الأديب المغربي محمد صوف في حوار حصري لألوان
أولاد الكاريان” ليست سيرة ذاتية تخييلية “
صحافة الماضي كانت أحسن من الحاضر
حاوره: ل. وريغ
:تقديم
أصدر الكاتب محمد صوف، منذ أشهر قليلة من سنة2024 ، رواية جديدة تحت عنوان”أولاد الكاريان” عن دار النشر أكورا. وتقدم صفحات هذا العمل الروائي صورة تمزج بين الواقعي والمُتَخيّل لفضاء الكاريان الذي قضى الكاتب سنوات عديدة بين أزقته ودروبه
وفِي الحوارالحصري الذي خص به المبدع جريدة” ألوان” الإلكترونية، يتحدث القاص والروائي المغربي محمد صوف عن هذه الرواية الجديدة وعن الكاريان الذي يتحمل دور الشخصية الرئيسيّة إلى جانب الشخصيات الروائية من أجل رسم لوحة روائية تصف الوقائع والأحداث التي عاشوها خلال السنوات الأخيرة من الحماية الفرنسية وبداية الاستقلال
يجيب صاحب”كازبلانكا”عن أسئلة لها علاقة بالكتابة الروائية وبأزمة الإبداع الورقي وبالصحافة الثقافية إضافة إلى قضايا أخرى… لنتابع
————
ألوان: أستاذ محمد صوف ، ما هي انطباعاتك الأولية حول رواية “أولاد الكاريان“التي أصدرتها مؤخرا عن دار “آكوراللنشروالتوزيع”، وباعتبارك قارئها الأول؟
محمد صوف: صحيح أن القارئ الأول للرواية هو كاتبها، وهذه مسألة طبيعية
و لن تحتاج منا إلى تفسير. فروايتي”أولاد الكاريان” التي أصدرتها بحر هذه السنة ، حاولت أن تكشف عن معالم وخصوصيات فضاء الكاريان الذي عشت فيه وعايشت الكثير من أحداثه وشخصياته، وبالتالي فإن الكاريان المتخيل هو نفسه الكريان الواقع. اخترت أن أجعل من مكان الكاريان شخصية روائية تتحدث عن نفسها كما تتحدث الشخصيات الروائية في الكثير من النصوص التي نعرفها
أما عنوان الرواية فيحيل إلى أهمية المكان ومحوريته، بينما “الأولاد” يؤثثون الكتابة الروائية بشكل عام. وإذا أردت أن أتحدث عن زمن الرواية، فيمكنني أن أشير إلى أني اخترت الاشتغال على فترة تتأرجح بين مرحلتين: نهاية الاستعمار وبداية الاستقال
يعرف الجميع أن “كاريان سنطرال” بالحي المحمدي شكل نقطة ضوء في تاريخ المواجهة مع الحماية الفرنسية مما جعله يدخل في خانة الكفاح الوطني ضد الاستعمار. وتشير الكثير من المصادر والمراجع إلى أن كاريان سنطرال كان مهد أول عملية كفاحية سنة ١٩٥٢بعيد نفي المغفور له محمد الخامس خارج أرض الوطن، الشيء الذي جعل الفرنسيين يتساءلون عن حقيقة هذا التحرك الذي قادته فئة من الشعب المغربي تنتمي إلى طبقة اجتماعية مسحوقة… كانت هذه اللحظة مؤشراعلى انطلاق الشرارة الأولى للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي
وبالعودة إلى الرواية، أشير هنا إلى أن جميع شخصياتها تتسم بكونها شخصيات يمتزج فيها الواقعي بالمتخيل، أي أن الكاتب هنا قام ببعض الروتوشات على هوية هذه الشخصيات حتى يحقق فعل الحكي مرماه، بينما حافظت الرواية عن الخصوصية التاريخية للأحداث والوقائع
ميزة هذه الرواية، التي نتحدث عنها، أنها قصيرة من حيث عدد صفحاتها وكلماتها، مما يمكن القارئ بقراءتها في لحظات زمنية وجيزة
ألوان: لماذا هذا الإصرار على الكتابة الروائية القصيرة في مسارك الإبداعي؟
محمد صوف: كل كاتب له رؤيته الخاصة للكتابة الإبداعية. وأنا أعرف، من خلال ثقافتي الأدبية، أن الرواية و القصة جنسان أدبيان يفرضان على الكاتب حجمهما. فإذا كانت القصة القصيرة عبارة عن ومضة، فالرواية تتميز بكونها عالم شاسع. ولا أعتقد أن العامل التجاري وأزمة القراءة يتحكمان في حجم هذا الجنس الأدبي أو ذاك
وجوابا عن سؤالك وسؤال كل من يقرأني منذ نصوصي الأولى، أصرح هنا بأني كاتب ذو نفس قصير وليست لي القدرة على التمطيط
ألوان: ألا يعود هذا الاختيار إلى كونك قادم من عالم القصة القصيرة؟
،محمد صوف: ربما تكون هذه الفكرة صحيحة بالنسبة لغيري، أما أنا فعندما أفكر في كتابة الرواية ، أكتبها، وعندما أفكر في القصة أنزع عني صفة الروائي
صحيح أني كتبت روايات كانت في البداية عبارة عن قصص قصيرة مثل قصة:” ما لم تلتقطه أذنا نعيمة يوم ذاك” التي تحولت إلى رواية بعنوان”كازبلانكا“[١٩٨٩] ذات النفس الطويل
قلت لك في بداية هذا اللقاء الصحفي مع جريدتكم الإلكترونية
ألوان: ألا تتضمن هذه الواقعية في الرواية معالم من سيرتك الذاتية؟
محمد صوف: ممكن حدوث ذلك، وربما سيجد القارئ في صفحات الرواية هذه المؤشرات التي تدل على حياة كاتبها سواء من خلال شخصية واحدة أو من خلال عدة شخصيات
لكن، أؤكد لك أن “أولاد الكاريان” ليست سيرة ذاتية تخييلية، وإنما هي رواية بالمعنى المتعارف عليه عند نقاد الأدب
أنا كاتب مهووس بالورق
ألوان: شكل الواقع مصدرا لكتابة الرواية وينبوعها وبالتالي يمكن أن نتساءل معك عن كيف يمكن للإبداع أن يساهم في تغيير الواقع أو إعادة فهمه وتفسيره؟ محمد صوف: جميع الأعمال الأدبية يكون مصدرها الواقع، بل إن جل التيارات الفنية جعلت من الواقع أساسها ومنطلقها.. وحتى الرواية السوريالية كانت تستند إلى الواقع وإعادة صياغته وفق رؤية خاصة بها، ثم لا ننسى الفن التشكيلي التجريدي الذي جعل من الواقع منطلقه…إلخ
إذن، الذي يعيد إنتاج هذا الواقع وفهمه وتفسيره هو الكاتب أو الفنان إنطلاقا من الأدوات التي يتخذها وسيلة للاشتغال
أما الادعاء بأن الرواية لها قدرة على تغيير الواقع، فهذا أمر غير قائم على الإطلاق، لأن دور هذا الجنس الأدبي يقوم على وظيفة تصوير الواقع ووصفه وانتقاده ولكنه لا يستطيع تغييره
ألوان: هل معنى هذا أن الرواية تقرأ الماضي ولا تتنبأ بالمستقبل؟
محمد صوف: الرواية فن مثل سائر الفنون التي أبدعها الإنسان. ربما تمتلك الكتابة الروائية دورا في توجيه شخص ما نحو فهم الواقع بشكل آخر.. أي على المستوى الفكري أو الجمالي فقط. وهنا أستطيع أن أشير إلى أن لوحة فنية، مثلا، لها إمكانية تغيير الكثير من القيم والمفاهيم لدى مشاهدتها و التفاعل مع مكوناتها الجمالية
ألوان: نعود إلى “أولاد الكاريان” وتاريخ صدورها شهرمارس 2024هل تعتبر هذه الفترة مناسبة لرواجها ؟
محمد صوف: الجواب يمتلكه الناشر صاحب الاختصاص وليس الكاتب؛ الناشر يعرف منطق الترويج التجاري لأي عمل روائي أو شعري أو فكري… ومع ذلك، أخبرك أن هذه الرواية كانت سترى النور بعيد الدورة الأخيرة من المعرض الدولي للكتاب بالرباط، لكن الناشر اقترح علي تأجيل صدورها إلى شهر أكتوبر الذي يتزامن مع مناسبة الدخول المدرسي… وهذا توقيت غير ملائم لأي عمل إبداعي نظرا لاعتبارات سيطول بِنَا الحديث عنها
أنا أعرف أن الترويج لأي عمل أدبي لا علاقة له بتاريخ صدوره أمام غياب القارئ وتدني مستوى المقروئية
ألوان: ما هي انطباعاتك حول المتابعة الصحفية والنقدية لروايتك التي لم تمر عن ظهورها إلا أشهر قليلة؟
محمد صوف: حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ستة أشهر، لم أقرأ شيئا عن هذه الرواية باستثناء مقال واحد للصديق والقاص عبد الحق السلموتي الذي نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي. كما أني تلقيت انطباعات شفهية وإيجابية من طرف بعض الكتاب الذين أشادوا بالرواية وبمستواها الروائي!!…وصرح لي البعض أنهم سينجزون قراءات نقدية حولها في قادم الأيام..أتمنى ذلك
ألوان: لماذا هذا الجحود في المتابعة الصحفية والنقدية للإنتاج الأدبي والفني ببلادنا؟
محمد صوف: منذ أن دخلت عالم الكتابة الأدبية، لاحظت أن الذين يكتبون عن قصصي ورواياتي هم في أغلب الأحيان أصدقائي. ونادرا ما أقرأ متابعة نقدية لكاتب لا يعرفني ولا أعرفه.. هاد الشي اللي عطا الله
أما بخصوص الصحافة، فيظهر لي أن الماضي كان أحسن من الحاضر.. لم نعد نتوفر على صحافة أدبية بالمعنى الذي تعنيه المهنة والكلمة، كما أننا افتقدنا للصحفي المتخصص في المجال الأدبي والنقدي، وهنا لابد لي من الإشارة،على سبيل المثال لا الحصر، إلى بعض الأسماء التي كانت تتحمل المسؤولية التحريرية داخل جرائدها وساهمت في الحركة الإبداعية ببلادنا، ومن بينها: عبد الكريم غلاب(رجل الثقافة والإبداع)، عبد الجبار السحيمي(رجل إبداع بامتياز)، مصطفى القرشاوي(كاتب للقصة)، محمد البريني( كاتب للرواية بالعربية والفرنسية)… أي أن الصحافة الورقية كانت تدرك أهمية الثقافة والإبداع وكيف يجب توظيفهما والاشتغال عليهما، بل إن هذه الصحافة الأدبية ستساهم بعد ذلك في صناعة أسماء والإعلاء من شأنها
ألوان: لماذا هذا الإصرار على الرواية الورقية في زمن بدأت تطغى عليه الكتابة الالكترونية والثقافة الافتراضية؟ وماذا لو أعدت نشر “أولاد الكاريان” على مواقع التواصل الاجتماعي أو في صيغة رواية إلكترونية؟
محمد صوف: أنا كاتب مهووس بالورق، و أَجِد صعوبة كبيرة في قراءة رواية على الحاسوب أو الهاتف أو اللوحة الإلكترونية…إلخ ثم أنا من جيل الكتاب الذين ترعرعوا أدبيا وسط الثقافة الورقية، أما الجيل الجديد فيظهر لي أنه يميل إلى القراءة الافتراضية ويتفاعل معها مثلما كنّا نحن نتفاعل مع الإبداع الورقي، وهنا لابد من استحضار الحدث الثقافي البارز الذي شهدته الدورة الأخيرة من معرض الكتاب بالعاصمة المغربية[2024]حيث استطاعت روايات الكاتب السعودي أسامة مسلم تحقيق أعلى نسبة من المبيعات خلال أيام قليلة، بل إن القرّاء مع اختلاف أعمارهم وجنسهم، وجدوا أنفسهم في طوابير طويلة لاقناء واحدة من روايات مسلم مذيلة بتوقيعه
أعتقد أن نجاح هذا الروائي السعودي في تحقيق ذلك يعود بالأساس إلى أنه يعرف كيف يروج لرواياته الورقية باستعمال وسائل التواصل الحديثة
نحن مطالبون الْيَوْمَ بالانتباه إلى ما يحدث حولنا وكفى من الكتابة لبعضنا البعض.. فالجيل الجديد لا يعرفنا ولايعرف إبداعنا مثلما يعرف أسامة مسلم
ألوان: كيف تطالب من الكاتب أن يغير كتابته وهو مازال محكوما بإشكاليات تنتمي للماضي إبداعيا وفكريا ولا تحاور إلا النخبة المثقفة؟
محمد صوف: الجيل الجديد يرغب في الإثارة ويبحث عنها حتى داخل الكتاب الورقي.. إنه يرفض كل اشتغال على اللغة ويتجه نحو الأحداث والشخصيات وكل ما هو استثنائي في عالم الكتابة التخيلية
القارئ العادي يقتني العمل الإبداعي من أجل الاستمتاع بصفحاته التي تستطيع أن تشده إليها مثل بعض الروايات البوليسية التي نعرفها جميعا وسبق لنا قراءتها
وهنا يكمن الفرق بين القارئ العاشق للأدب والقارئ العادي
ألوان: من هوالكاتب الذي مازال يبحث عنه محمد صوف بعد هذا المسار الطويل من الكتابة الإبداعية؟ هل هي هوية الكاتب الكبير أوالكاتب المشهور أو الكاتب الأكثر مبيعا للكتب أو كاتب الجوائز الأدبية…؟
محمد صوف: أبحث عن الكاتب الذي يقتنع داخل قرارة نفسه بأنه كاتب بغض النظر عن الصفات المشار إليها أعلاه