الأديب المصري علاء الاسواني
الأشجار تمشي في الإسكندرية
المختار عنقا الإدريسي
استهلال أولي :
سنتوقف في هذه المحطة عند الأديب المصري علاء الاسواني، ونحاول أن نقرأ مع أصدقاء “جريدة ألوان ” ومتتبعيها روايته الأخيرة” الأشجار تمشي في الإسكندرية ” .
من هو علاء الأسواني ؟
هو وحيد أسرته المنحدرة من وسط ارستقراطي ، حيث كان عم والدته وزيرا للتعليم قبل ثورة يوليوز، بينما كان والده يعمل محاميا و كاتبا و روائيا ، وقد هاجرت عائلته إلى مدينة القاهرة التي ولد فيها بتاريخ 26 ماي 1957 ، وهو حامل للباكلوريوس من كلية طب الفم والأسنان بجامعة القاهرة (1989) ،
وحاصل على شهادة الماجستير في طب الأسنان من جامعة الينوي / شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية(1985) ، وبالاضافة إلى لغته العربية فهو يجيد الانجليزية والفرنسية والاسبانية .
أعمال علاء الأسواني
تعددت ابداعاته الروائية ومنها نذكر:
* يعقوبيان ( 2002 ) وهي الأكثر مبيعا على الإطلاق في العالم العربي
* نيران صديقة ، وهي مجموعتة القصصية الأولى ( 2004 )
* شيكاغو (2007 )
* نادي السيارات في ( 2017 )
* جمهورية كأن في ( 2018 )
وفي 2024 نشر روايته الأخيرة ، الأشجار تمشي في الإسكندرية، وعدد صفحاتها 374 وقد صدرت بالإسكندرية
وقد سبق أن قال في إحدى حواراته – 2016-
بأنه ” ممنوع من الكتابة الصحفية أو الظهور في القنوات التلفزيونية المصرية منذ عام ونصف
مؤكدا على أن منعه هذا ليس رسميا ولكنه عملي ”
وقد توجت مسيرته الابداعية بالحصول على العديد من الجوائز ، كانت أولها هي جائزة “باشراحيل ” للابداع الثقافي من العربية السعودية (2005) . وتجذر الاشارة الى أنه أول مصري يحصل في ( 2008 ) على جائزة كرايسكي التي كان قد فاز بها الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا في 1981 لكفاحه ضد الميز العنصري ، كما حصل عليها فيصل الحسيني في 1991 تقديرا لدوره في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية . وهي جائزة دولية مرموقة تمنح كل عامين تكريما للانجازات البارزة في حقوق الإنسان وقد تأسست في 1976 بمناسبة بلوغ المستشار النمساوي برونو كرايسكي سن الخامسة والستين كاعتراف بمساهماته الكبيرة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية ،
وقد حصل عليها علاء الأسواني تقديرا لجهوده في مجال الكتابة و النشاط السياسي حيث أن معظم أعماله الأدبية تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية الحساسة في المجتمع المصري وهو الأمر الذي ساهم في الوعي بحقوق الإنسان والديموقراطية .
وبعدها حصل على جائزة الإنجاز من الجامعة التي درس بها بمدينة شيكاغو ( 2010 ) وهي أرفع جائزة تمنحها هذه الجامعة .
وكانت آخرجائزة حصل عليها هي جائزة جاك أوديبرتي الأدبية من فرنسا سنة ( 2019 )
دوره السياسي والادبي:
بالإضافة إلى كون علاء الأسواني أديبا عالميا فهو كذلك ناشط ومعارض لكل الأنظمة السياسية التي عاصرها في مصر ، واصفا إياها بالفاشية العسكرية أو الفاشية الدينية ، وداعيا إلى قيام الدولة الحديثة والديمقراطية التي يفصل فيها الدين والجيش عن الحياة السياسية . وفي نفس الوقت كان عضوا نشيطا في حركة ” كفاية ” المعارضة التي تسعى إلى تحقيق التغيير السياسي الجذري في مصر ، وقد لعبت دورا محوريا في مختلف التحولات السياسية التي ستعرفها البلاد .
ورواية الأشجار تمشي في الإسكندرية ، هي رواية اجتماعية سياسية تاريخية في نفس الوقت يتناول الكاتب فيها ، الحقبة التي أعقبت ثورة 1952 بمصر وفيها يتداخل البعدان الاجتماعي والسياسي تداخلا مميزا ، يجعل الرواية تُظهر كلاهما وجها لعملة واحدة ، فهل صحيح أن الأشجار كانت تمشي في الإسكندرية ؟ ولو أنها مشيت فهل سترجع ثاني ؟ وهو ماسنحاول التوقف عنده في المقطع الرابع من هذه الورقة
رواية الاشجار تمشي في الإسكندرية
العنوان والغلاف واللغة :
عنوان الرواية هو مستمد من قصة جاءت على لسان أحد أشخاص الرواية ، وهو مستمد من قصة زرقاء اليمامة وهي امرأة عربية سكنت اليمامة وقيل أنها كانت ترى الشخص على بعد ثلاثة أيام وأن عينيها لونهما أزرق فاشتهرت بزرقة عينيها وحدة بصرها حتى أن قومها كانوا يستعينون بها لتحذرهم من الغزاة . وفي رواية علاء الاسواني ، يحكي الراوي عن احساسه بأن الإسكندرية سوف تتغير ،
ومعناه أن هذه المدينة التي نعرفها ، تختفي الان شيئا فشيئا لتحل محلها اسكندرية أخرى لا نعرفها ولا تعرفنا .
اما غلاف الرواية فهو عبارة سيارة سوداء تعود إلى مرحلة أربعينات أو خمسينيات القرن الماضي يظهر عليها ظل أشجار مما يجعلها تتحرك في اتجاه مجهول ، وبها فتاة تبدو جميلة تمثل مدينة الإسكندرية بثراتها الغني والأنيق .
أما اللغة التي اعتمدها الكاتب في نسج خيوط روايته ، فجاءت فصيحة تتخللها أحيانا مجموعة حوارات باللهجة المصرية غير الفصيحة، خصوصا عندما يكون الحوار بين أشخاص ينتمون إلى الوسط الشعبي ، وبتركيز شديد نقول بأن الكاتب اعتمد فيها أسلوبا ساخرا وحادا رصد به التفاصيل الدقيقة للمجتمع المصري بكل طبقاته .
المواضيع الرئيسية للرواية :
ويمكن أن نجملها في النقط التالية :
* الصراع الاجتماعي ومن خلاله تسلط الرواية الضوء على مختلف الظروف الطبيعية والصراعات الاجتماعية الي ميزت مرحلة الانتقال من الملكية إلى الجمهورية
* الهوية ، وتناقش الرواية – كما سيبدو لنا لاحقا – مفهوم الهوية الفردية والجماعية في ظل التغيرات المتسارعة التي حملتها مع ثورة 1952
* الحب والفقد ، حيث تتناول العلاقات الانسانية بمختلف التعقيدات المفروضة بما في ذلك الحب والفقد
مضمون الرواية:
تدور أحداث الرواية في مصر خلال فترة الحكم الناصري بعد ثورة الضباط الأحرار ، وماصاحب ذلك من مظاهر وأولياء تتجلى في المراقبة الكاملة لمختلف الفضاءات العمومية ، وحتى للأماكن الحميمية ، وماصاحب ذلك من تأميم للشركات الكبرى ، ونزع للملكيات شمل المصريين والأجانب ، خاصة منهم الأتراك واليونانيين .
وقد نسج الكاتب أحداث روايته من خلال مجموعة من الأصدقاء المقربين إلى بعضهم ، جمعت بينهم مدينة الإسكندرية رغم تعدد أصولهم وجذورهم في المجتمع الإسكندري ،فكانوا يلتقون ويتحدثون عن الحياة العامة والخاصة ، ويحتفلون بمختلف المناسبات ، و يتطرقون في نفس الوقت للامور السياسية المعاشة انذاك بكل حرية عندما يجتمعون ليلا ، داخل حانة صغيرة تابعة لمطعم شهير بالإسكندرية اسمه ” أتينوس ” ، وقد أطلقوا على مجموعتهم اسم ” الكوكاس ” وهذه التسمية كان قد أطلقها القنصل العام الأمريكي على مجموعة أمريكية معارضة من الأصدقاء لهم اهتمامات سياسية مشتركة ، يستفزون بعضهم البعض ، فيختلفون أو يتفقون حول الكثير من القضايا وغالبا ماكانت تعتبر من التجمعات التي ساهمت خلال فترة الخمسينيات في التفاعل مع العديد من الأحداث السياسية كتأميم قناة السويس وعدوان 56 .
فهذا (كارلو ) الرجل الثاني في المطعم و الذي آل إليه من وراثة شرعية يتميز باللباقة ويتحول إلى زبون فوق العادة رفقة أعضاء المجموعة ويتكلف بتوزيع الكؤوس ومراقبة كل من لعبت الخمرة به ، حرصا على الأمن وسلامة الجميع ، فصارت سلوكاته تشكل جزءا لا يتجزأ من حياته اليومية. أما المحامي (عباس القوصي ) وهو العارف بخبايا النظام السياسي ، والذي لا يتكلم الا بلغة القانون و الرافض للنظام القائم آنذاك ، وتلك زوجته ( نهى الشواربي) تحمل في ذاكرتها نذوبا تكفي لتتشكل منها رواية قائمة الذات فهي ابنة إسماعيل باشا الشواربي الذي صودرت ثروته المادية والمعنوية، وعاش ويلات السجن فتحول من وزير واطار محترم خلال فترة الحكم الملكي إلى شخص مغضوب عليه ، وبعد خروجه من السجن انتهت مأساته بالوفاة ، الأمر الذي أدى بابنته إلى الحقد على النظام السياسي الجديد . أما (ليدا أرتينوس ) وهي يونانية مصرية ، صاحبة المطعم فقد حافظت على سمعة مطعم والدها الذي ورثته عن والدها ، و بجانبها الفنان المصري والتشكيلي (أنس الصيرفي ) وهو الشخص المشاغب والمتمرد الذي لا يخفي مواقفه اتجاه كل ما يعيشه البلد ، وهو في نفس الوقت كثير الاستفزاز لصديقته الفرنسية ( شانتال) صاحبة المكتبة التي تسهر على تنظيم حفلات توقيع الكتب واستقبال الشخصيات الثقافية ، والمعروفة بأنها تشرب حتى الثمالة ، فتطلق لسانها في البوح بكل تستضمره . ومن أعضاء هذه المجموعة نذكر كذلك ( توني كازان ) اليوناني صاحب مصنع الشكولاته ، وسليل الأسرة الثرية التي استوطنت الإسكندرية فبعد أن قضى عمره في تجميعه ، سيجد أن رأسماله انتقل إلى جيوب الضباط بحجة التأميم وتوزيع الأموال على المحتاجين .
ويبقى القاسم المشترك بين أعضاء المجموعة هو حبهم غير المشروط لبعضهم واعتقادهم بأن العالم يبدأ من مدينتهم ، ولا يخرجون عن موقفهم الحذر من النظام السياسي الجديد لأنه يحد من حماقاتهم ومغامراتهم التي يؤطرها توجههم السياسي وثقافتهم الليبرالية وحريتهم الفكرية والدينية – فمنهم المسيحي والمسلم واللاديني – ، فهم يشكلون وحدة متجانسة مع أهل البلد ويعيشون مغامراتهم ، إلى أن عصفت بهم الثورة وقلبت كل موازينهم ، فأممت التجارات وتعرضوا للدسائس والمكائد بسبب جنسياتهم الغربية ، والتجريد من ألقابهم ومكاناتهم الإجتماعية وتم التنكيل بطبقة الأثرياء منهم .
وهناك شخصيات أقل ثقافة تبقى حاضرة في السرد الروائي ، أمثال ( عدلي الأسود) الذي خرج من الملجأ إلى الشارع ليحفر طريقه ويعيش بقوة ساعده ، وكأنه نموذج لظاهرة
” الفتوة ” التي عرفها المجتمع المصري قديما ، وشخصية ” نعمة ” التي أجبرتها الظروف للعمل رقاصة .
وتبعا لما جاء في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 15 ماي 2024 ، فالرواية تتناول أجواء مدينة الإسكندرية في العهد الناصري ، مركزة على التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واكبت التحول من الملكية إلى الناصرية في تلك الفترة وترصد انعكاساتها على مجتمع الإسكندرية
” الكوزموبوليتاني ” ، حيث يسلط الكاتب الضوء على مجموعة من الأجانب الذين كانوا يملأون الإسكندرية في ذلك الوقت ، مشكلين نسيجا متجانسا مع أهل البلد ، ويصف يومياتهم وعالمهم المتسالم إلى أن عصفت الثورة و قلبت كل الموازين فمنهم من أممت تجارته ومنهم من تعرض للمكائد بسبب أصوله الغربية ، ومنهم من أصر النظام على تجنيده عبر الترغيب والترهيب لخدمته …. كذلك نرى في الرواية مصريين جردوا من ألقابهم ومكانتهم
الاجتماعية ، وآخرين نكلت بهم طبقة أثرياء المال والسلطة الجدد وآخرين آمنوا بالثورة والعدالة التي تعد بها ،
فتعرضوا للخيبات الجسام .
ومن أجواء الرواية نقرأ:
في حوار بين الفنان التشكيلي والمشاغب ( أنس الصيرفي ) وصديقته (ليدا ) صاحبة المطعم ، نسوق الحوار التالي :
【 – هل سمعت عن زرقاء اليمامة؟
-لا
-زرقاء اليمامة امرأة عربية عاشت قديما ، كانت معروفة بقوة بصر خارقة ، وكانت قبيلتها تستعملها لاستطلاع تحركات الأعداء وبفضل بصرها الخارق كانت تكتشف تحركات الأعداء مبكرا مما جعل قومها ينتصرون في كل حروبهم وذات يوم استطلعت زرقاء اليمامة الطريق و قالت لقومها : ” اني أرى الأشجار تمشي ” .
فلم يصدقها أحد وسخر الناس منها واتهموها بأنها كبرت وخرَّفت ثم تبين بعد ذلك أن الأعداء غطوا أنفسهم بغصون الأشجار وهجموا على قومها وهزموهم وكانوا يستحقون الهزيمة لأنهم لم يصدقوا زرقاء اليمامة الفنان مثل زرقاء اليمامة يبصر دائما قبل الأخرين .
ابتسمت (ليدا) وقالت :
-وأنت ماذا ترى أيها الفنان ؟
-قلت :
الأشجار تمشي في الإسكندرية 】.