاعر محمد الطوبي للثقافة والإبداع”، وكان لنا ذلك بعد مرور تقريبا إحدى عشر شهرا على رحيل الشاعر أي 12/12/2004 يوم الجمع العام التأسيسي وكان المكتب الأول المتكون من محمد العسولي، مصطفى النافي، العربي الدوش. بلمدني رشيد. فاتن بربيعة. علي برعيش، خدوج الساكت، محمد لطيف، عبد اللطيف خير. وعبد ربه علاء الدين الخياطي

لابد أن أذكر العراقيل والمضايقات التي لاقتنا ونحن بصدد إخراج الجمعية للوجود، أولها قلة التمويل إن لم أقل انعدامه. تنكر بعض أصدقاء الراحل من مثقفي المدينة للراحل حيث أصر البعض على عدم ذكر أو اقتران اسم الجمعية بالاسم الصريح للراحل محمد الطوبي، رغم ذلك كان إصرار الإخوة على المضي قدما رغم العراقيل والمضايقات وقلة ذات اليد. واستطعنا بحول الله وتمرس العديد من الإخوة في العمل الجمعوي على تحقيق الهدف وخلق التميز على الساحة الثقافية القنيطرية في المجال الثقافي حيث بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية الوازنة التي قدمنا طيلة سنوات العمل المتواصل وصلنا للذكرى العاشرة تخليدا لدكرى رحيل الكبيرين المطرب العباس الخياطي و الشاعر محمد الطوبي كما دابنا على تنظيم ملتقى الغرب للزجل وكانت سابقة بمدينة القنيطرة ان يتم الاحتفاء بالزجل والزجالين حيت وصلنا للدورة السادسة ثم انشانا جائزة محمد الطوبي للشعر الخاصة لتلاميذ الثانوي الدورة السادسة، كذلك ثم نشاط يخص الاصدارات الجديدة انشطة تخص الطفولة خاصة بالمدرسة الابتدائية طارق بن زياد بلابيطا حيث تتلمذ الراحل محمد الطوبي بالإضافة لأنشطة اجتماعية متعددة وكان اول اهتمام بما خلفه المرحوم إصدار سنة 2007 عن دار البوكيلي للنشر ديوان يحمل عنوان “غواية الأكاسيا” وبمجهودات وإصرار الجمعية في شخص رئيسها الفنان التشكيلي مصطفى النافي والشاعر ادريس عيسى، وعبد ربه حملنا الدواوين المخطوطة وكذا الدواوين المنشورة وقصدنا وزارة الثقافة مصلحة الكتاب التي  يرأسها الشاعر حسن الوزاني الذي استقبلنا بحفاوة ووعدنا على عمل كل ما بوسعه لإخراج الأعمال الكاملة للراحل محمد الطوبي بدعم من وزارة الثقافة ووضعنا كل الدواوين أمانة في عنقه إلى حين تحسين الظروف وإدراج أعمال الشاعر محمد الطوبي ضمن اللائحة المقترحة للدعم، إلا أنه كان سيحدث ما لا يحمد عقباه. أسابيع مرت وانقطع الاتصال مع السيد حسن الوزاني تحول إلى أشهر. وأخبرني معها السيد النافي أنه ربما وقع مكروه للأعمال الكاملة للراحل محمد الطوبي حيث إنها لم تعد موجودة بمكتب السي حسن وأنه لا هو ولا السي حسن يعرف ملابسات هذا الاختفاء المفاجئ. أصبنا حينها بصدمة. كيف بالله أن يضيع جهد صديقنا هكذا فجأة. لم أصدق وأخبرني النافي أنه قال للسي حسن بالحرف إذا لم تجدوا أعمال السي محمد فإني سآتي وسأقوم باعتصام مفتوح وأفراد الجمعية أمام وزارة الثقافة. وبعد مرور أسبوع هاتفني السي النافي ليخبرني بشرى العثور على أعمال السي محمد، وأن السي حسن طلب منا الحضور إلى مديرية الكتاب حيث تم توجيهنا إلى دار النشر السليكي إخوان التي ستتكلف باستصدار الأعمال الكاملة للراحل محمد الطوبي.

فلاش باك: السي محمد كان يخاف أكثر من احتلال منزله الذي يقطنه بلابيطا من طرف عمه الغليظ الطباع الفظ، كما كان يصفه لي، وفعلا ذلك ما وقع حيث كان المنزل يتكون من طابقين، الطابق السفلي تقطن به ابنتي عم السي محمد والطابق الأول هو للراحل محمد الطوبي، المنزل كان به باب واحد ودرج يوصل لمنزل الراحل الطوبي بالطابق الأول. بعد وفاة السي محمد عملت احدى بنات عمه على فتح باب مستقل ليصبح كل منزل في معزل عن الآخر، ولما شرعنا في العمل بمباركة ابني الراحل نزار وغسان وأمهما فاطنة بربيعة. نتفاجأ بظهور عمه مهددا إيانا بالوعيد إن نحن قمنا بأي تغيير في المنزل. وبعد عودة عائلة الطوبي من الديار الفرنسية حينها قام بتغيير قفل الباب وطردنا مهددا إيانا بساطور وأشبعنا سبا وقدفا. وقضينا بعدها زهاء سنتين ونصف في دهاليز المحاكم. لتحكم المحكمة قي الاخيرأن يبقى الوضع على ما هو عليه ومنحتنا إمكانية فتح باب لعزل بيت الراحل الطوبي عن بيت بنات عمه. وحكمت على عمه بسنة سجن موقوفة التنفيذ، خلال هذه الفترة وقعت لي طريفة من السيد وزير الثقافة الشاعر الأشعري الذي جاء في زيارة مفاجئة لدار الثقافة علال الفاسي حيث كان يعمل الراحل محمد الطوبي صحبة والي المدينة بدون بروتوكول ولا موكب وزاري، أخبرني بذلك أحد الموظفين قلت في نفسي هذه مناسبة لأعرض على سيادته المشاكل التي يعرفها بيت الشاعر محمد الطوبي وكيف ان الإرث الأدبي الذي هو ملك جميع المغاربة الذي خلفه الراحل سيضيع جراء سيطرة عمه على البيت وحرمان أبناءه ونحن أعضاء الجمعية من ولوجه،  لحسن الحظ كنت قد حررت ملتمسا كتابيا للسيد الوزير أقدمه له في حالة فشل الملتمس الشفوي. وكان ظني في محله ، وخيب ظني السيد الوزير الذي لم يعر أي اهتمام لما قلته، وفاجأني بجواب غير مسؤول. لما أخبرته بأنه كل ما خلفه الشاعر محمد الطوبي أصبح عرضة للضياع بسبب تهور عمه وسيطرته على المنزل وإني أخاف على الإرث الأدبي أكثر من خوفي على المنزل الذي خلفه. كان جوابه ” أنا لست من ذوي الحقوق” الجواب الصدمة. فتمنيت حينها لو لم يحضر الوزير ولا أخبروني بمجيئه عندها ناولته الملتمس الكتابي الذي يدوره ناوله للسائق المرافق لهما”

فصدرت الأعمال الكاملة عن وزارة الثقافة في طبعتها الأولى سنة 2017 منشورات السليكي إخوان، طنجة في ستة أجزاء

ترتيب وتصنيف وجمع ما خلافه الراحل

بدأت كما قلنا منذ وفاته وخاصة قبيل إنشاء الجمعية  في 12 دجنبر الفين واربعة حيث قمت ومجموعة من أعضاء الجمعية وهنا الشكر موصول لعائلة الراحل وأبناءه الذين منحونا كل الصلاحيات ووضعوا فينا الثقة الكاملة للمحافظة على منزله ومحتوياته وحرورا لي والأخ محمد لطيف وكالة عامة في هذا الخصوص، وبعد أن حكمت المحكمة لصالح العائلة ضد عم الراحل محمد الطوبي استأنفنا العمل على ترتيب وتصنيف الموروث الأدبي والوثائقي للراحل حيث قمنا كمرحلة أولى بتجميع كل المخطوطات وتصنيفها وتجميع الدواوين المخطوطة فرز وتصنيف الرسائل المتبادلة بين الراحل وعدد مهم من الكتاب والأدباء والشعراء العرب والمغاربة، أدونيس، البياتي، محمد زفزاف، بنعمارة ، عبد الناصر لقاح، بنيونس عميروش الفنان التشكيلي. الدريبي، وحرز الله بوزيد، أحلام مستغانمي …. واللائحة طويلة.

حفل التوقيع الخاص بالأعمال الكاملة، الأول تم بمعرض الكتاب بالدار البيضاء الذي عرف إقبالا كبيرا وتوافد عدد مهم من المهتمين وأصدقاء الراحل المقربين، ثم الحفل الثاني الباذخ الذي نضمه بيت الشعر بتطوان وهنا أقف وقفة إجلال وإكبار لمثقفي مدينة تطوان الحمامة البيضاء. مدينة الوفاء بامتياز المدينة الوحيدة التي كرمت الراحل محمد الطوبي بكل حب وتقدير لشخصه ولشعره. المدينة الوحيدة بعد القنيطرة التي نظمت اربعينية تليق بالراحل محمد الطوبي، ثم بعد ذلك تم استدعاؤنا الشاعر ادريس عيسى الفنان التشكيلي مصطفى النافي، الشاعر عبد الناصر لقاح، لاحتفالية شاعر في الذاكرة التي نظمه بيت الشعر بتطوان بمبادرة من الأخ الشاعر مخلص الصغير والمترجم الشاعر خالد الريسوني وكانت بالفعل أمسية وفاء وحب وتقدير لما قدمه الشاعر الراحل محمد الطوبي للشعر المغربي والعربي على حد سواء

بدأت عملية تجميع الموروث الوثائقي للراحل محمد الطوبي وتقديمه كهبة للمؤسسة الوطنية أرشيف المغرب. صدفة وأنا أتابع النشرة الإخبارية الأخيرة حيث في الفقرة الأخيرة تم تخصيصها للحديث عن مؤسسة ارشيف المغرب بمناسبة لا أذكر هل كان اليوم العالمي للأرشيف. المهم تابعت باهتمام هده الفقرة ففكرة لماذا لا نقدم الموروث الوثائقي للراحل لهذه المؤسسة الوطنية لصيانته وحفظا لذاكرة الراحل محمد الطوبي التي أصبحت ملك لجميع المغاربة وكنز لا يجب التفريط فيه. بمجرد انتهاء الأخبار دخلت المتصفح غوغل وطلبت معلومات حول المؤسسة

فلم يبخل على صراحة ومدني بكل ما أردت السؤال عليه. وقررت مع نفسي أن أهاتف المؤسسة والاستفسار حول إمكانية تقديم الهبة وما هي الشروط وكان ذلك، حيث أجابتني سيدة بكل أدب واحترام قدمت نفسي على أساس أني عضو بجمعية أصدقاء الشاعر محمد الطوبي وأريد باسم العائلة والجمعية تقديم هبة للموروث الوثائقي للراحل محمد الطوبي فضربت لي موعدا في الأيام القليلة القادمة كون مدير المؤسسة في رحلة عمل وسيتم الاتصال بي بمجرد عودته. وبالفعل بعد مرور يومين من أول اتصال جاءني اتصال من المؤسسة التي ربطتني بالسيد الدكتور جامع بيضا الرجل المتواضع الطيب الوطني الغيور والحارس الأمين على الذاكرة المغربية الذي رحب بي غاية الترحيب رحب بالفكرة فكرة الهبة. ودعاني أولا لزيارة المؤسسة والتعرف عن قرب على اهتماماتها. أول ما فكرت فيه بعد هذا الاتصال المفيد من السيد مدير المؤسسة هو الاتصال بذوي الحقوق، كان لي الاتصال مع، أم دوي الحقوق أم نزار وغسان حيث عرضت عليها الفكرة، استحسنتها وباركت ما نقوم به وأعطتني الضوء الأخضر (رغم توفري على وكالة مفوضة من طرف ورثة أخي محمد الطوبي، إلا أنني لا أقدم على أي خطوة دون استشارتهم ليطمئن قلبي وضميري). تم اتصلت بالشاعر ادريس عيسى الأخ والصديق للراحل محمد الطوبي والدكتور على برعيش عضو جمعية أصدقاء الشاعر ثم اتصلت بالقاص محمد فري والشاعر عبد الناصر لفاح، وعرضت عليهم فكرة الهبة، ثمنوا المبادرة واستحسنوها وباركوا كل الخطوات، مرحلة التنفيذ كانت الخطوة الأولى اد تم الاتصال بالأخ سعيد بوطبسيل. وطلبت معونته باعتباره عضو بالجمعية وكذا لحسه الاحترافي والمهني في المجال

أولا قمنا بزيارة لمؤسسة أرشيف المغرب للوقوف عن كثب على اهتمامات المؤسسة وما هي النصائح التي سيقدمها لنا المهنيون والتقنيون بالمؤسسة حتى نقدم عملا متوازنا مفيدا لنا وللمؤسسة. وبالفعل كان لقاء شيقا ممتعا ومفيدا. صراحة لم أندم على التفكير في الاتصال بمؤسسة أرشيف المغرب لا بمديرها الدكتور المتواضع الوطني الغيور ولا بالأطقم التقنية التي منحتنا كل الدعم ووجهتنا باحترافية متناهية الدقة للوصول وتقديم الهبة في حلة تليق بالراحل محمد الطوبي. وكان الاشتغال المضني والمرهق والشيق في نفس الوقت. وأن تقوم بنفض الغبار على سيرة مبدع بقامة السي محمد الطوبي وتلج ادق أدق تفاصيل حياته العادية والفنية. فكان اولا الاتصال بالأخت فاتن ربيعة القيمة على منزل أخينا الطوبي أخبرتني أن البيت يلزمه عملية تنظيف لأنه ظل مغلقا لما يزيد عن الأربع سنوات لم يلجه أي أحد، بالإضافة إلى وباء كورونا الذي قلص من تحركات وزيارة المنزل او الاهتمام به

بالفعل كان الوضع كارثي على اعتبار أن المنزل جاء بمنطقة شعبية تعج بالباعة المتجولين بجانب سويقة طارق بن زياد لكن الحمد لله أن الغرفة التي تحوي مخلفاته ومكتبته كانت محكمة الإقفال ولم تتضرر كثيرا. وبدأت عملية تصنيف مخلفات الراحل سيدي محمد الطوبي وهنا لابد من الإشادة بمساعدة ومساهمة الأخ سعيد بوطبسيل وبالمجهودات الكبيرة التي قدمها والتضحية المادية والمعنوية بنكران الذات وهمة كبيرة. كما قلت تظافرت مجهوداتنا مع ما قام به أعضاء الجمعية سنوات 2006-2007 التي أثمرت صدور ديوان غواية الأكاسيا دار النشر بوكيلي كما اشرت سابقا

جزيل الشكر لرئيس الجمعية الفنان التشكيلي مصطفى النافي والشاعر المغربي الكبير ادريس عيسى في تحقيق الإنجاز الكبير والاستماتة والتضحية من أجل صدور الأعمال الكاملة عن دار النشر السليكي إخوان بدعم من وزارة الثقافة وهنا لابد من الإشادة بما قام له الشاعر حسن الوزاني رئيس مديرية الكتاب بوزارة الثقافة. بدء العمل صحبة الأخ سعيد بوطبسيل بنقل مخلفات الشاعر الى مكتبه الخاص في صناديق كرتونية بعدها قمنا بتصنيف وتقسيم الموروث. استمرت العملية زهاء ثلاثة أشهر من العمل المتواصل والمضني، وتم بعون الله تجميع هذا الموروث في صناديق بلاستيكية بكل احترافية وتم الاتصال بالسيد مدير مؤسسة أرشيف المغرب الذي حدد لنا تاريخ 22 اكتوبر 2021 كموعد لتوقيع اتفاقية الهبة بين المؤسسة وورثة المرحوم الطوبي الذين يمثلهم عبد ربه علاء الدين الخياطي بوكالة مفوضة

وبالفعل انتقلنا إلى مدينة الرباط في مجموعة من الإخوة أعضاء الجمعية يترأسهم الشاعر المغربي الكبير والصديق الحميم للراحل ادريس عيسى.  والسيدة فاتن ربيعة عضو الجمعية وتمثل عائلة الراحل والدكتور على برعيش والأستاذ سعيد بوطبسيل وعبد ربه علاء الدين الخياطي. وفي حفل راق رغم الظروف الاحترازية بسبب وباء كورونا إلا أن حفل التوقيع كان مميزا بالنسبة لنا كأعضاء الجمعية حيث أننا وفينا العهد للراحل لأننا استطعنا أن نحافظ على التركة الأدبية والوثائقية للراحل وحفظها من الضياع  والتلف وأن هذه التركة سيكون بإمكان  المهتمين من الاطلاع عليها في ظروف علمية لائقة

 الجميل في هذا الحفل أنه بمجرد ما بدئنا باستعراض الموروث الوثائقي للراحل أمام السيد المدير، انبهر باحترافية التجميع والتصنيف حيث صرح أن العمل الذي قمنا به وبهده الطريقة جنب المؤسسة ساعات، بل أياما من العمل المتواصل

 ونظرا للقيمة الفنية والجمالية للموروث أصر السيد جامع بيضا دون تردد على إقامة معرض يليق بهذا الموروث ومن خلاله الشاعر المغربي الكبير الراحل محمد الطوبي وأسرع إلى مفكرته ودون حتى التاريخ الذي حدده بتلقائية وعفوية وهو الواحد والعشرون من مارس الدي يصادف اليوم العالمي للشعر، وفي آخر الحفل تم توقيع اتفاقية الهبة (وكأن جبلا انزاح على كتفي. حمدت الله وشكرته على هذه النعمة إنها فرحة بسعة الكون). وعدنا إلى مدينة القنيطرة فرحين بتحقيق انتصارنا التالي الذي يتجلى في وضع تركة المرحوم بين أيادي آمنة. وكدا تحقيق حلم إقامة معرض شامل وجامع لموروث الراحل وكان لنا ذلك انه حلم يتحقق شكر يا الله لقد أكرمتنا

تواصلت اللقاءات مع المؤسسة في شخص لجينة يرأسها الدكتور خليل يعيش. مكونة من أربعة أطر تابعة لأرشيف المغرب كلفت بالإشراف على تنزيل المعرض ومحتوياته وعبد ربه والأخ بوطبسيل نقوم بالتنسيق مع اللجنة لتوضيح بعض المسائل التقنية في حياة الشاعر والموروث الذي خلفه كما كلفنا بالسهر على إقامة أمسية شعرية وشهادات في حق الراحل واختيار المدعوين لهذه الأمسية الشعرية التي تصادف اليوم العالمي للشعر

وتم بالفعل استدعاء كل من الشاعرة وداد بنموسى، الشاعر عبد الناصر لقاح، الشاعر محمد شنوف، القاص محمد فري، الدكتورة بديعة لفضايلي، الدكتور علي برعيش وعلاء الدين عز الدين في التنشيط الموسيقي، الشاعرة ليلى بودي

الواحد والعشرون من مارس كان يوما مشهودا في حياتي وفي تاريخ الثقافة والأدب المغربي أن يتم الاحتفاء بشاعر رحل بهذه الطريقة الراقية والباذخة أن يقام له معرض بهذه الطريقة الاحترافية والفنية الأخاذة أعتبرها آخر صيحة في تنزيل المعارض لشخصية أدبية لم يسبق لي ولم أتخيل أن أرى هذه الاحترافية وهذا الرقي وهذا الجمال كل الحضور أجمع على أنه عمل غير مسبوق في تنزيل حياة شاعر من خلال معرض فني. كان حفلا يليق بملك الصعاليك الجميل شاعر المرأة والنبيذ وحرقة الوطن

فعلا من خلال صفحة الفايسبوك واطلاعي على الوفود المهمة التي زارت المؤسسة وبالتالي زارت معرض الراحل محمد الطوبي ما دون على صفحات الدفتر الذهبي ولقائي المباشر بمثقفين وفنانين عبروا عن إعجابهم وتثمينهم لهذا العمل الرائع والراقي

خلاصة القول

 الشاعر محمد الطوبي يستحق هذا الجمال لأنه شاعر الجمال، يستحق هذا الرقي لأنه شاعر راقي

 يستحق هذا التكريم لأنه كان كريما نديا معطاء. وإنسانا طيبا ومتواضعا، وكانت هذه ارتسامات الجمهور المحب للجمال وللفن، المحب لرد الاعتبار لكل من ساهم في رفع القيمة الجمالية للمتلقي، لكن بالمقابل كانت حصوة في حذاء الحساد من الطبقة المثقفة، أصدقاء السوء المنافقين الذين أساؤوا للراحل في حياته وتجاهلوه في مماته غيرة وحسدا لكن الله كبير الله حليم لأن للراحل أصدقاء أوفياء من مثقفين شعراء أدباء وأناس عاديين أحبهم وأحبوه وبذلوا كل ما في وسعهم لرد الاعتبار للشاعر وللإنسان

كل هذا يحيلنا على قيمة الموروث الوثائقي الذي خلفه الراحل، وبالتالي فإن هذه العملية التي قمنا بها بعد تفكير عميق واستشارة لأهل الراحل وأصدقائه المخلصين من شعراء وأدباء ومثقفين وكذا الاطلاع عن كثب على عمل مؤسسة أرشيف المغرب والدور الوطني الكبير الذي تقوم به في حفظ الذاكرة الجماعية الوطنية في كل المجالات وسائر الحقول المعرفية الأخرى جاءت الهبة كتتويج لكل هذه العناصر مجتمعة صراحة هذا نداء لكل من له غيرة على الذاكرة المغربية مؤسسة أرشيف المغرب تفتح ذراعيها لكل واهب وقد كان اعتزازي كبير لكون المغرب يتوفر على مؤسسة وطنية غيورة على الموروث الوثائقي لكل المبدعين ورجالات السياسة والاجتماع والرياضة هذه المؤسسة التي تضم أطر وطنية محترفة وكفئة تساهم في حفظ هذا الموروث بكل احترافية

الشاعر محمد الطوبي كان يتنفس شعرا حيث كان رحمه الله غزير الانتاج 16 عشر ديوانا في ظرف عشرين سنة من الإبداع، لقد قال عنه الشاعر خالد الريسوني ” الشاعر محمد الطوبي من أقوى الشعراء المغاربة وأغناهم تمردا ونخوة وكبرياء”. وكان يتماهى في قصيدة محمد الطوبي عشق الوطن وعشق المرأة وعشق النبيذ

قبل وفاته استضاف بمدينة القنيطرة الزمرة من الشعراء والفنانين الذين كان يعتبرهم بحق أصدقاء مقربين له وعلى رأسهم الشاعر ادريس عيسى، الشاعر بناصر لقاح، الشاعر الاعلامي شكري البكري، الفنان التشكيلي عميروش بنيونس الشاعر والمترجم خالد الريسوني، الشاعر والاعلامي محمد بشكار الذي لا زال يحتفظ بحوار مطول أجراه مع الراحل محمد الطوبي ولم يكتب له النشر حسب علمي. الشاعر عبد الله ورياش. هؤلاء هم من خصهم الراحل محمد الطوبي بليلة الوداع كل واحد منهم على انفراد

الطوبي وجنون المخاض

حالة طريفة وقعت لي مع الطوبي ذات يوم وهو يكتب إحدى قصائده، هي لازالت مسودة قصيدة كان يخطها بورق من الحجم الصغير. بنهاية القصيدة. الوقت عصرا دخل في عزلة مع القصيدة لدرجة أني انزعجت وأحسست بالملل الحانة شبه فارغة. صمت رهيب موسيقى لا ترقى إلى ذوقي فجأة عنت لي أن أقرأ ما يخطه فامتدت يداي إلى قصاصة الورق الموضوعة جانبا سحبت واحدة فكان رد فعل الطوبي مفاجأ وصادما بعض الشيء حيث ارتمى على القصاصة التي في يدي وباقي القصاصات فوق الطاولة وأخذ يمزقها بشكل جنوني وهستيري ، ظننت أن به مس من الجن أو ما شابه حتى أتى عليها كلها قطعا صغيرة وأخذ كأسه بيده وجرع رشفات متتالية، وكأنه عاد إلى صوابه حاول الاعتذار مني وأنا المصدوم من هذا التصرف الغريب عني غلا أنه شرح لي أنه لا يطيق أن يقرأ أي كان القصيدة في حالة مخاض قبل أن تصل إلى نهايتها. محمد الطوبي لم يكن يكتب قصائد تحت الطلب او مناسباتية، الطوبي كان يكتب القصيدة حية كنا نعيش القصيدة. كان دوما ينبهني الى أني أعرف الكثير من أسرار قصائده وليس لي الحق في شرح أي شيء لأي كان لتبقى القصيدة تحتفظ بغموضها وبالتالي جماليتها وقدسيتها

أجمل القصائد التي كتبها الطوبي حول الأم ورثاء الأم هي دمعة الأربعاء إلى عائشة الشاوني، وصادف ذات يوم أن زارني أحد الأصدقاء المقربين للطوبي حسب قوله وهو قاص وأديب ليقدم لي واجب العزاء في وفاة والدي الراحل العباس الخياطي الذي وافته المنية شهر واحد بعد رحيل صديقي محمد الطوبي ونحن نتكلم عن الطوبي وشعر الطوبي أراد أن يستحضر تعلق الطوبي بأمه مشيرا إلى قصيدة دمعة الأربعاء وعائشة الشاوني على اعتبار أنها أمه. الشيء الذي أدهشني كون أحد رفاق السي محمد على امتداد ثلاثين سنة ولا يعرف اسم امه الحقيقي ولمحت له أن عائشة هي أم إحدى زميلاته في العمل الشيء الذي لم يعجبه وسألني بنبرة استفزازية ومن تكون أمه فأجبيته باعتبارك صديقه لأزيد من 30 سنة كما تدعي فعليك معرفة اسم امه. ابحث عنه في دواوينه. انتهى الكلام

يا الساهر في صحوة الحلم تشهد زهو امرأة

تخرج من أقاصي القصيدة

ترقص بجسد من برق وعسل ونبيد

تنثر في حلبة الرقص نرجس النشوة

يا الساهر العليل

من صدرك تعبر لوعة الموت

        محمد الطوبي/ الرباط 10/02/2003                                                                                                                    

رمضان 2003 السي محمد في رمضان له طقوس خاصة في استقبال هذا الشهر الكريم. رغم الصداقة التي كانت تجمعنا، رمضان كان بالنسبة له شهر عزلة وانعزال كلي عن محيطه. هذا العام لم أتمكن من رؤيته او الاجتماع به إلا صدفة في الأسبوع الأخير من رمضان وبالضبط في منطقة الخبازات اتصلت به مرارا وتحدثنا عبر الهاتف دعوته للإفطار معي مرارا لكنه كان يتدرع بنزلة برد ألمت به ذلك اليوم رأيت شبحا يمشي على رجليه يغالب نفسه تقدمت نحوه بعد السلام والتحية بادرته بالسؤال السي محمد ماذا بك. أ إلى هذا الحد. أخذت منك نزلة البرد. لا أظن ذلك.) هدشي لي عطى الله (. أجابني بنبرة حزينة

بادرته أنت اليوم غادي تفطر معايا تردد كثيرا. قبل أن اجبره على قبول الدعوة لكن اشترط على أن نعود إلى لابيطا لإحضار الدواء الذي وصفه له طبيب مختص في الرئة عدنا إلى البيت في انتظار آذان المغرب أعددت مائدة الإفطار. بعد الآذان أخذ الدواء ولم يفطر بدعوى أنه يجب على انتظار انصرام ساعة بعد أخذ الدواء. لم أستسغ الأمر وقلتها له صراحة ” هذه ليست نزلة برد أخي محمد قلي ما بك صراحة. قال بامتعاض إنه داء السل اللعين”

هذا ما قاله لي الطبيب وأنا الآن أتبع هذا الدواء الذي وصفه لي. يقنت ساعتها ان هناك خطا ما في تشخيص حالته الصحية. لم أتمالك نفسي وأجبته بعصبية لا تقل لي أنه داء السل لم أر منذ التقائي بك مع الثالثة بعد الزوال إلى هذه الساعة أي عرض من أعراض السل. قل غير ذلك

واتفقت معه على ضرورة الذهاب إلى مستشفى الحسن الأول الاختصاصي في أمراض السل هو من سيحدد هل مصاب بالسل أم لا. وبالفعل ذهب لإجراء التحاليل اللازمة. أسبوع بعد ذلك اتصل بي على الساعة الثامنة صباحا وصوته يوحي أنه في حالة صحية حرجة. ” انتقلت إلى منزله رفقة أحد زملاء العمل وحملناه إلى قسم المستعجلات وأخضعوه إلى الفحوصات اللازمة اكتشفت في آخر المطاف أن الدكتورة بمستشفى الحسن الأول وجهته إلى مصحة أنوال قصد القيام بأخذ عينات الرئة لتحديد مكونات وطبيعة المرض. قمنا بحمله إلى المصحة لعدم توفر قسم المستعجلات على الآلات المطلوبة. المصحة حددت اليوم الموالي لإجراء العملية. وانتظار أسبوع للحصول على نتيجة التحليلات المخبرية

حملته الى بيتي وكان مرحبا به من طرف كل افراد العائلة والاصدقاء. رغم الألم وصعوبة التنفس التي كان يعاني منها كان صامدا قويا

جاءت النتيجة مخيبة للآمال صادمة. أخدنا التحليلات إلى الدكتورة التي صدمت بدورها عند معرفتها أن التحاليل تفيد أن السي محمد يعاني من سرطان غير حميد.  قامت بتوجيهه لمعهد الانكولوجيا محمد بن عبد الله بالرباط

تاهت بي السبل لم أعرف ماذا أقدم ولا ما أؤخر ماذا سأقول لسي محمد كيف أخبره. فقررت أن أخفي عليه الأمر طلبت منه مدي بمفكرة ارقام هواتف بعد ان اخبرته ان حالته ليست بخطيرة لكن تلزمه مصاريف طائلة للاستشفاء مما يعني تدخل جهات رسمية بمبادرة من اصدقائه الشعراء وكدا مؤسسة اتحاد كتاب المغرب. كان من واجبي ان أخبر عائلة الطوبي، اتصلت بأصهاره وكانت السيدة بربيعة فاتن هي صلة الوصل بيننا تم اتصلت بأم اطفاله نزار وغسان الدين استقلوا اول طائرة قادمة للمغرب من اسبانيا للاطمئنان على صحة والدهم

 بدأت بالاتصال ببعض أصدقائه الشعراء وباتحاد كتاب المغرب. ادكر على سبيل المثال لا الحصر ادريس عيسى، والشاعرة وفاء العمراني والشاعر محمد بنيس الدي كان حينها خارج المغرب. اد كان يزوره كل جمعة بعد الانتهاء من مشاغله بالكلية وعندما سمح البرفسور لسي محمد بقضاء عطلة اخر الاسبوع بمدينة القنيطرة كنا نلتقي به بمحطة القطار اكدال. والشاعر عبد الناصر لقاح والشاعر والمترجم خالد الريسوني، والشاعر حسن نجمي، والشاعر ادريس الملياني والشاعر عبد الله وارياش

بالفعل لقيت تجاوبا منهم كما حررت خبر مرضه وحاجته للمساعدة حيث اتصلت بسعيد الرفاعي الذي استقبلني بوكالة المغرب العربي للأنباء وقام باللازم. بعدها حضي بزيارة من طرف الاخوة باتحاد كتاب المغرب فرع القنيطرة يتقدمهم الاديب محمد سعيد سوسان القاص احمد بطة الاديب مصطفى يعلا القاص ادريس الصغير والقاص مصطفى لكليتي استسمح ان نسيت بعض الاسماء. وقد طلب مني الشاعر حسن نجمي في اتصال هاتفي أن امده بالملف الطبي الخاص بسي محمد الطوبي للقيام بالمتعين. فحملته له الى مقر جريدة الاتحاد الاشتراكي بالرباط. بعدها اتصل بي وأخبرني أن السي محمد حضي برعاية ملكية هو والروائية مليكة مستظرف أنهم ينتظرون عودة الملك من عطلته بفرنسا للقيام بالإجراءات اللازمة لنقله إلى المستشفى

حالة السي محمد تزداد سوءا يوما بعد يوم وفوجئت ذات صباح بزيارة للملحق الثقافي بسفارة الكويت وعضو اتحاد كتاب المغرب وبعض أعضاء اتحاد كتاب المغرب فرع القنيطرة وموظف من وزارة الثقافة لمنزلي بالمدينة العليا للاطمئنان على صحة الشاعر محمد الطوبي

طلبت من ممثل اتحاد كتاب المغرب وكذا الموظف بوزارة الثقافة الإسراع بنقل محمد الطوبي للمستشفى لأن حالته الصحية تتدهور يوما بعد يوم وكان ذلك حيث اتصل بي بعدها الكاتب العام لوزارة الصحة الذي طلب مني تهيئ الشاعر محمد الطوبي لنقله إلى مستشفى محمد بن عبد الله الرباط قصد الاستشفاء وبالفعل حضرت سيارة الإسعاف التابعة للوزارة، ثم نقل إلى معهد الانكولوجيا مولاي عبد الله. وأودع السي محمد بغرفة لا تليق به ولا بحالته الصحية. وفي الغد جاء لزيارته أحد أعضاء اتحاد كتاب المغرب وأكد انه ستتوالى زيارات أخرى للاطمئنان على حالته والسهر على استشفائه وأن أحد الإخوان سيزوده بالجرائد والصحف يوميا. كانت تلك آخر زيارة للمسؤولين عن الاتحاد وعن الوزارة. ظروف الاستشفاء لم تكن مناسبة كانت دون المستوى بحيث اننا كنا نضطر لاقتناء كل الوجبات اليومية من إفطار غداء وعشاء من الخارج كما كان السي محمد يشتري كل الأدوية من ماله الخاص عدا أدوية العلاج الكيميائي، وفي كثير من الأحيان كان يتأخر وصول الدواء الكيميائي لأكثر من أسبوع لظروف وأسباب مجهولة. وهنا أخبرت أصدقائه الشعراء وكثفت من الاتصالات الهاتفية لأفهم مادا يقع.  أحد الشعراء أجابني بكل صدق استسمج لا املك صلاحيات في هذا الباب أنا مجرد شاعر

 أسلمت أمري وأمر السي محمد لله وهنا لا بد من الإشادة بالزيارات المتكررة للإعلامية السيدة أسمهان عمور وزوجها العمراني وما قدموه للسي محمد الطوبي كما أشيد بما قدمته مجموعة من ممرضات الهلال الأحمر المغربي ملائكة الرحمان اللائي سهرن على مواساة والأخذ بيد السي محمد إلى أخر رمق في حياته حيت كن يتجشمن عناء التنقل اليومي بين الرباط والقنيطرة والسهر على تطبيبه وراحته بدون مقابل واذكر كلا من الأخوات سميرة وأمينة وفاطمة الزهراء

عند عودتي للقنيطرة تساءل العديد من الصدقاء والمعارف لماذا لم أرافق الطوبي إلى فرنسا قصد الاستشفاء؟  استغربت وتساءلت من له الغرض في إطلاق هذه الشائعات التي لا وجود لها

استمر سي محمد في تلقي العلاج بمستشفى مولاي عبد الله رغم الظروف الكارثية، بحيث بدأت حالته تتحسن شيئا فشيئا. آخر فحص أجراه أخبره البروفسور المعالج بأنه يمكن أن يغادر المستشفى للعودة بعد ثلاثة أشهر لفحص آخر. وعدنا للقنيطرة والأمل يحدونا في شفاء تام، إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان بعض المشاكل التي لم يستسغها السي محمد أعادته لعادته،  حاولت أن أثنيه عن ذلك مرارا عوض أن يستمع لنصائحي بدأ يهرب مني ومن نفسه إلى الشرب فاضطررت أن أجاريه لأن حسب آخر زيارة للمعهد اتضح لي  ان الداء اللعين يمكن ان يكون قد انتقل إلى أعضاء أخرى وأن الحالة الراهنة ما هي إلا مرحلية وكذلك كان الشيء الذي أحسسته انه بدء يفقد توازنه  وبدء يلح على استدعاء أعز أصدقائه الى قلبه لتمضية وقت ممتع وكأنه يودعهم وكذلك كان وكانت النكسة حيث بدأ يفقد توازنه وكأنه أصيب بشلل في أعضاءه اليسرى رغم حمله للمستشفى حالته لم تتحسن أثقلوه بالأدوية المهدئة وموعد على امتداد ثلاثة أشهر أخرى لم يكملها ولم تمهله  حيث لبى نداء ربه يوم الثلاثاء 6/01/2004 والغريب أن خالد الريسوني أخبرني أن السي محمد الطوبي وأحد أصدقائه التقيا بمهرجان أصيلة صيف 2003 حينها كان السي محمد في فترة نقاهة أولية. تعاهدا على اللقاء السنة القادمة، ذات أربعاء والمذهل أنهما رحمهما الله توفيا يوم الثلاثاء 6/01/2004 ودفنا في نفس اليوم الأربعاء 7/1/2004

 صراحة وبالنظر لما وقع للعديد من الكتاب والمثقفين المغاربة أسماء وازنة ضاع كل ما تعبت من أجله أو في طريقه للضياع، أقولها صراحة بعد رحيل الشاعر محمد الطوبي إلى اليوم 18 سنة تم إنشاء جمعية تحمل اسم الراحل همها صيانة موروثه 12/12/2004 تم إصدار ديوان غواية الأكاسيا سنة 2007 تم المجموعة الكاملة سنة 2017، ثم الهبة المقدمة لمؤسسة أرشيف المغرب2022 والتي تضم كل ما خلفه الراحل. إرثه الوثائقي ومتعلقاته الشخصية ورسائله وأعماله الفنية. أنا جد فخور بما قمنا به فخور بما قامت به جمعية أصدقاء الشاعر محمد الطوبي للثقافة والإبداع القنيطرة. كتجربة فريدة في المغرب وكما كنت أقول دائما. جمعية الأصدقاء هاته هي روح وليست كيان. روح نفخ فيها السي محمد من محبته للناس ومن إصراره على الإبداع رغم الظروف القاسية

النقد في المغرب. هناك غياب شبه تام لنقاد الشعر.  حيث الكثير من النقاد إن لم نقل جلهم يتجهون إلى التجارب الروائية السردية على حساب المجاميع الشعرية وبالتالي يمكن تصنيف نصوص الراحل محمد الطوبي ضمن النصوص الغائبة أي الغائية عن النقاد. كما أن الأعمال الشعرية يتم اختيارها أو انتقاءها لمكانة أصحابها عند النقاد في ظل غياب تيار أو مدارس أو اتجاهات في النقد لأنه وكما يقول الكثيرون هو نقد أفراد وليس جماعات ورؤى مشتركة

شعر محمد الطوبي أو التجربة الشعرية لا زالت لم تلق العناية التي تليق بها، هناك كتابات نقدية او قراءات متفرقة لدواوين بعينها. أو دراسات متفرقة في العديد من الكليات المغربية القنيطرة، مكناس، تطوان وغيرها كالمبادرة التي قام بها الطالب محمد أزضو لنيل شهادة الماستر مكونات الأدب العربي في المغرب الحديث والمعاصر التحليل والخطاب البحث تحت عنوان ” التجريب في ديوان أنت الرسولة أيقوناتك اندلعت. صراحة هناك شح في الدراسات النقدية، أتمنى ان يتدارك ذلك مستقبلا

اختم بقول السي محمد الطوبي ** يشعر الشاعر بالندم ليس لكونه شاعرا، ولكن لكونه في زمان خطا وفي مكان خطا. **

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com